عبّيلي الرصيد

عبّيلي الرصيد

قصة صحفية : حواء عمر

لم تكن القصة الأولى من نوعها التي ننقل فيها مآسٍ لم تروَ إلا من أفواه معايشيها، هذه المرة قصتنا ” عبّيلي رصيد ” بطلتها فتاة تدعى خديجة من مدينة سبها تبلغ من العمر 25 عاما خريجة قسم الكيمياء.

باحثة عن عمل ليكون مصدر رزق لها.. حسب قولها ، خديجة جميلة الوجه والمبسم والروح، تفيض حناناً وطيبة، خفيفة الظل، عذبة الصوت تجتمع فيها تفاصيل الأنوثة الخالصة.. خديجة عشرينية يتيمة الأب لديها من الأخوات واحدة، ووالدة كهلة قعيدة كرسي مدولب ، وهذا ما دفعها للبحث عن مصدر رزق لتعيل عائلتها الصغيرة مدركة صعوبة توفير الاحتياجات المعيشية وبالأخص في ظل غياب المرتبات وانعدام نظام الدولة ..

استفتحت صديقتنا خديجة قصتها بضحكة عريضة خلفها جروح عريضه كما ظهر على تقاسيم وجهها البريء .

قائلة أنا لا أملك مصدر رزق ولكن أتصرف ببيع كروت الدفع المسبق لكي أصرف على أسرتي. وعند سؤالي لها عن كيفية حصولها على الكروت .

 أجابت أتحصل عليه من الأصدقاء و بالأخص أولئك الذين يجدون في حديثي بهجة تشاطر أرواحهم وتؤنس وحدتهم بل وأخفف عنهم معاناة يومهم الشاق.

هذا مايقولونه هم أثناء حديثي معهم بالإضافة إلى أنهم يقولون دائما إني أمتاز بحس الدعابة في حديثي وهذا أكثر ما يجذبهم إلي.. وكما تعلمين الناس بحاجة ماسة لمن يسمعهم ويجبر بخواطرهم .

و على الرغم من حجم المأساة وخطورة الموقف إلا أنك لا تستطيع أن تميز بين الحق والباطل، الحب والبغض، الواقع والخيال، الحزن والفرح في أحاديث خديجة، فهي أجبرت على أن تعيش دورا لا يشبهها متسولة بل باحثة عن حل وسط حطام يحيط بها لتصبح ضحية في سبيل حياة أسرتها كما تعترف هي نفسها !

 ‎توقفت لبرهة عن حديثي معها لأحدث نفسي آه يا لها من مأساة يعيشها الناس حولنا، الحقيقة نحن لا نعلم ما تعرضت و تتعرض له هذه الفتاة الطيبة من أشياء صعبة لربما أخفتها عنا واحتفظت بها لنفسها فقط خوفا من نظرة مجتمع يقوده حب الشائعات و الطعن في أخلاق الآخرين خصوصاً الفتيات من سيقدر موقفها أو يلتمس لها الأعذار؟

من سيشعر بحجم المعاناة التي مرت وتمر بها؟ عدت بعد حديثي مع نفسي لأستكمل معها الحديث سائلة إياها ‎هل تتعاملين مع أشخاص من نفس عمرك أم أكبر؟

قالت مجيبةً في الحقيقة الأشخاص الأكثر تواصلا معي هم رجال الأعمال الذين يبحثون عن أحد يستمع لهم ويتشاركون معه مشاكلهم التي هم يرونها حملا على صدورهم. ‎استوقفتها سائلة وماهي وظيفتك هنا؟

أجابت بضحكة تخفي فيها تلاعب لا شيء أنا فقط أحاول إيجاد حلول لمشاكلهم الصعبة، بالإضافة إلى أني أساندهم حتى النهاية. ‎

وكيف يكون هذا؟.

قالت كثير من الناس لا يعرف أهمية هذا الشيء فبطيعة الحال الرجل الليبي يخاف كثيرا من نظرة المجتمع له ويخاف أيضا من أن يظهر ضعفه أو حزنه أمام الأسرة والعائلة والأصدقاء فهم يبحثون عن أناس يسمعون لهم و لا يرمقونهم بنظرات مستفزة ولا يطلقون الأحكام وهذا ما يدفعهم إلى البحث عمن يربت على روحهم و يشاركهم أحزانهم ومن يقدر ذاتهم ويحترم آراءهم حتى إن لم تكن صائبة بغية الوصول إلى الشعور بالراحة والسكينة. ‎

وما هو نوع المخاطر التي واجهتها في هذه التجربة؟

أجابت : في الحقيقة عند البدايات كنت لا أدرك كيف أتعامل مع هذا الجنس الآخر أي أني لا أعرف من يريد استغلالي ومن فعلا يريد أن يشكو لي همومه، ففي ‎الواقع كثير من الأشخاص يسعون للوصول إلى ثغرةٍ يتسللون منها للفتاة من أجل ابتزازها كالصور والمعلومات الحقيقية عنها.

أذهلتني خديجة بكلامها هذا حتى أنني وفي سير حديثنا جلست أفكر كيف لفتاة بهذه الصفات البريئة أن تجعل من نفسها جسرا تمر عليه جميع أصناف البشر فقط من أجل توفير الحاجة .

عدت إليها وأنا أواصل دهشتي كيف لك أن تحمي نفسك وسط هذا الزخم الكبير من الانحراف والجريمة السائدة في مجتمعنا؟ هذا السبيل تجدين فيه الكثير من الأشخاص الذين يغلب عليهم جانب الشر عن الخير !

كانت إجابتها واثقة حيث قالت أنا أعرف كيف أتعامل ومع من أتعامل فبكلمة تستطيع الأنثى أن تشعل فتيل حرب وأن تطفئ لهيب نار، ما يميزني هو أني أدرس العقول قبل كل شيء وهو أني أهتم بمشاعر الشخص الآخر قبل كل شيء أدرك متى أتحدث ومتى أصمت وكيف أتعامل مع كل شخص وتفكير ما يناسبه حتى أني أعرف كيف أطلب وأنا لا أطلب الكثير بل لا أطلب أصلا فبمجرد انتهاء  رصيدي يبادر محدثي لتعبئته وكما تعلمين الرجل الليبي لا يرضى أن تحدثه أمراة برصيدها ، فهو يبادر حتماً لقفل الهاتف ليعاود الاتصال بها ، وبمجرد استيفاء المكالمة يرسل لها رصيد .

وأنا اعرف جيداً كيف أستخرج ما أريد دون أن أقلل من قدر نفسي ومن قدر الطرف الثاني ، لا أخرج من بيتي ولا أقابل الرجال ولا أخرج عن حدود الادب والأخلاق في الاحاديث المتبادلة معهم تستطيعي وصفي بأنني معالجة نفسية ومرشدة اجتماعية وأنا من منحت نفسي هذه الشهادة العليا التي لا تمنحها الجامعات والمدارس الليبية .

أذهلتني فقلت في نفسي :ياله من حديث وتصرف يشيد به في أكبر مراكز لتعليم فنون التعامل، فالحقيقة لم أجد ما أقوله لها بعد هذا الحديث، ادهشتني  في كل شيء حتى أن لديها إجابة عن كل التساؤلات التي لربما تخطر ببال أي أحد،

 “يبدو أنك تدخلين الحرب بجميع الأسلحة يا جميلة”

هكذا ختمت حديثي مع خديجة “

خديجة التي يشعر بأنها مصدر للسعادة ولا تملك أي هموم في حياتها لأنها لا تظهر شيئا غير ابتسامتها الجميلة وضحكتها العذبة التي ما تزال ترن في مسمعي و مجبرة إياي على حب براءتها وطيبتها دمعت عيني بعد أن غادرتها ملوحة بيدها تودعني .

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :