آلاف الشهداء والجرحى والمفقودين والمشردين، فمن المسؤول؟!
كتبت/ بيه خويطر:
شهدت مدن شمال شرق ليبيا كارثة لم يسبق لها مثيل نتيجة الفيضانات المدمرة التي اجتاحت أحياء بأكملها ودمرت عديد المنازل، بعد هطول أمطار غزيرة والتي تقدر بنحو 250 ملم (10 بوصات) بسبب العاصفة “دانيال ” وكانت المناطق الأكثر تأثرا ” درنة، البيضاء ، المرج ، سوسة ، تاكنس ، وتوكرة” .
حيث خرجت مدينة درنة البالغ عدد سكانها مئة ألف نسمة عن السيطرة جراء انفجار وادي درنة وانهيار أحد السدود الضخمة، وتم إعلانها “مدينة منكوبة ” بعد اختفاء أحياء كاملة في البحر مع الآلاف من سكانها في ظل عجز السلطات عن الوصول إليهم.
تضاربت الإحصائيات الحقيقية حول عدد الوفيات حيث أشارت التحديثات لرئيس الحكومة بطبرق إلى أن مالا يقل عن 5300 ضحية قد قتلوا وأصيب حوالي 3460 آخرين، ومالا يقل عن 10000 في عداد المفقودين ، بينما اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا أصدرت إحصائية في تحديث البيانات ليوم الأربعاء 13 – سبتمبر – 2023م لحجم الأضرار البشرية في المناطق المنكوبة إنسانيًا بمدن درنة، البيضاء سوسة “أعداد الضحايا ( 5040 ) ضحية، وأعداد المفقودين بلغ ( 10.250 ) والمتضررين والمصابين ( 6200 ) مصاب، النازحين والمهجرين داخليًا من المناطق المنكوبة إنسانيًا بلغ عددهم ( 36.000 ) ألف نسمة موزعين على النحو التالي : درنة عدد النازحين منها ( 29.800 ) نسمة. والبيضاء عدد النازحين بها ( 3480 ) نسمة. وسوسة عدد النازحين منها (1700) نسمة. والمخيلي عدد النازحين منها (1000) نسمة.
أعمال البحث جارية
وقالت الحكومة الليبية في بيان، إنه لازال البحث جاريا عن المفقودين والمتضررين تحت الأنقاض بمساعدة فرق دولية ومحلية متخصصة في مواجهة الأزمات.
أكدت الحكومة، أن كميات الأمطار التي سببتها العاصفة دانيال سجلت أعلى من كمية أمطار عام كامل.
وأعلنت الدولة الحداد لمدة ثلاثة أيام وتنكيس الأعلام في جميع أنحاء البلاد، وفرض السلطات الليبية حظر التجوال، وإعلان حالة الطوارئ وإغلاق أربع محطات نفط رئيسية مؤقتا.
وقال رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبدالحميد الدبيبة، إنه وجه بتسخير إمكانيات أجهزة الدولة جميعها ووزاراتها ومؤسساتها، لإغاثة الأهالي في المناطق المتضررة جراء السيول والفيضانات الناجمة عن العاصفة.
وتابع الدبيبة: أن الدولة مستمرة في اتخاذ الإجراءات اللازمة، وإغاثة الشعب من كارثة السيول التي لم يسبق لها مثيل في مدن الشرق الليبي.
وأصدر رئيس حكومة الوحدة الوطنية ” تعليماته لإدارة شركة ” كفالاي ” للسفر والسياحة، بإرساء السفينة التابعة لها، بميناء درنة البحري لمدة 60 يوما قابلة للتمديد.
وأوضح ” الدبيبة ” في رسالة وجهها إلى رئيس مجلس إدارة الشركة أن هذه الخطوة تأتي بهدف الاستفادة من غرفها وإقامة فرق الإنقاذ العاملة بالمنطقة والأهالي المتضررة منازلهم.
وأصدرت الحكومة بيانا جاء فيه: أنه تم تخصيص ملياري دينار ليبي لصالح صندوق إعمار المناطق المدمرة، إضافة إلى تخصيص مبلغ “500،000،000،00” لتغطية الأضرار بالبلديات المنكوبة
وأعلنت مراقبة التربية والتعليم بنغازي تجهيز (18) مدرسة في المدينة لاستقبال النازحين من المناطق المتضررة جراء الفيضانات والسيول في بنغازي وبعض مدن الشرق.
وقال مدير مكتب الإعلام بالمراقبة ” وسام العشيبي ” إن تجهيز المدارس تم بمساعدات من الجمعيات الخيرية والمتطوعين، واللجنة العليا للاستجابة السريعة، لتقديم الوجبات والأغطية وغيرها من المساعدات.
وأوضح أن عدد النازحين إلى هذه اللحظة (522) عائلة، حيث تم توزيعهم على العديد من المدارس منها “مدرسة قرطبة، ومدرسة الكرامة، ومدرسة شهيرات الإسلام، ومدرسة شهداء الليثي، والسيدة رقية.
وأشار الفريق الحكومي للطوارئ والاستجابة السريعة، إلى أنه وصلت قوافل مساعدة وإغاثة من جميع مناطق ليبيا دون استثناء لمدن الجبل الأخضر.
تحت السيطرة
وطمأنت القيادة العامة للجيش الوطني، أهالي مدينة بنغازي وضواحيها أن الوضع في سد وادي قطارة سليم تحت السيطرة.
ودون الصحفي رمضان البريكي عبر صفحته الشخصية “بالفيسبوك” تبلغ السعة القصوى لسد وادي القطارة الرئيسي (جنوب شرق بنغازي) 120 مليون متر مكعب وكمية المياه الموجودة به خلال هذه الأيام 6 ملايين متر مكعب فقط.
وأضاف أن السد الفرعي لوادي القطارة (الصغير) تبلغ سعته 6 ملايين متر مكعب وكمية المياه الموجودة به حاليا 600 ألف متر مكعب فقط.
وأفاد المهندس المسؤول أن كل الحساسات الإلكترونية وأجهزة القياس والإنذار في حال ارتفاع الحمولة وقنوات التنفيس عند الضرورة تعمل بكفاءة عالية.
ونوه أحد أفراد لجنة الطوارئ بمجلس البيضاء “قاسم محجوب ” أن الوضع بمدينة البيضاء مستقر إلى حد ما والأضرار بها بسيطة جداً لا تقارن بدرنة، وأكد أن مياه الشرب متوفرة والأمور تحت السيطرة.
وأشار إلى أنه يوجد عدد من المفقودين يعمل على إنقاذهم تحت الركام بالأماكن الرئيسية للسيول.
يقول أحد الناجين بمدينة درنة، إن عدد الجثث بالآلاف والناس تخرج فيها من تحت ركام المباني بـ”الفأس والبالة”.
وأكد أن فور حدوث الكارثة تعرضت المدينة لانقطاع الكهرباء والإنترنت، وأدت الفيضانات العارمة إلى عزل الطرق بالكامل عن المدينة ولا وجود لإمكانية الوصول إليها إلا جوا أو عبر البحر.
وأشار إلى أنه، يتم دفن العائلات بشكل جماعي في مقبرة مرتوبة وعدد المدفونين في مرتوبة لوحدها بالآلاف.
وأضاف ، شبيبة الهلال الأحمر (خيرة شباب درنة) المتجمعين في المقر استعدادا لعمليات الإنقاذ تصلنا أخبار وفاتهم واحد تلو الآخر.
وقال أحد سكان المدينة، مرت أيام على آخر تواصل لي مع عائلتي ولا وجود لدي لأي معلومة عن مصيرهم ولا مصير عائلات الأصدقاء.
ونوه أن المدينة استقبلت فرق إنقاذ عاجلة بدعم دولي على مستوى عال ساعدت في انتشال الجثث وإنقاذ عدد من الضحايا ظلوا يومين تحت الركام.
وقال أحد الضحايا الذي تم إنقاذه،
إنه شاهد ابنه يلفظ انفاسه الأخيرة وهو يحاول جاهدا إنقاذ
أفراد أسرته التي ظلت أكثر من ساعة تحاول النجاة.
وأفاد أحد شهود العيان أن ما حدث في درنة انهيار سد الوادي الأول والثاني قبل أذان الفجر أدى إلى كارثة كبيرة حيث جرف السيل المنازل والعمارات الموجود على جنب الوادي.
وأكد أن عائلات كاملة فقدت أثناء سقوط العمارات من الأرض إلى البحر، مشيراً إلى أنه لا يمكن تحديد رقم الوفيات في الوقت الحالي إلى حين انتهاء الفرق من عملها إلا أن الأرقام كبيرة بحجم الضرر ولا يمكن للعقل البشري استيعابها.
وتابع، أن الكوبريات داخل مدينة درنة الثلاثة دمرت كلها، وأنه لا يوجد لدرنة إلا طريق واحدة جنوبية وهي طريق الظهر الأحمر بعد ما دمر المدخلان الشرقي والغربي للمدينة.
ووصف الوضع كارثي في ظل انقطاع الطريق بين درنة وكرسة التي جُرفت بالكامل، وسقوط الكوبري الرابط بين درنة ومناطق القُبة وعين مارة وتدمير الطريق بين رأس الهلال و سوسة، وانقطاع الطريق بين سوسة و شحات، وجرف طريق المرج البياضة.
وحمل المواطن عبد الحكيم الفرجاني المسؤولية للحكومات في إهمالها للسدود وتركها هشة، دون صيانة، وترك البناء عشوائي على مجاري الأودية، وخصوصا الأودية شديدة التعرج التي ستتآكل بقوة بفعل جريانها ما يتسبب بانهيارات ضخمة.
بالإضافة إلى عدم وجود متنفسات جانبية للسدود أو نقاط تفريغ آمنة .
تقصير واضح
وأضاف أن الجهات المسؤولة قصرت في عدم تكثيف الإنذارات قبل وقوع الكارثة على اعتبار أن المواطنين غير مدركين حجم خطورة الكوارث الطبيعية وعدم تعودهم على حدوث كوارث منذ سبعين عاما تقريبا.
ويقول المواطن أحمد الزروق ، ليبيا لا تحتاج إلى إعانات المواد الغذائية ولا طعام ولا أغطية وقادرة أنها تغطي كافة احتياج المناطق المنكوبة من المواطنين دون تدخل الحكومة ، وأشار إلى أن الدولة محتاجة إلى خبراء في التعامل مع الكوارث والمعدات الثقيلة والتقنيات العالية.
وأضافت المواطنة هناء بشر، تشاركنا الوجع والدموع مع إخوتنا بمدينة درنة وبيوتنا جميعها مفتوحة للضيوف النازحين وسنتقاسم الخبز والماء إلى أن تعود درنة كما عودتنا في السابق وستعود مدن الجبل الأخضر إلى جمالها الساحر.
وأضافت المواطنة لطيفة الشريف، الوضع كارثي في درنة ويزداد سوءا في كل لحظة، انتشار الجثث سيسبب مآسي بيئية إن تحللت.
ونوهت الشريف لضرورة قفل المناطق المنكوبة واتباع خطوات معينة لإدارة الأزمات لتنظيم الحصر.
وتساءلت من يدير الأزمة الآن على الأرض من أهل الاختصاص؟ مؤكدة أنه لا توجد إدارة حقيقية للأزمة واصفة الوضع الحالي بالفوضى العارمة التي ستكون كارثية أكبر من الكارثة بحد ذاتها.
وطالبت، بضرورة تكليف رجل مناسب يتحمل المسؤولية ليدير الأزمة بدرنة المنكوبة، بوضع خطة ورؤية مستقبلية وخطوات جادة للنهوض بالمدينة.
وأكدت التقارير في دراسة سابقة للعام 2022 لجامعة عمر المختار ونشرت في مجلة جامعة سبها، تنذر بأن السدين في درنة معرضان للانهيار وبالتالي الفيضان بأي لحظة، وأن النتائج ستكون كارثية على سكان الوادي والمدينة.
وأشارت الدراسة أن السدود لم تتعرض لصيانة أو أي عملية ترميم منذ عام 2002.
وبعد أيام من البحث تمكّنا من التواصل مع مراسلة فسانيا ” صباح الشاعري ” وأكدت أن درنة فقدت رجالا بحجم الوطن من إعلاميين ومثقفين، وعائلات بأكملها، بالإضافة إلى تعرض أغلب المباني بالمدينة للانهيار.
وطالبت الشاعري، بتخصيص طاقم طبي للاجئين بالمدارس لمتابعة الأوضاع الصحية لأصحاب الأمراض المزمنة وتوفير أدويتهم الخاصة.
وأشارت إلى أنها فقدت عددا كبيرا من عائلتها وأصدقائها بالحادثة، وأنها غير قادرة على استيعاب الفاجعة التي أصبحت بمدينتها التي لا طالما تعلقت بها وبشوارعها وبأزقتها ومبانيها الخلابة.
لازالت فرق الإنقاذ تعمل جاهدة على انتشال الجثث من تحت الركام، وعدد الضحايا يتزايد في كل ساعة ولم يتم تحديد الإحصائيات الدقيقة حتى هذه اللحظة.