عمر رمضان
نبوا الانتخابات .. نبوا الانتخابات ترتفع الأصوات عالية هذه الأيام منادية ومطالبة بــ “الانتخابات” وترتفع هذه الأصوات متهمة كل الجهات بأنها “تعرقل” الانتخابات التي تراها ملجئا وملاذا وحلا لــــ “مشاكل ليبيا” التي صارت “مزمنة” ولكن .. كيف ستنجح “الانتخابات” في مجتمع مزقته النزاعات ؟ كيف ستنجح الانتخابات ونحن لانكاد نتفق على شيء حتى ولو كان هذا الشيء لايقبل الاختلاف ؟ وكيف ستنجح الانتخابات في مجتمع كلما اقترب من “المصالحة” صرخت فيه أبواق “الفضائيات” ترده إلى التنازع والفتنة ؟ لاحل إلا بــ “الدستور” هكذا يقول الكثيرون من الذين يلحون وبكل قوة على “الاستفتاء” على “الدستور” فــ الدستور ـــــ تستور يادستور ــــ هو “حلال المشاكل ولاشك أن “الدستور” هو ميزان الدولة في كل دولة وهو “الفاصل” و”الفيصل” في “مسائل الخلاف” الجوهرية بين “مؤسسات” الدولة وعلاقة بعضها ببعض وبين “الحاكم” و”المحكوم” وبين الأفراد ومالهم من حقوق وماعليهم من واجبات إلخ ولكن .. من أين يستمد هذا السيد الدستور “فاعليته” و”قوته” ؟ هو / بلاشك/ يستمدها أولا من “وحدة المجتمع” فــ تمنحه هذه “الوحدة المجتمعية” قوة تجعله نافذا على الجميع بلا جدال وهو / أيضا/ يستمد قوته من “مؤسسات الدولة” التي يناط بها فرض هيبة الدولة في الأمن والقضاء وحماية السيادة والحدود وهي مؤسسات ثابتة لاعلاقة لها بالحكم ولابالانتخاب وإنما هي ترعى سلامة الوطن والمواطن فإذا انعدمت “الوحدة الاجتماعية ” وغابت “المؤسسات” التي تفرض هيبة القانون والدولة فــ الدستور هو مجرد “مخض للماء” لامعنى لانتظار زبدته إن الدعوة الملحة للانتخابات والنداء الحار بالاستفتاء على الدستور في غياب “الوحدة الاجتماعية” وفي ظل غياب “الأمن ” الكامل و”القانون” النافذ هو مجرد وضع للعربة بكاملها أمام الحصان المسكين لامعنى للانتخابات ولا للاستفتاء على الدستور في ظل غياب “المصالحة الشاملة” وبلاشروط بل هي مصالحة شاملة على طريقة الأجداد “حتحات على مافات” قبل “فوات الأوان” فكل يوم يمر يتسع فيه الخرق على الراقع وتتوسع فيه هوة الخلاف وتزداد حدة النزاعات وإذا أصر كل واحد منا على “حقه ومستحقه” كاملا فالنتيجة أننا سنفقد حقنا ومستحقنا جميعا فالمرء قد لايصل حقه إلا بالتنازل عن بعض حقه ولامعنى لـــــ “الثوابت” الفارغة في خصومة أبناء اللحمة الواحدة فــ نحن جميعا “راعي يكسرها ويشيلها على اكتوفه” .. ولاطريق / مطلقا / لانتخابات ناجحة ودستور فاعل إلا بعد المصالحة الشاملة التي تجعل اختلافنا اختلاف “وجهة نظر” وليس اختلاف “وجهة ناظر” وهو “اختلاف إخوة” وليس “اختلاف أعداء” إن الإقدام على الانتخبات أو على الاستفتاء على الدستور قد لانخرج منه إلا بنزاع جديد نضخم به حصيلة نزاعاتنا وما أكثرها بل قد نخرج منه بوطن “مقسوم” كل واحد فيه يغني على ليلاه وهو في الحقيقة لاليلى له بل هو “ليلته حرفة” ومستقبله كله “ليل أحرف” و”المصالحة” لاعلاقة لها بــ “القوانين” ولا بـ “الدستور” وإنما هي تستند إلى الدين السمح الحنيف ومافيه من ترغيب في الصلح والعفو والتسامح في القرآن الكريم والسنة الشريفة وفي أخبار الصحابة والتابعين والسلف الصالح. العرف الاجتماعي الطيب بما زرع من قيم وأمثال وحكم وعادات طيبة وما يعرفه أعيان وشيوخ القبائل والمدن والضواحي ويجعلونه أسسا يفصلون بها في الخصومات في “الميعاد” الطيب و”المصالحة” هي مقياس وميزان نعرف بها صلاحنا من طلاحنا ونعرف به حرصنا على القدوة الحسنة بسلفنا الصالح أو خروجنا عن طريق ومنهج هذا السلف فمن كان على منهج السلف فهو يقبل المصالحة و بلاشروط فالمصالحة بشروط تظل شروطا بلا مصالحة فـــ “ليس القوي من غلب الناس ولكن القوي حقا وصدقا من غلب هوى نفسه وخاف مقام ربه” و”ليس المؤمن بطعان ولالعان ولافاحش ولابذيء اللسان” و”تعاونوا على البر والتقوى ولاتعاونوا على الإثم والعدوان” و”ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن” و”اللي عد سيات الحبيب جفاه” و”اللي باع خوه بألف غلطة باعه بلاش” و” إنما أكلت يوم أكل الثور الأبيض” و”لاتنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم” إلخ دعونا نمخض اللبن وننتظر الزبدة فمخض الماء لامعنى لانتظار زبدته.