- صالح حصن
وأنكر العِلم كل ما آمن به مُحْكَمات “إسحاق نيوتن”، بعد 200 عام:
بواسطة قوانين السببية ركبنا البحار وغصنا أعماق المحيطات و طرنا في الهواء وسبحنا في الفضاء وشربنا القهوة في مبيتنا ليالٍ طويلة فوق المحيط المتجمد و حفظنا الأسماك بالثلج على خط الاستواء و الأهم رصدنا حركة النجوم والأفلاك وتواعدنا للقاء بها بالدقيقة والثانية بعد سنوات من السباحة صوبها. ولا تزال حتى اليوم النظريات التي بنيت عليها تثبت صدقيتها وتوافقها مع ما يحدث من حولنا في فيزياء الكون وما نرصده من حركة الكواكب والنجوم وهي ما نستخدمه في صناعاتنا الكُبرى. ولكن العِلم لا يستحي ولا يُجامل فقد أنكر العِلم كل ما آمن به مُحْكَمات “إسحاق نيوتن”، بعد 200 عام من التسليم لها وذلك ما لا يعيب العلم فذلك من مرتكزات نهجه للبحث عن المعرفة. العلم يلاحظ و يجرب، يستنتج ثم يوسع استنتاجاته ليعممها على الحالات المماثلة ثم يصيغها بشكل نظريات وقوانين تقام عليها نماذج رياضياتية و مُعادلات حسابية. بعد ذلك يطرحها لتكذيبها وإثبات عدم صحتها أو تأكيد صحتها ولا يقفل الباب أمام ما يخالفها ولكن يطلب منه الإثباتات بحسب قواعد الإثبات المُتفق عليها عند العُلماء. أحدث الإحصاءات بينت أن أكثر من 50% من الأبحاث العلمية تجري على إثبات عــــدم صحة النظريات العِلمية وبالطبيعة فأقل منها على تأكيد صحتها.
حدث بعد عام 1920 أي بعد أكثر من مئتي عام من هيمنة السببية و قوانين “نيوتن” على كافة الأبحاث العلمية. وبتطبيق النهج العلمي ذاته أن قامت أعظم ثورة في رحلة المعرفة الإنسانية حتى الآن وتمثلت في تأكيد ما يخالف قوانين “نيوتن” التي تؤكد أحدث الأبحاث العلمية حتى اليوم صلاحية تطبيقها، وبالتالي لا هي ألغتها تماماً ولا اتفقت معها و تلكم هي المرحلة التي نعيشها اليوم ما يعني أن الطريق لا زال طويلاً جداً أمامنا كبشر لنعرف بعض أسار هذا الكون الذي نعيش فيه.
- لم يستطع “آينشتاين” التسليم بنتائج تلك الثورة العلمية التي ساهم هو بنفسه في تأسيسها وكان أحد كبار اقطابها، فقال؛ “كلا؛ إن الله لا يلعب النِرد في تسيير الكون”.
- لكن رفيقه وصديقه وخصمه “نيلز بوهر” الذي كان يميل للتسليم بالنتائج المُخالفة (للعقل والمنطق المألوفين !!!) أجابه بقوله؛ ” ولسنا من يُخبر الله كيف يسيِّرَ الكون”.
ألبيرت آينشتاين”؛ كلا؛ إن الله لا يلعب النِرد في تسيير الكون.
“نيلز بوهر”؛ لكننا أيضاً لسنا من يختار كيف يسيِّرَ الله الكون.
ذلك لأن الأبحاث المعملية كانت ولا زالت تثبت الواحدة بعد الأخرى مبادئ قاطعة في مجال دراسة الجُسيمات الدقيقة بحجم (الذرة و ما دون الذرة) تعارض وتناقض مسلمات نظرية (الحتمية – السببية) وتؤكد ما يفيد بأن النتائج غير خاضعة لمُسبباتها بل هي خرقاء غير مُنضبطة، مثل ما نورده هنا فقط كمثال لغرض إيضاح صعوبة القبول أو التسليم بها من حيث أنها تجافي كل إحساس لدينا بالمنطق الذي تعودنا عليه ويقبله العقل لكن التجارب المعملية لا تفتأ تؤكد حقيقتهحتى يومنا هذا؛
– الجُسيم يتصرف كموجة حينما لا يكون تحت المراقبة لكنه يتصرف كجسيم متى وجِد ما يراقبه.(ثنائية صفتي الموجة و الجزيءWave Particle duality )
– متى تشابك “إلكترون مع آخر” خلال تقاطع مساريهما ثم واصل كل منهما مساره، فإن صفة الالتفافالمحوري لكل منهما تصبح دائماً مرتبطة مباشرة مع الآخر وتكون عكسها, فمتى قسنا واحدة نعرف أن الأخرى تدور عكسها وإذا تمكنا من تغيير اتجاه دورانها سيتغير اتجاه الأخرى في نفس الوقت ليتضاد معه من جديد، مهما تباعدت المسافة بينهما حتى ولو في آخر الكون !!!. وأسموا هذه الخاصية –(التشابك الكميEntanglement).
هاتان خارِقتان صدمتا العُلماء ضمن كوكبة من الخارقات الأخر، إذ كيف يتم التواصل بين إلكترونين وقتياً يعني بأسرع من سرعة الضوء و بحسب قوانين الطبيعة فذلك مُستحيل؛ وخاصة “آينشتاين”هو صاحبالنظرية التي تقول أن لا شيء في الكون يمكنه أن يسير بأسرع من الضوء. حتى أنه “آينشتاين” أوعز ذلك إلى قصور آدمي معرفي لعوامل مؤثرة لم نتبينها بعد.ويُشاع عنه قوله بأن(هذا لا يكون إلا من أعمال الغول،أو”الغولة”Spooky action).
مهلاً عزيزي القارئ، رجاءً لا تقلق وتزعج نفسك، فمقالنا هذا رغم كونه ليس هزلي ولا يحمل غير حقائق لكنه في نفس الوقت ليس ورقة عِلْمية بل هو مقال تثقيفي محض وما أوردناه هنا إلا لتبيين حجم الهزة العلمية العنيفة التي أصابت مسار رحلة المَعرفة والتي بعد اعترافنا بها، منذ ماءة عام، أنتجت لنا من الخير ما لم تكن عقولنا لتتصوره في زمن قليل جداً وحتى العُلماء لا زالوا قاعدين في حالات من حيص وبيص بشأن هذه الحقائق البارزة.
إذاً ما علينا،نحن العوام،سوى أن نريح أنفسنا ونزيح عقولنا عن فهم تناقضات نظرية “الكوانتم” مع بديهيات أفكارنا و نظرية “الحتمية – السببية” ونركن إلى حين موقنين بأن الخلاف من طبيعة البشر في كل المجالات وفي ذلك نفع وفائدة وازدهار للمعرفة.
لكن ما موقف العلماء،
فهل اعتمدوا فكر “آينشتاين” أم انظموا إلى “بوهر”؟
يوم 16 أبريل الماضي أكّد بوضوح بحث علمي تم نشره في مجلة (Astronomy Astrophysics الفلك – الفيزياء الفلكية) صحة ودقةنظرية
“آينشتاين” المسماة (النسبية العامة General Relativity ) وعلى ذلك لا يمكن لنا التفريط بها وعدم
الاعتماد عليها في مجال الفيزياء.[1] ومن غرائب الصدف أن نشر هذا البحث الذي استمر
العمل عليه برصد حركة نجم يدور حول الثقب الأسود المتمركز وسط مجرتنا “مجرة
التبّانة” لأكثر من 27 عاماً صادف بالتمام الذكرى 65 لوفاة
“آينشتاين” في 18 أبريل 1955).
بينما تبين كل التجارب المعملية و تثبت أن ما ورد من نقاط وصف
لحركة الجُسيمات دون الذرية تطابق الوصف العجيب الذي ذكرنا أعلاه أي أن ما كان
“بوهر” يدافع عنه أصبح يقيناً وإن غابت تفسيراته.
إذا نحن أمام صحيحين لكنهما متناقضين ولم يعد أمامنا سوى اعتماد القاعدة الذهبية
التي تقول؛
“الخِلاف
لا يفسد للود قضية”.
إذن كيف تكون رؤيتنا
للمسار ؟ ….. نتابع في الجزء 3 .
[1]https://www.aanda.org/articles/aa/full_html/2020/04/aa37813-20/aa37813-20.html