بدر شاكر السياب والشيخ الهامل

بدر شاكر السياب والشيخ الهامل

كتب :: سفيان قصيبات 

تصوير :اشرقت قرقوم

إن المشاعر القوية والمضطربة التي يعيشها العشاق في فترة المراهقة قادرة على أن تفعل المستحيل وتحطم كل الحدود فالمشاعر في هذه الفترة تنحو نحو التطرف وهذا ما يفسر كل من تغتسل أفكاره بالأيدولوجيا يصل لمرحلة القتل من أجلها والدفاع عنها. مما جعل ألمانيا تقوم بتدريس النازية في المدارس بدلا من الحظر الذي كان مقاما على تدريس تلك الحقبة في التاريخ الألماني وهي الاحتواء بطريقتها.

كان صديقي في تلك الفترة يستمع للشيخ الهامل وقتها فقط سمعت باسمه وصوته الغريب الذي لا تعرفه يغني أم يبكي أم يحكي أم ماذا?

فسألته: (تي شني يقول هذا ومن هذا)?! _

قالي هذا الشيخ الهامل كيف متعرفاش!! لفت انتباهي صدقه والقضايا التي يتحدث عنها فكلامه قريب للراي ولطريقة الراب مع موسيقى حزينة شجنها قوي و يكاد يبكي مطرا من فرط حزنه فيقوي من عزم كل من خانته حبيبته أو من بقي الليل وحده وهو يجلس القرفصاء بجانب الهاتف الأرضي بعد أن يمتد خيطه الطويل للمربوعة أو بعد مشاجرة طويلة على من سينام بجانب التلفون الريفي.

الفاهم راهو حيران..

الرياح جت مخلطة بالمطر هدمت سدودا

.. حملت وديانا حتى في الغابة تعرى الشجر

…. الوحوش خرجت من الوكر..

ثم يذهب ليحكي عن حوارية على لسان الحيوانات في الغابة .. اسمع ويش صار للحيوان خاف ويش تهيج علينا الثيران .. النمر قالو ما عليك غير بالصبر راني داير كل شيء بالحسبان. عموما في فترة معينة من حياة الإنسان يتعرف ويتكون له مخزون عاطفي ينهل منه لبقية حياته و لازالت صورة ذلك الصديق التي عند سماع الشيخ الهامل صدفة تسترجع معها ذكريات ومرحلة من حياتك كاملة. وبعد مضي سنوات طويلة تتعرف على بدر شاكر السياب… صحيح أنني قرأت له وأعرفه لكنك لا تتعرف عليه إلا عندما يكون أحدهم متعلقا به ومتأثرا به لدرجة كبيرة حد القول: بعد السياب توقف الشعر.

مقتطفات من النهر والموت للسياب كان كفيلا بتغيير حالتي المعرفية والروحية حتى وأنا أقرأ له داخل الباص لم يعرف أصدقائي أنني من يقرأ في الصورة ترى أمامك كمية كبيرة من الهدوء لدرجة تنسى كل من حولك. صديقي الشاعر نوري القائد استطاع أن ينقل لي حالته الشعرية الصادقة اتجاه السياب التي وصلته قبلي; برأيي لأن الأدب الصادق فقط هو من يصل. الصادق في قضيته وحالته الشعرية الحقيقية المغلفة بالغربة والاغتراب في عالم يلفه السواد والكذب والنفاق الجمعي العالمي. مثلما وصلتني تماما حالته اتجاه الروائي أحمد خالد توفيق وهذا الفرق في الحالة والصداقة الحقيقية التي تنقل إليك كل ما هو صادق وحقيقي وجميل فهذا مثال للرفيق السوي.

وهنا تفتح أمامنا قضية أخرى وهي ما مدى استعداد القارئ والمتلقي عموما لتلقف كل هذه الحالات التي تمثل حالة إنسانية وجدانية خاصة. تتشكل في حياة الإنسان عبر مراحل حياته كصوت أم كلثوم والشيخ الدوكالي وخطب عبدالناصر و عبدالوهاب وسيد درويش ومحمد حسن ومحمود درويش والسياب وعندما تقرأ رواية فلسفية للكوني في مرحلة مبكرة من عمرك كلها تشكل وعيا خاصا لكل من يستمع ويقرأ.

ويصفه الأديب الفلسطيني إحسان عباس “كان أشدهم ميلاً إلى الثورة السياسية والاجتماعية، ولكن تقلبات الأحوال والأيام وصراعات الشعوب والحكام ملأت نفسه اشمئزازاً، أعانه على ذلك ميل في أعماقه إلى التشاؤم، وعقد نفسية وأمراض ونكبات زادته نقمةً وحدّةً وهياجاً. ويظهر حنينه لجيكور و جيكور خضراء…. مسّ الأصيل ذرى النخل فيها بشمس حزينة و دربي إليها كومض البروق بدا و اختفى ثم عاد الضياء فأذكاه حتى أنار المدينة و عرى يدي من وراء الضماد كأن الجراحات فيها حروق و جيكور من دونها قام سور و بوابة و احتوتها سكينة.

“لا ينتابنا الشك لحظة ما في ضرورة الشعر كما قال جان كوكتو فعلا فالشعر وحالته ستبقى رفيق الإنسان ما دام حيا يرزق تماما كضرورة الفن عند إرنست فينشر الذي ساق لنا تعبير كوكتو (الشعر ضرورة.. وآه لو عرفت لماذا?) وكما عبر الكتاب عن ضرورة الفن عن الحيرة إزاء دور الفن في العالم البرجوازي المعاصر.

لا أعرف خلاصة ما فات ولا الرابط بينها إلا أن كل هذه الأشياء التي تم الحديث عنها ما هي إلا حالة وجدانية إنسانية خاصة أحببت مشاركتكم إياها لعلنا نتشارك فيها من قريب أو من بعيد لَكَم صديق لديكم نقل إليكم صدق مشاعره بعيدا عن النفاق والكذب والتزييف

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :