أرزاق

أرزاق

بقلم :: محمد الزنتاني 
بادرت بإشارة من يدها لسائق التاكسي , أن يتوقف , حالما لمحته يعبر الجزيرة الدائرية الصغيرة , و الذي بادر بدوره , فخفف السرعة و توقّف بجوارها تماما .
. .
أنزل زجاج الباب الأمامي المواجه لها , فانحنت قليلا و تأملت الداخل و لم تتكلم , ثم انزاحت قليلا و فتحت الباب الخلفي , صعدت بهدوء و جلست و أقفلت الباب , و عقدت يديها إلى صدرها و شرعت تنظر إلى سقف السيارة الجلدي الباهت ,
و عندما التفت إليها , مستفسرا , أهدته ابتسامة باهتة , و ربضت في مكانها , في استكانة , كقطة عائلية أليفة .
. .
أبدى السائق انزعاجا , لموقف يعرف أنه بدأ يتكرّر كثيرا في الآونة الأخيرة , فبادر بسؤالها عن وجهتها , و عن المكان الذي تريد أن تقصده , لكنها صدمته بأن قالت له ، إن هذا ليس من اختصاصه , و لا يحق له أن يسأل أو أن يعرف أماكن تواجدها أو التي تريد و ترغب في الذهاب إليها !
. .
و عندما قال لها بحدة , أن هذا من صميم عمله , فهي الآن داخل التاكسي , و معنى ذلك أنها تريد أن تقصد مكانا ما , و مهمته إيصالها إلى هدفها المقصود , وفقا للأصول و القانون و المنطق أيضا , ابتسمت له و أفهمته بألا يحاول تبرير ما بدر منه , و بلا مبالاة ، أحنت رأسها و تطلعت إلى الرصيف الجانبي و الشارع أمامها , و بسرعة خاطفة ، فتحت حقيبتها و أخرجت ورقة نقدية , و ناولتها للسائق , و هي تبتسم , و دون أن تقول شيئا ,
و بينما أخذ يتأملها مأخوذا بما يرى , خرجت من السيارة و أقفلت الباب وراءها , و انحنت على نافذة الباب الأمامي , و نقرت بأصابعها على الزجاج , و عندما داس على زر إنزال الزجاج ، بادرته بالقول , و هي تشير بأصابع يدها إلى جهة ما في الشارع , و على امتداد الرصيف :
– أنظر , أرأيت ذلك الرجل الذي يعتمر قبعة أوربية ، و يطوّق عنقه بشال داكن اللون !
حملق السائق أمامه في حيرة ، فأضافت :
– أعني ذاك الذي يحمل حقيبة جلدية بنيّة في يده اليسرى ، و يضع يده الأخرى في جيب معطفه الأيمن !
فزادت حيرة الرجل ، و تنهّد بعصبية ونفاذ صبر ، و أراد أن يقول شيئا ، فباغتته و هي تشير بيدها :
– أعني ذاك الذي يسير على حافة الرصيف المحاذية لأعمدة الكهرباء ، ألا تراها ؟!
و عندما نظر في نفس الاتجاه الذي أشارت إليه , أضافت قائلة :
– أنت طبعا ، لا تعرف من يكون , و تعرف أيضا أن ذلك لا يعنيك ، لكنك بالتأكيد تعرف الآن , أنه لم يتمكن من رؤيتي , هه !
. .
و أفردت قامتها ,
و اعتلت حافة الرصيف القريب ,
و سارت مع السائرين في الاتجاه الآخر ,
بلا مبالاة ،
كما ترائى لها أن باقي المارة يفعلون !

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :