بقلم :: محمد عمر بعيو
الــصــحــفــي لا يكون إلا وسط النار وقد بلغت القلوب الحناجر أو تكاد، وبين الدخان وقد غامت الوجوه وعشيت الأبصار، ينقل ما يحدث بسرعة المطارِد وبتسارع الطريد، متسلحاً بمهنيته ما استطاع، متجرداً من انحيازاته إن استطاع، وإن لم يفعل يصبح أي شيء إلاّ أن يكون صحفي.
أما الــكــاتــب فلن يكتب بموضوعية ولن يُحلل بعقلانية، إلاّ إذا انطفأت النار أو خمدت على الأقل قليلاً، وانقشع الدخان، وظهرت وجوه الأحداث والشخوص، وتبدّت ولو قليلاً حقائق الأشياء، وظهرت ولو نسبياً خلفيات الوقائع.
بين هذا وذاك أجد نفسي محاصَراً دوماً، بل ومحاصِراً نفسي باستمرار، الصحفي فيِّ ينقل ما يراه متسربلاً بدرع الجرأة، متذرعاً بسيف الوقت، والكاتب فيَّ يرفض إقدام الصحفي فيَّ، ليس عن خوف من الوقوع في خطأ، فماذا يكون الإنسان إن لم يخطيء، لن يكون من جنس الملائكة بالتأكيد بل سيكون من جنسية الصخور، ولكن عن يقين أن الحقيقة ليست ما نراه اللحظة، بل ما سيترآى ويظهر بعد انقضائها، وربما بعد مرور زمن قد يطول، ثم إن الصحفي في التدافعات الإنسانية الكبيرة خاصة في بلاد ثلاثية الزيت والنار والماء التي هي لـــيـبـيـــا، لا يتمكن مهما حاول من الإحاطة الوصفية السليمة لما يشهده ويشاهده، فهو يحاول وصف سباق التدافع المشتبك بالعنفين اللفظي والحركي، ولا يصف سباق الفورمولا، أو مسابقات ملكات الجمال، أو سباق هجن شيوخ الخليج.
بين هذين الخيارين غير الاختياريين، وبعد ليلةٍ هجرني فيها النوم لفرط انفعالات البارحة وتفاعلاتها القاسية، قررت مؤقتاً على الأقل أن أمنح الصحفي المندفع فيَّ إجازةً إجبارية، وأن أجعل الكاتب المتعقل فيَّ صاحب الحضور هنا بينكم، لن يجدني من يطلب وجبة الوقائع الساخنة السريعة، وسيجدني من ينشد وليمة التحليل الهاديء الدسمة.
أعـتـذر لـكـل مـن قـسـوت عـلـيـه رداً عـلـى قـسـوتـه، ولـتـبـق لـــيـبـيـــا لـنـا جـمـيـعـاً وطـنـاً نـخـتـلـف فـيـه ولا نـخـتـلـف عـلـيـه.