التخذير سياسة ليبية

التخذير سياسة ليبية

  • الافتتاحية :: فسانيا

فعل غير مرئي وغير ملموس ولا يمكنك السيطرة عليه لكنه مؤثر جدا يتحكم في كل تفاصيل حياتنا ، صغيرها وكبيرها ، مهمها وتافهها ، قليلها وكثيرها ، نمارسه جميعاً بلا استثناء ويمارس علينا بمنتهى القسوة . يبدأ من البيت ليتسكع عبر طرقاتنا وشوارعنا ، يحتل الصدارة في مختلف مؤسساتنا ، و يحكم سيطرته على أعلى هرم السلطة فتتحول دولتنا لسلطة . يمارسه الأب ( الأم ) الليبي إلا ما نذر فيخذر أبناءه بمعسول الكلام فيزرع فيهم شعارات لا تمتّ للواقع بصلة ، يضخم لهم التاريخ والأمجاد والأجداد فيسجنه في عالم خيالي خاوٍ وعندما يكتشف الابن الحقيقة المُرة يتحول لما نراه اليوم في مختلف المدن الليبية كائنا ( تائها ، مشتتا ، مسخا ) دمر كل ما حوله ولم يتعرف على هويته الحقيقية بعد . وهو ذاته ما سربته لنا مناهجنا الدراسية وكتبنا التاريخية والفقهية ، فأوهمتنا أن الدماء التي تجري في عروقنا ليست سائلا أحمرًا قانٍ ، وأن البقعة التي نعيش عليها استقطعها لنا الله من فردوسه الأعلى وأننا نتسامى لنقترب في الخلق من محاذاة الملائكة ونحن المخلوقون من طين، الراجعون لآدم وآدم لتراب ! خدرتنا لجنة الدستور المنتخبة والمختارة وفق هوانا أو هوى جزء منا بكونها ستكتب لنا الوثيقة الأفلاطونية المنجية فخصصت لها الدولة المقرات ووزودتها بالميزانيات لكنها تعطلت فجأة دون أن تقدم شيئا ، وعجزت عن الخروج بنا من هذا النفق المظلم وماطلتنا طويلا ولسنوات . نوابنا وممثلونا في مختلف أجهزة الدولة وفي مختلف أروقة الحكومة ، قدموا لنا في خطتهم الانتخابية دعاية لذيذة خدرتنا ووعودا غليظة وثقوا بها أنفسهم لنا ، فوثقنا بهم منحناهم ثقتنا المطلقة ، خاصمنا لأجلهم من شكك فيهم أو شن حملة ضدهم ربما تكون حقيقية ، اعتمدنا على خلفية ذاكرة جمعتنا سويا ، فهم أبناء المدينة ، أبناء الحي ، وشركاء في المعاناة تقاسمنا معا أزمة شح المياه ، ومرارة الظلمات بعد انقطاع الكهرباء ، لكنهم ما إن مثلونا حتى انسلخوا عنا !! يخدرنا المسؤول بكونه مواطنا بائسا بل لربما هو أكثرنا بؤسا فهو من ضحى براحته ووقته من أجل القيام بخدمتنا وخدمة مجتمعه والإنسانية جمعاء لكن الدولة والحكومة والآخرين خذلوه ، نتعاطف معه نسانده ندعمه ونلعن الوزير فلان ورئيس الحكومة علان لنكتشف أنه منح الملايين فنهبها دون أن يطرف له رمش ؟! ولأن الكل يمارس علينا التخدير في مختلف القطاعات والمجالات ولأن أزمتنا ممتمثلة في عدم وجود دولة حقيقية تحترم آدمية سكانها نحن نعيش يوميا التخدير والتضليل وما يردفه من تسويق وتطبيل . ولو عدنا لسبها مربع الجريمة التي هزت الوطن عامة والمدينة خاصة وقتل فيها اثنان من مندوبي المصارف في شهر رمضان الماضي ولا ذنب لهما إلا أنهما قررا العمل في نهار هذا الشهر الكريم عكس معظم سكان المدينة تحت درجات حرارة قاهرة في ظل انعدام الأمن والأمان فما كان من المجرمين إلا تصفيتهما بطريقة بشعة لا تخفى على أحد ، ولم يمر يوم واحد على هذه الواقعة حتى أعلنت مديرية أمن سبها أنها تمكنت من الوصول للقتَلة ، وعقدت الاجتماعات المؤكدة لذلك وهو ألقي القبض على أحد الفاعلين حسب ما تناقلته بعض وسائل الإعلام والكثير من الصفحات الفيسبوكية الحقيقية منها والوهمية وربما المقبوض عليه هو الحلقة الأضعف في الجريمة لأننا لم نسمع ولم نرَ أو نتعرف على بقية المجرمين فهل هذا عقار تخدير جديد تمارسه ضدنا الجهة الوحيدة المخولة بحمايتنا ؟!

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :