قَالَتْ لِيَ الْسَّمْرَاءُ ..

قَالَتْ لِيَ الْسَّمْرَاءُ ..

بقلم :: فوزي الشلوي

هَذِهِ الْمَرَّةُ لَيْسَتْ سَمْرَاءَ نِزَار قَبَّانِي* مَنْ قَالَتْ ..

إنَّهَا سَمْرَائِي أَنَا ..

تِلْكَ الْعَابِثَةُ بِأَحْلاَمِي مُنْذُ زَمَنٍ ..

تِلْكَ الْمُمْتَدَّةُ بِقَلْبِي كَحْسْرَةٍ لَمْ تخْرُجْ مَعَ كُلَّ آَهَاتِي .. وكُلَّ شَغَفِي وَلَهْفَتِي ..

إنَّهَا سَمْرَائِي أَنَا ..

تِلْكَ الَّتِي سَحَرَتْنِي فِي رِوَايَاتِ ( الْكَونِي )* .. وتَلألأت نُجُومَهَا فَوقَ شِفَاهِ أَهْلِهَا الْطَّيبِينَ الَّذِينَ سَأَلْتُهُمُ عَنْهَا ..

سَمْرَائِي يَا سَادَة هِيَ صَحْرَاؤنَا الْوَاسِعَةُ الَّتِي حَرَمَتْنِي الْظُرُوفُ مِنْ زِيَارَتِهَا حَتَّىَ الآنَ ..

إنَّهَا غَات .. وغدامس .. والشاطئ .. وأوباري ..

إنَّهَا .. واو الناموس .. وقبر عون ..

إنَّهَا سَبْهَا .. ومَا أَدْرَاكَ مَا سَبْهَا !!!!

إنَّهَا تِلْكَ الْوَاحَات الْجَمِيلَة الَّتِي تُزَيّنُ قَلْبَ الْصَحْرَاءِ ..

إنَّهَا جَالو .. وأوجلة .. وشخرة ..

سَمْرَائِي لَيْسَتْ أُنْثَىَ مِنْ أَحْلاَمِ خَيَالِي .. بِقَدْرِ مَا هِي وَاقِعُ يَهُزُّنِي كُلَّ لَحْظَةٍ

فَأَنَا رَجُلٌ سَافَرْتُ كَثِيرًا .. تَجَوَّلْتُ فِي مُدُنٍ وقُرَىَ .. ونَاقَشْتُ هُمُومَ الْنَّاسِ الَّذِينَ صَادَفْتَهُمُ فِي الْمَطَارَاتِ والْمَوانِئ .. والْمَحَطَّاتِ ..

قَرَأْتُ كَثِيرًا جِدًّا .. عَنْ تَارِيخِ الْدُنْيَا .. وعَنْ حَضَارَاتٍ بَائِدَةٍ .. وبَعْدِي لَمْ أَشْبَعْ .. ولَمْ أَكْتَفِ ..

دَائِمَاً كُنْتُ أَعْرِفُ أَنَّ تَجْرُبَتِي الْشَّعْرِيَّةِ يَنْقُصُهَا شَيءٌ مَا .. وثَمَّةَ فَرَاغٍ مٌمْتَدٍّ فِي رُوحِي لَمْ يَمْلَئَهُ الْتِّرْحَالِ والْسَّفَرِ ..

أُنْثَىَ قَصَائِدِي كَانَتْ دَائِمَا بَارِدَةً كَبُرُودَةِ شَوَاطِئِ الْبِحَارِ ..

وغَامِضَةً بِلاَ مَلاَمِحَ .. مِثْلِ غَابَةَ مُتَشَابِكَةِ الأَغْصَانِ ..

أُنْثَىَ قَصَائِدِي كَانَ يَنْقُصُهَا أَنْ تَكُونَ بَيْضَاءَ كَرِمَالِ الْصَحْرَاءِ ..

نَقِيَةً كَهَوَائِهَا الْخَالِي مِنَ الْعَبَثِ ..

وَاسِعَةٌ كَأُفُقِهَا الْمٌمْتَدِّ ..

وشَامِخَةً كَإحْدَىَ نَخَلاَتِهَا ..

كَانَ يَنْقُصُنِي دَائِمَاً أنْ أَفْتَرِشَ الْرِّمَالِ لَيْلاً .. وأَتَأَمَّلُ الْنُّجُومَ الْقَرِيبَةَ .. وأَنْ أُحَاوِلَ مَلاَمَسَةَ حَافَّةَ الْقَمْر .. وأن أَسْتَرِقَ الْسَّمْعَ فِي سُكُونِ الْصَّحْرَاءِ إلَىَ أُغْنِيَةٍ تُرَدِّدُهَا فَتَاةٌ تَارِقِيَّةٌ سَمْرَاءٌ .. مَمْشُوقَةُ الْقَوَامِ .

كُنْتُ مُحْتَاجَاً أَنْ أَنْحَنِي عَلَىَ بِرْكَةِ مَاءٍ صَافِيةٍ فِي أَحَضَانِ الْرَمْلِ .. فَلَرُبَّمَا شَاهَدْتُ صوَرَتِي فِي عُيُونِ الْصَحْرَاءِ .. وتَحَوَّلْتُ إلَىَ نَرْسِيسٍ آخَرٍ تَنْبُتٌ عَلىَ قَبْرِي أَلْفُ زَهْرَةِ نَرْجِسٍ .

كُنْتُ مُحْتَاجَاً أَنْ أَمْتَطِي ظَهَرَ نَاقَةٍ صَبَورَةٍ .. يَمْنَحُنِي حَدْوَهَا لَحَنَاً غَيَرَ مُعْتَادٍ .. وتَرْسُمُ لِي أَثَارُ رِجْلِيهَا لَوحَاتٍ تَتَجَاوزَ الْرِيشَةَ والأَلوَانَ .. وتُعَلِّمُنِي أَنَّ قَصَائِدِي كَانَتْ تَحْتَاجُ إلَىَ هَذَا الْفَضَاءِ الْرَّحْبِ .. وإلَىَ هَذَا الْسُّكُونِ الْخَلاَّبِ ..

تِلْكَ الْسَمْرَاءُ الَّتِي يَتَكَدَّسُ بَحْرُهَا الْرَّمْلِي بِأَعْمَاقِي مَنْذُ زَمَنٍ .. وتَتَرَاكَمُ سُيُوفُهَا .. وجِبَالُهَا بِرُوحِي .. وتَنْغَرِسُ عُيُونُ وَاحَاتِهَا فِي خَيَالِي الْجَامِحِ ..

فَمَتَىَ أُلْقِي بِجَسَدِي الْمُتْعَبُ مِنَ الْزُحَامِ .. والْضَجِيجِ .. بَينَ أَحْضَانِهَا الْصَامِتَةِ ..

مَتَىَ سَتَسْقُطُ مِنْ أَمَامِي هَذَهِ الْجُدْرَانِ الإسْمَنْتِيَّةِ وأُطْلِقُ لِنَظَرَاتِي الْعَنَانِ .. وأُطْلِقُ سَرَاحَ رُوحِي كَي تَسْبَحَ فِي هَذَا الْجَمَالِ والْهُدُوءِ !!!

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :