بقلم :: رضوان ضاوي :: باحث في الدراسات المقارنة
الرباط/المغرب
نشرت مجلة العربية ضمن سلسلىة “كتاب المجلة العربية” (رقم 259، العدد 498، بتاريخ رجب 1439هـ/2018م كتابا بعنوان “مسرح الطفل: لعبة الخيال والتعلم الخلاق” لعبد العزيز بن عبد الرحمان السماعيل قدّم فيه المؤلف مجموعة من التوصيات التربوية المهمة على شكل دليل ومرشد مفيد للعمل في مسرح الطفل والمسرح المدرسي. ويندرج هذا الكتاب، الذي يحتوي الكتاب على ثلاثة فصول ومقدمة وخاتمة صغيرة (120 صفحة من الحجم المتوسط) ضمن توجه تربوي عام لسلسلة كتاب المجلة العربية التي أبدت اهتماماً خاصاً بالطفل منذ ثاني كتاب نشرته عام 1997 بعنوان “إساءة معاملة الأطفال تلمس الأسباب والظروف” (عبد العزيز بن عبد الله الدخيل)، ثم كتاب”دمج المعاقين مع الأطفال الأسوياء” لمحمد سعيد المولوي (1997)، و”دور المدرسة في تربية النشء وبناء المجتمع” لعلي بن مرشد المرشدي (2001)، و”الجذور التاريخية لأدب الأطفال عند العرب” لمحمود إسماعيل آل عمار (2016).
في الفصل الأول بعنوان “نشأة وتطور مسرح الطفل” قدم الكاتب نظرة عامة ومختصرة عن نشأة المسرح قبل مسرح الطفل، حيث كان هناك مسرح العرائس، لكنه لم يكن في مضمونه مخصصاً ولا موجهاً للطفل. وهي فكرة يجب تذكرها في تقييم مستوى مسرح الطفل المعاصر لاحقاً، إذ ظلت جميع الفنون الشعبية القديمة توجه جهودها إلى الكبار فقط دون الصغار، حتى عندما كان بعض تلك العروض ينفذ من قبل الأطفال أنفسهم، فقد ظل المسرح مغيبا اهتماماته بالطفل لقرون طويلة، رغم أن مسرح العرائس (مثلا) هو “وسيط ممتاز بين الأطفال وأدبهم، وله من خصائصه ما يجعله محببا إليهم، قريبا من نفوسهم…” (انشراح المشرفي في كتاب أدب الأطفال مدخل للتربية الإبداعية).
يجمع الدارسون على أن اختراع مسرح الطفل بدأ بتجربة السيدة (مدام دي جيلنيس) في فرنسا عام 1784، كأول اختراع في العالم لمسرح الطفل، فقدمت أول عرض مسرحي للأطفال في ضيعة أحد الأثرياء للترفيه عن أفراد الأسرة. ثم انتشر مسرح الطفل في العالم؛ ففي الولايات الأمريكية المتحدة بدأ مسرح الطفل منذ 1903 من خلال المؤسسات الإجتماعية (الإتحاد التعليمي) تحت مسمى مسرح الطفل التعليمي، ثم اعتُرف بهذا المسرح عام 1944 كجزء من المسرح التعليمي بوجه عام. وفي بريطانيا نشطت فرقة (المسرح الاسكتلندي) التي قدمت أول عرضها المخصص للأطفال في بريطانيا عام 1927. وفي المجال الجرماني تأخر ظهور مسرح الطفل بسبب الحرب العالمية الثانية، ففي 1946 أنشأت الحكومة الألمانية في مدينة لايبتسيك مسرحاً للطفل بهدف إزالة الآثار النفسية للحرب على الأطفال الألمان. وكان (مسرح موسكو للأطفال) أكبر مسارح الأطفال في العالم، وبدأ نشاطه عام 1918.
بدأ مسرح الطفل في الوطن العربي في مصر على يد الأستاذ “محمود مراد”، وهو مسرح مدرسي. إلا أن مسرح الطفل خارج أسوار المدرسة تأخر ظهوره كثيرا في مصر، إذ توجب الإنتظار حتى سنة 1966 لتأسيس مسرح الطفل (خارج المدرسة) تحت إشراف وزارة الثقافة. أما في العراق فقد كان الأستاذ “صباح ناصر” فقد قدم العشرات من المسرحيات في المدارس يتولى المعلمون الإشراف عليها ويقوم الطلبة بتمثيلها. لكن ظل المسرح لعقود حبيس المدارس والقاعات المدرسية، حتى جاءت الإنطلاقة الحقيقية لمسرح الطفل في العراق مع الفرقة القومية للتمثيل عام 1970 بمسرحية “طير السعد”.
بدأ مسرح الطفل في المغرب بين 1923 أو 1924 بعرض مسرحية “صلاح الدين الأيوبي” في فاس، واعتبرت ذلك فرقة “الطالب المغربي” من أهم الفرق والجمعيات المدرسية التي ساهمت في تفعيل المسرح المدرسي (مسرحية لولا أبناء الفقراء لضاع العلم) (1948)، وفرقة “المدرسة القرآنية الأصيلية” بمسرحياتها “البنت المظلومة” سنة 1949. أما في الكويت فقد عُرفت مسرحية “إسلام عمر بن الخطاب” في المدرسة المباركية عام 1939،وفي السعودية عام 1928 مسرحية “بين جاهل ومتعلم” ومسرحية “كسرى والوفد العربي”. إلا أن أول مسرحية قدمت للطفل تأخرت كثيرا حتى 1975 وقدمها الأستاذ عبد الله العبد المحسن وهي مسرحية “قرقيشوه”، ثم “ليلة النافلة”. وفي الإمارات العربية المتحدة تم الإعتراف الرسمي من الدولة بالمسرح المدرسي عام 1972، حيث تم إنشاء قسم يختص بالمسرح المدرسي في وزارة التربية والتعليم.
ورغم أن مسرح الطفل خارج المدرسة تأخر كثيرا في الدول العربية، مثلا في الكويت قدمت مسرحية الأطفال “السندباد البحري” على مسرح المعاهد الخاصة عام 1978، إلا أن هناك محطات بارزة ومهمة في تاريخ مسرح الطفل في الوطن العربي من خلال تنظيم عدة مهرجانات محلية وعربية وعالمية بين سنة 1985 و2014 في كل من تونس الأردن والإمارات وعمان وفاس والسودان، قدمت فيها مسرحيات مهمة.
في نهاية هذا الفصل يخلص المؤلف إلى أن سبب غياب مسرح الطفل الحقيقي يكمن في قناعاتنا وثقافتنا العامة وأخيرا في التربية والتعليم. كما أن الجهود السابقة لم تكن تجارب معنية بمسرح الصغار، وفي الغالب هي مجهودات فردية تغيب عنها المؤسسة. كما أن العرب لم يستطيعوا بعد التمييز بين المسرح المدرسي ومسرح الطفل.
بهذه الخلاصة ينتقل الكاتب إلى الفصل الثاني بعنوان ” السمات العامة والخصائص النفسية لمسرح الطفل”، فيبدأ الكاتب بتعريف مسرح الطفل الذي هو ذلك المسرح الموجه للأطفال للفرجة عليه، أو المشاركة فيه في أي زمان ومكان، وليس المسرح التربوي أو التعليمي الذي يقدم في المدرسة، وحيث يكون الفارق بين الإثنين مهما وحيويا، لفهم المسرح الموجه للطفل ومقاصده، رغم أن قواعد العمل الأساسية بينهما واحدة في عالم الطفولة، بوصفه-أي الطفل- ظاهرة نفسية، وحالة بيولوجية واحدة في كل زمان ومكان.
إن للطفل الكثير من السمات النفسية تحتاج إلى كثير من العناية بها في المسرح، وهذا ما يركز عليه الكاتب ويذكره؛ وهي: -الطفل كائن عاطفي: وهذه من أهم المظاهر التي يسعى مسرح الطفل إلى تمثلها والعناية بها جيدا. -الطفل فضولي بامتياز: وهي صفة تعد أهم عناصر الإثارة والتشويق في مسرح الطفل. -الطفل طاقة كبيرة: يجب أن يقدم مسرح الطفل في مكان مناسب تتوفر فيه مساحة جيدة للتنقل والحركة، وحتى مشاركة الطفل في العرض المسرحي. -الطفل ذكي( الطفل ينمو بسرعة في اتجاه المستقبل)، لذلك من المهم في المسرح أن نحترم القدرات الذهنية لدى الطفل. -اختلاف قدرات الطفل: لذلك من المهم أن يلعب المسرح دورا مهما في تنمية ذكاء الطفل، والعناية باختلاف قدراته الذهنية، من خلال اختياراته بعناية للأفكار والمواضيع المناسبة التي يقدمها المسرح، وتساهم في تنمية ذكاءه وتحفيزه على التفكير السليم. -خيال الطفل(أهم سمات التفكير الإيجابي لدى الطفل):وهو أكثر العناصر إثارة وجاذبية في مسرح الطفل، حيث يكون من المهم، إشباع هذا الخيال الواسع لدى الطفل، وتنميته بشكل إيجابي، وممتع من خلال العرض المسرحي، فممارسة اللعب التخيلي-أي التمثيل- والمشاركة فيه بشكل حي ومباشر من خلال المسرح هو الأكثر فائدة لخيال الطفل.
وينظر الكاتب أهمية المراحل العمرية في مسرح الطفل وتحديدها بعين المراقب الملح من خلال تقسيم المراحل العمرية لمسرح الطفل إلى: مرحلة الواقعية والخيال المحدود(3-5)، ثم مرحلة الخيال الحر المنطلق-الدراما الخلاقة (6-9)، فمرحلة البطولة والخيال الواقعي (9-12)، وأخيرا المرحلة المثالية-مسرح الشباب (12-16). بهذا يدعو الكاتب إلى إعادة النظر في تعريف المسرح بما هو فن يأخذ بعين الإعتبار الخصائص الثقافية والفنية للطفل، وبالتالي لمسرح الطفل، باستثمار تعدد أشكال الفرجة المسرحية لمسرح الطفل التي يذكر الكاتب بعضها: مسرح العلبة الإيطالي(خشبة المسرح الإيطالي)، المسرح المفتوح (وهو مسرح مرتبط أكثر بالطلاب في المدارس، وأماكن الرعاية الإجتماعية والترفيه العامة للأطفال، والمسرح المفتوح (مسرح الحلقة العربي)، الذي أسسه الفنان المسرحي الكبير عبد الكبير عبد الكريم برشيد في المغرب وأسماه المسرح الإحتفالي، والمسرح المتنقل أو الجوال(مسرح العرائس وخيال الطفل). وتتكون عناصر العرض المسرحي للطفل من الجمهور (جمهور تلقائي وعفوي)، والتأليف (المؤلف في ثياب الطفل: محب للطفل، محترم لذهنيته)، والحدث الدرامي (فكرة المسرحية تتميز بالوضوح)، والمخرج المسرحي للطفل( يمتلك روح الإبتكار والمسؤولية)، والممثل(لديه روح الطفولة في المسرح، المسرح بالطفل…المسرح الخلاق).
ولمزيد من التعريف بمسرح الطفل، خصّص الكاتب الفصل الثالث والأخير للحديث عن “مسرح المدرسة (مسرح التربية والتعليم)”. ومسرح الطفل هو كل مسرح موجه للطفل في أي مكان وزمان. أما البداية الفعلية للمسرح المدرسي فقد تأخرت كثيرا حتى بداية القرن العشرين، حيث نشأ المسرح المدرسي في ذات الأماكن التي نشأ فيها مسرح الطفل عالميا، وبالتالي فإن تاريخ نشأة مسرح الطفل هي ذاتها نشأة المسرح المدرسي تقريبا في بداية القرن العشرين. ثم انتشر المسرح المدرسي في العالم العربي مع نشوء التعليم النظامي في منتصف القرن العشرين تقريبا، حيث اقتصر الموضوع على تقديم مسرحية واحدة في المناسبات المدرسية، أو في احتفالات نهاية العام الدراسي، وبالتالي فهو لم يكن جزءا من المادة المنهجية للطالب.
حاول الكاتب إلقاء الضوء على إشكالية المصطلح في المسرح المدرسي، فذكر مجموعة من الأسماء التي تطلق عليهوهي: مسرح المدرسين، والمسرح في المدرسة، والمسرح التربوي، والمسرح التعليمي؛ وجميعها معنية بالتربية والتعليم، وتدل على وجود المسرح في ذات المجال، فهو وسيلة تعليمية وتربوية وهو فن له ثقافته الخاصة. ويرى الكاتب أنه “بما أنه تربية ومهارة، فمن المناسب جدا أن نسمي مادة المسرح المستقلة التي تدرس تاريخ وخصوصية المسرح كفن بمادة (التربية المسرحية)، أسوة بباقي المواد”. لكنه يرى أن “المسرح المدرسي” هي الكلمة الأكثر دقة للنشاط المسرحي الموحد الذي يشارك فيه مختلف الطلاب في المدرسة الواحدة، مع دعوة منه لتقسيم المسرح في المدرسة إلى المسرح التعليمي للصف الثالث الإبتدائي، أو المسرح التعليمي التربوي للصف الأول المتوسط، أو المسرح التعليمي للصف الثانوي، وهذا التقسيم يجعلنا نحدد الأهداف التربوية بدقة: الدراما الخلاقة (الصفوف الإبتدائية الأولى المبكرة 6-9)، مسرح الشباب (الصفوف الإبتدائية الثانية المتوسط9-15)، مسرح الراشدين (الصفوف الثانوية 15-18).
يفهم الكاتب جيدا مدى أهمية مادة التربية المسرحية (المسرح كفن) للطالب مستقبلا، وتوفير أستاذ متخصص متفرغ لتقديم هذه المادة للطلاب في المدرسة، وليس المشرف العام أو مدرس التربية الفنية. فهدف الثقافة المسرحية المدرسية الإرتقاء بمستوى التفكير لدى الطالب. لكن للأسف يعاني مسرح المدرسة من عوائق وصعوبات من بينها معاناته من التهميش والإقصاء بسبب عدم اقتناع المسؤولين بأهميته التربوية والتعليمية، وبسبب تفضيل الأدب عليه (متاهة بين المسرح والأدب). وحتى لو وجد هذا المسرح فإن المشكلة تكمن أيضا في اختيار الأطفال الأقل قدرة على التفوق الدراسي أو المشاكسين في الفصل للتمثيل، وهذا ينطوي على قصور واضح يدل على استهانة المشرفين والقيمين على المدرسة بالمسرح المدرسي ومسرح الطفل، أما البنية التحتية فهي لا تساعد على إقامة أنشطة مثالية في المدرسة، وهناك نقص في وضع التصورات والخطط التعليمية لدعم المسرح وإدماجه في العملية التربوية، وتوفير الأساتذة المتخصصين في التربية المسرحية المدرسية، وتوفير المرافق الخاصة بالمسرح في مبنى المدرسة. إن أهم خصائص المسرح المدرسي أنه مسرح مستقل عن بقية النشاطات المسرحية الصيفية في المدرسة، وتعتبر القضايا الإجتماعية محوره، ويقوم بخدمة المدرسة في مجالات التوعية والإرشاد، كما يتم تنفيذه تحت إشراف مسرحي متخصص وليس مشرف المدرسة أو أستاذ الصف، ويحظى باهتمام خاص من لدن المسؤولين التربويين، فيهتم بإبراز الطاقات والمواهب الشابة الناشئة وبالثقافة المسرحية لتوعية المشاركين في النشاط من خلال توفير مكتبة مسرحية خاصة للمدرسة.