الأدبُ حالةُ ثورة

الأدبُ حالةُ ثورة

عائشة الاصفر

أليست الثورة هي التغيير بكل رديكاليته وحركته التاريخية التي لا تتوقف؟ وإذا كانت الثورة كذلك، ألا ينبغي أن يكون الأدب مثلها في حالة تصعيد مستمر، فهو كأية ثورة لا ينتهي، فالثورة في حالة خلق ديمومي مستمر، لأن الصراع ديمومي ومستمر، وانتهاء الثورات يعني توقف الشعوب عن الحلم، وهل التاريخ غير تحدٍ وصراع وجودي بمظاهر اقتصادية واجتماعية فكرية وثقافية؟ فكيف إذاً الحال ونحن أمة في حالة نكوص وسقوط وصدمة لأكثر من أجيال! فتمظهرت بساطة التفكير وغلبة العاطفة واعتماد الغيرية، يبقى العقل المُستعبَد سجين عبوديته ولو ملك العالم، فكيف لو كانت السلطة كذلك؟!

لسنا هنا بصدد ثورة الإبداع وأخيلته وتقنياته، مطلبنا هنا الأدب بوصفه حالة ثورة وفوران، وعلاقته بالمحيط؛ فالأيادي المرتعشة لا تصنع أدبا، وما قيمة أدب لا يواكب التغيير وينبش المدسوس، منحازا بذلك لقيم الجمال، وللبؤساء والغلابة وإنصافهم، ومن هنا؛ مذ ظهر الأدب في الأسطورة، وفي الصورة، ورسما على الكهوف، وفي أكثر من ألف ليلة، ورافق خراريف الغولة، وهجا السلاطين، والاقطاعيين وسبّ الجوع والاغتصاب والمشانق، والحروب، مذ ذاك ومرورا بما تلاه، وهو في حالة تحدٍ وصراع مع سلطة الخوف والطبيعة والقوة، فالأديب ثائر في حالة تحدٍ دائم ومستمر مع السلطة؛ كل أشكال السلطة؛ لأن السلطة مذ صارت في حالة عداء مع الإنسان وحريته، وطرف مسؤول عن أزماته وصراعاته، وهذه حقيقة وصيرورة وجدلية تاريخية مسؤولة عن استمرار الثورات، لإحجام السلطة، والفكاك من مخنقها، ولأن السلطة ليست بحاجة لدعم وإنصاف، ومثلها يندرج كل موسوم بالقوة غير محتاج لإنصاف، فهي السيد الأقوى والدولة الأقوى والاقتصاد الأقوى والعقل المتفوق. فالتصدي لها بإبرازها في أدبنا ضرورة ودعوة للتكافؤ والتوازن.

نحن مجتمعات استمرأت عبر تاريخها الطويل ولأسباب كثيرة، أهمها استعباد وتحكم (السلطة المُستعبَدة، والمستعبِدة لها)، استمرأت وجُبلت أن تكون خانعة ومتخلفة وجبانة ومتملقة وتابعة ومغيبة ومنقادة، والنص الأدبي عليه أن يحارب كل هذا، فيكون متمردا ومستقلا، ناقلا واعيا وموثقا للأجيال القادمة تاريخا نزيها. عينا تلتقط صور الواقع بحيادية، وتكشف لنا الزيف المخفي دون أن تتدخل. وإلا فقد خذل نصه.

الأديب غايته الحرية، لا تحده أسوار ولا ينساق لأدلجة، ولا ينتمي لفكر ضيق زميت، ولا يشتري رضى أحد، وكونه كذلك لا يعني أنه فارغ، بل لابد أن يكون صاحب رؤية، يعترف بكل الاختلافات والتناقضات والثقافات دون أن يفقد أصالته@

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :