الحَيَاةُ

الحَيَاةُ

افتتاحية فسانيا

ربما تختلف تعاريف هذه الكلمة الضاخة وحدها بكل المعاني في مختلف قواميس العالم من حولنا ، لكن تعريفها في مدينتي التي كانت تحتضر قبل سنوات ، دون أن تلفظ أنفاسها مختلف تماما ، نعم ففي المدينة الواقعة على قاب قوسين أو أدنى من خط الموت بدأت الحياة تعود شيئا فشيئا لشوارع الرئيسية ، فازدحمت السيارات الشفافة الزجاج فلم يعد للعتمة مكان على نوافذها .

صارت الوجوه أكثر بشاشة ويكفي أن معظم سكان المدينة الذي كانوا لا يخرجون إلا مسلحين لم يعودون كذلك بعد توجيه إنذارات متواصلة لهم تمنع منع بات خروج المواطنين حاملين أسلحتهم معهم ، والكثير من سكان المدينة الذين كانوا يعتمون زجاج سياراتهم تخلوا بأنفسهم عن هذا السلوك بعد ظهور من تكفل بحمايتهم وتعهد بالمحافظة على سلامة أرواحهم قبل ممتلكاتهم .

غدت حكايات الخطف ودفع الفدية والتصفيات على الهوية في خبر كان إلا ما نذر ، سبها المدينة التي صنفت كإحدى المدن الخطيرة جدا بدأت تتملص من هذه الصفة بهدوء مطلق وبتجاوب منقطع النظير ، الشوارع التي كانت مرتع للمجرمين والقتلى صارت محرمة عليهم بفضل أبناء هذه الوطن . اختفت الطوابير الطويلة من أمام محطات البنزين ، والحديث يدور عن حملة لإزالة المحطات العشوائية المنتشرة بشكل بشع داخل الأحياء والأزقة والشوارع الفرعية .

وسكن خوف الأمهات وهاجس الرعب المرافق لهن طيلة العام الدراسي فكم من طفل خرج ولم يعد نتيجة الرصاص العشوائي وكم من طفل خطف وطلبت فدية ضخمة للإفراج عنه وأحيانا كثيرة تدفع الفدية ويقتل المخطوف ، حتى عمال شركة النظافة المساكين ومعظمهم من العمالة الوافدة الذين لم يسلموا من السرقات والأذى الآن هم من يتواجد ومنذ الصباح الباكر لتنظيف وترتيب واجهة المدينة .

لا نبالغ إن قلنا أن سبها عادت للوراء سنوات آمنة مطمئنة ، حتى محكمتها الموصدة الأبواب ستشرع خلال أيام في استقبال مرتاديها من القضاة والمحاميين وعامة السكان .

الذهول والعجب والحيرة من نفر قليل يعتصم مطالبا الجيش بالرحيل سائقاً حجج واهية ما أنزل بها من سلطان فقط لأن فوضاه انتهت ، وانحرفاته وضع لها حد ، ولم نعد نسمع عن التصفيات الجسدية والخطف والتنكيل والابتزاز .

لماذا لم يعتصم هؤلاء على حال مدينتهم الغارقة في الوحل ، رهينة العصابات والمارقين والمنحرفين ، المدينة التي كان يباع فيها الرجال بأبخس الأثمان وتروع فيها النساء والأطفال .

كل الأمل أن يستمر الوضع على ما هو عليه الآن وأفضل فما يزال المشوار طويل لتسترد مدينتنا عافيها التامة وليكون للأمن والقضاء سلطته الحقيقة .

لا اعتذار لمجرم ولا اعتذار لخارج عن القانون علينا جميعا الاعتذار لهذا الوطن عن ما اقترفنا في حقه من آثام .

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :