أدوار الحياة

أدوار الحياة

عبدالرحمن جماعة

يأتي المرء إلى هذه الحياة ليؤدي عدة أدوار، لكن هذه الأدوار ليست مراحل متعاقبة تبدأ مرحلة عند انتهاء الأخرى، وإنما هي أدوار آنية يفرضها الوقت والمكان والبيئة المحيطة، فيعيش في كل يوم جلَّ أدواره أو بعضها، متنقلاً من دور إلى دور، يلبس لكل دور قناعه، وتتغير مشاعره وأحاسيسه وأسلوبه في التعامل وطريقته في الكلام وتعابير وجهه، وحتى ردود أفعاله!.

الحديث هنا ليس عن الشخصية النفاقية، وإنما عن الإنسان السوي الذي تحتم عليه الحياة أن يعيش دور الأب أو الأم ودور الإبن والموظف أو المدير والجار وزميل العمل والأخ والزوج والصديق أو العدو، وقد يمر بكل هذه الأدوار أو أكثر منها في نفس اليوم، مرتدياً لكل دور قناعاً يتناسب ومقاس ذلك الدور!.

فالمدير الصارم الذي يهابه موظفوه هو نفسه الأب الذي يلعب مع طفله ويمشي على يديه وركبتيه ليرتحله ابنه!.

وقائد الجيش المهاب يبدو كطفل صغير حين يكون في حضرة أمه أو أبيه، ويبدو في غاية اللطف والرقة حين يغازل زوجته!.

إلى هنا يبدو الكلام معتاداً ومألوفاً ولا غرابة ولا إشكال فيه!.

لكن الإشكال ينشأ من ثلاث جهات:

الجهة الأولى: تداخل هذه الأدوار واختلال مواقيتها ومواقعها، كأن تنسى أن تخلع قناعك وأنت عائد من عملك إلى البيت، أو أن تطغى عليك وتتلبسك إحدى الشخصيات فتنقلها معك في كل مجلس، مثال ذلك الأستاذ الجامعي أو المدير أو الفنان الذي يعيش نفس الدور مع كل الناس، وربما يجد في نفسه إذا لم يُعامَل على أساس تلك الشخصية!.

الجهة الثانية: التفريط في أداء الدور، وذلك كالأب أو المدير عديم الشخصية، فينتج من هذا الخلل فساد الإدارة وانحلال الأسرة!.

إن الإنسان السوي هو من يعيش ويتمثل كل شخصية في وقتها بلا تداخل ولا خلط، بلا تمادي ولا قصور، بلا إفراط ولا تفريط، وقد أثنى الله عزَّ وجلَّ على النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه؛ فقال: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29]، أي أنهم أشداء عندما تكون الشدة هي المطلوبة، ورحماء عندما تكون الرحمة هي المطلوبة!

وقد مدح النبي صلى الله عليه وسلم من يؤدي ويُجسد دوره على أكمل وجه؛ فقال: “إِنْ كَانَ فِي الحِرَاسَةِ، كَانَ فِي الحِرَاسَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي السَّاقَةِ كَانَ فِي السَّاقَةِ“.

وقد كان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يعيش كل حالة على حدة، ويؤدي كل دور من أدواره على أكمل وجه، وبمعزل عن بقية الأدوار الأخرى، فكان صلى الله عليه وسلم نعم العبد لربه، وكان شجاعاً مقداماً في القتال، حكيماً في إدارته للأمور، شديداً في الحق، ليناً مع الضعفاء والمساكين، وفي بيته يكون في مهنة أهله، يحلب الشاة، ويخصف نعله، فلا يخلط بين حال وحال، ولا ينقل شدته إلى مقام اللين، ولا يلين في مقام الشدة، ولا يتوانى في مقام التعجيل، ولا يعجل في مقام التأنّي!.

الجهة الثالثة: حمل المشاعر بعد انتهاء الموقف، وعدم القدرة على التخلص من آثار الدور الذي أداه في فترةٍ ما، فالإنسان السعيد كالممثل البارع الذي يعيش الدور ويقنعك به، ويجعلك تعيشه معه كأنه حقيقة، ثم يتخلص من كل تلك المشاعر والأحاسيس بمجرد انتهاء المشهد!.

إن حقيقة الحياة هي مجرد مشاهد متقطعة لا يوجد أي رابط حقيقي بينها، فالماضي قد مات، والمستقبل لم يولد بعد، ولا تعلم كيف سيولد، وإذا كان الأمر كذلك فأنت لا تملك إلا (الآن) فقط!.

فاللحظة الحاضرة هي المسرح الذي تؤدي فيه دورك، ولكي تؤدي دورك على أكمل وأتم وجه لا تنتظر الدعم من الآتي، ولا ترتبط بالفائت، فالكون لا يسير بشكل خطي، أي أنه لا يوجد أي رباط بين الأسباب والنتائج!.

وختاماً.. فإن السعادة كل السعادة تكمن في جودة أدائك لأدوارك التي جئت لأجلها، وإتقانك لكل مشهدٍ على حدة، وإذا لم تفعل فإن الحياة ستطأك بحافرها، وستكويك بميسمها، وستعيش كأتعس (كمبارس) حتى وإن ظهر كثيراً في المشاهد لكن لا أحد يذكره أو يتذكره!.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :