عَلِى عَالِم الغِيبْ مَا شَيْ خَافِي

عَلِى عَالِم الغِيبْ مَا شَيْ خَافِي

كتب :: محمود السالمي

اتفقنا عزيزى القارئ على أن للأغنية الشعبية أغراضا متعددة غير التي يراها البعض ظاهرة ً جلية من أغراض الحب والعواطف ، وقد درج الشاعر الذي يقول الأغنية على أن يحدد الهدف من وراء الأغنية من خلال تسلسل أبياتها ، فقد تأتي القصيدة غير مرتبة ودون أن تكون فيها وحدة موضوعية وأبياتها ليست مبنية بعضها على بعض بل أنها منفصلة بحيث أن كل بيت فيها يمكن فصله عن الآخر ويعطي معنى متكاملا دون الحاجة إلى البيت الذي يليه .. من هنا هل يمكن أن نعتبر أن هناك وجوداً لقيصدة البيت الواحد فى الأغنية الشعبية ؟وهل يا ترى نستطيع أن نضيف أي شيء إلى البيت الذي يغنى منفرداً ويقول : يابو عين كحيلة زرقة نار غلاك أتشيط وترقى ففي هذا البيت تُختصر آلاف الحكايا التي قد يتصورها الإنسان في قصة حب .. وانظر معي إلى أغنية أخرى ذات بيت منفرد تغنى : العين اللى غايب غاليها لا ترقد لانوم ايجيها هل بإلامكان أن نزيد على هذا البيت بيتاً آخر يكمله ، وماذا عسانا نزيد عليه ليكون في نفس مستواه من قوة الدلالة أو المعنى ، ويحضرني في نفس المجال موقف شاهدته عياناً لشاعر اشتهر بقول الغناء والشعر العاطفي الذي يميل إلى الحكمة والتعقل ، إذ طلب منه أحدهم أن يقول أغنية أو رثاء في قريب للشاعر توفي قريباً فقال بيتاً يتيماً قال فيه : فقدناه فاقد جميع السوايا وباني بناية على العز ماهيش بنية خطايا فلما أراد الإضافة عليه لم يستطع لأن البيت تام ، لدرجة أن أي بيت سيأتي بعده سيكون أضعف منه ولن يكون في قوته ، فاختار أن يتوقف عن الإضافة عليه حفاظاً على قوة المعنى ليظل هذا البيت يتيماً . في هذه الحلقة سنستطلع أغنية يقول مطلعها : ايجى وقت للعين تاجد غلاها وتجلا صداها وترقى الدرج بعد قصرن اخطاها الشاعر هنا لم يحدد موضوعاً واضحا يفتتح به الأغنية ولكنه قرر أن الأيام دول وهي دائمة التغيير وفي دورانها تقلب حالة البشر ، من السوء إلى الأفضل وبالتالي لابد أن يأتي يوم تجد العين من تحب وتلتقي به وتجلو كل ما علق بها من تعاقب الأيام ودوران السنين ( ايجى وقت للعين تاجد غلاها وتجلا صداها ) .. وهو يتصور أنه لابد أن ترتقي العين سُلم الأيام وتصعد بعد أن خانتها الخطا وقصرت عن بلوغ المراد ، ومطلع الأغنية يبدو أنه عاطفي للوهلة الأولى وسرعان ما يتبدد هذا الاعتقاد عندما نطالع المقطع الثاني الذي يقول : ايجى وقت للعين والجو صافى تاجد عوافى وتنسى الكدر والسهر والريافى على عالم الغيب ماشى خافي أيسهل أمناها ويصفى بعد كان مغشوش ماها. يحاول الشاعر هنا أن يربط بين البيئة التي يعيش فيها وتحديداً البيئة الطبيعية.

ليشبهها بحالته فهو يتصور أن يأتي يوم للعين التي شهدت غيوماً من عدم الاستقرار والتعب ليصير الجو صافياً مشرقاً ثم أنها ستجد عافية وصحة وسلاما آمناً ( ايجى وقت للعين والجو صافى تاجد عوافى ) ثم أن هذه العين ستنسى الأكدار التي تعرضت لها والسهر الذي عانته و ( والريافى ) الرياف هو الحنين والشوق .. إذ أنه ( على عالم الغيب ما شى خافي ) وله القدرة أن يسهل الوصول للمنى ويصفى أي كدر خالط صفو الحياة التي يصورها على أنها نبع ماء خلطه شيء كدره وشاب صفوه ( أيسهل أمناها ويصفى بعد كان مغشوش ماها ) . ايجى وقت للعين والريح طايب وتلقى غرايب وترتع خضر بعد كثر الجدايب اللى طالب الله ما يرد خايب الحاجة قضاها ولايمن فى عطوته آليا عطاها يشبه الشاعر العين بالمركب او السفينة التى يصادف شراعها ريحاً هادئاً هانئاً عبر عنه بقوله ( الريح طايب ) ولا شك أن الذي يعيش في هذه الحياة سيرى منها غرائب وعجائب كثيرة ، ولكن حيـنما يغير الله الأحـــوال س ( ترتع خضر بعد كثر الجدايب ) أي أنها ستنعم وترتاد مراتعاً خضراً بعد أن شهدت جدباً واضمحلالاً لأن ( اللى طالب الله ما يرد خايب ) أي من يطلب الله لا يرده الله خائباً وقديما قال الشاعر العربي : من يسأل الناس يخيبوه وسائل الله لا يخيب فالله هو من يقضى حاجات الناس وهو وحده الذى لا يمن فى عطائه لاحد مهما كان العطاء ثم يقول : ايجى وقت للعين يجلى نكدها ويبرى رمدها وترقى النهد بعد قصرت قيدها على عوم لجيال كبدى صهدها ودابت محاها ولى قلب مليوع من جور داها حيث أن الشاعر فى هذا البيت يؤكد أن الأيام كفيلة بأن تجلو نكد الحياة الذى غطى على العين ويشبه عينه بالعين المريضة الرمداء وبالتالى فأن شفاء العين يكون فى تجدد الأمل وبداية انطلاقتها ( ايجى وقت للعين يجلى نكدها ويبرى رمدها ) ثم ( وترقى النهد بعد قَصرت قيدها ) اى تصعد الأماكن المرتفعة ( النهد ) النهد هي كلمة عربية فصحى ويشير فى عبارة ( قصرت قيدها ) يشبه نفسه هنا بالدابة وتحديداً الناقة الشاردة التي لا تهدأ فيُعمل لها قيدا ليعيقها ويحد من حركتها ومشيها ويقول

على عوم لجيال كبــدى صهدها ) ( عوم الأجيال ) وهذه العبارة تستخدم فى اللهجة العامية لتعني المرأة الحبيبة المتميزة عن غيرها من النساء وهى ذات صفات تتفوق على بنات جيلها ومن هن في مثل عمرها من النساء و ( وكبدي صهدها ) أي كأن كبد الشاعر قد احترقت أصابها لظى النيران المشتعلة ، بل ( ذابت محاها ولى قلب مليوع من جور داها ) فنيران الحب أذابت قلب الشاعر ورغم ذلك فإنه ما زال يشعر بلوعة ومحبة نحوها وهو يستلذ بجورها عليه . اتجى وقت موزن ما بلة امسخر من الله وكل ما اصاعب عليه ايحله ذبل خاطري حب فاتق الخلة أفكاري غلاها ولا لى هنا كان ساعة لقاها يعتقد الشاعر أن الأيام مع دورتها ستتوازن معها حالته ، وهذا سيكون تسخيرا من الله الذى يحل المشاكل المعقدة ويجعل الصعب سهلا فقد أذبل هذا الحب الشاعر صار يشغل تفكيره ولن يشعر بالهناء والراحة إلا حين يلقاها .. ويختتم الأغنية بقوله : ايجى وقت للعين يصفى نظرها ويذهب كدرها وترقد هنا بعد كثرت سهرها مع عوم لجيال تجنا

 

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :