بقلم :: ليلى المغربي
بدأ قصف حلف الناتو تلك الليلة متأخرا بعض الشيء حوالي منتصف الليل ..بعد أن اعتادوه بداية كل مساء .. مستلقية في فراشها تتابع مسلسلا كوميديا أجنبيا لتزيح عنها بعض التوتر وشد الأعصاب من هول الأحداث … فزعت من صراخ ابنها الصغير بسبب أصوات القصف القريبة جدا .. التي جعلت أركان البيت تهتز حتى ظنوا أن النوافذ والأبواب ستخرج عن إطاراتها وتتلخلص من قيودها.
ركض ابنها نحوها خائفاً يرتعد … يرتعش مأخذواً ومفجوعاً .. احتضنته وهدأته وطلبت منه العودة للفراش بعد أن توقف القصف ..رفض وأصر على البقاء بجانبها طالباً النوم في حضنها الدافئ ..
لم تعترض هي تحب كثيراً احتضان أطفالها وقت النوم وتقاوم كثيراً هذه الرغبة لعلمها أن أصول تربية الطفل أن تضعه في سرير منفصل …
نام تلك الليلة بقربها يلتصق بها ليشعر بالأمان … أحب هذا الشعور وأصبحت عادة لديه ..
كل ليلة يتسلل من فراشه ويندس بجانبها ويمسك بذراعها ليمرر كفه الصغير عليها كي يشعر أنه قريب منها يحس بمحبتها وحنانها ..استسلمت لرغبته الطفولية وخاصة أنها كانت تدرك خوفه واحتياجه للأمان ..
أضافت وسادة لطفلها .. في منتصف السرير مابينها وبين زوجها … الذي كان يعترض بشدة على هذا الأمر وخاصة أن الصغير حين يستغرقه النوم ويبدأ بالتحرك خلال نومه يختار وضع رأسه قرب والدته وقدميه ناحية أبيه ويبدأ بتحريك قدميه فينزعج الأب ويطالب الصغير بالعودة لفراشه ويبدأ صراعاً الغلبة فيه دائما للطفولة والبراءة .. وهنا لابد من ذكر أن الأم أيضا كانت تتعرض للازعاج ولكنها تحتمله رغبة منها في توفير إحساس الأمان لديه ..
انتهى القصف توقف تماما … وحان وقت إعادة طفلها إلى فراشه طالما السبب زال ..
بدت محاولاتها فاشلة وخاصة أنها لم تبذل الكثير من الجهد وكلما نظر إليها بعينيه البريئتين وتحول تعبير وجهه إلى الحزن والترجي وبصوته الصغير ولدغة الراء في لسانه يقول (( ماما .. أرجوكِ … أرجوكِ … )) تستسلم لذاك الوجه الصغير وهي تعرف أنه يمارس معها أشد أنواع الاستغلال العاطفي والذي لم تجد وسيلة لمقاومته ..
استمر في النوم معهما .. تارة يصطدم بأبيه ويتشاجران شجار أطفال مضحك .. وتارة يزعج الأم وخاصة إصراره على النوم معها على وسادتها ويرفض أن يضع رأسه بعيدا عنها وعلى الوسادة المخصصة له.. ملتصقا بها ممسكا بيدها .. يتلمس ذراعها الناعمة برقة ..
كل ليلة تصحوعدة مرات منزعجة من الألم الذي يسببه لها صغيرها بوضع رأسه ليس فقط على وسادتها وإنما على شعرها الطويل، يتقطع يؤلمها تصحو متألمة عكرة المزاج ..
شعرها .. الذي تفخر به وتحبه .. لجماله وتميزه وما يضفيه من جمال لوجهها .. حتى أن زميلاتها أيام الدراسة الثانوية والجامعية كن يطلقن عليها اسم “صاحبة الشعر الجميل” ..
في إحدى الليالي بالغ صغيرها في ازعاجها يتحرك كثيرا ويتلوي برأسه على وسادتها .. وينسحب شعرها مع حركة رأسه ليتقطع ويفزعها من نومها .. تلك الليلة لم تهنئ بنومها …
صحت مع الفجر .. أعدت إفطار الصباح لزوجها وأولادها استعدادا لخروجهم .. كانت عكرة المزاج وتشتكي فبادرها زوجها بلومها أنها السبب ولم تكن صارمة مع الطفل ..
أخذت تفكر .. وتفكر .. عن حل لهذه المعضلة وكيف ستتمكن من أن تكون صارمة ..
فجأة لمعت برأسها فكرة .. برقت عيناها فرحا أنها وجدت الحل …
نهضت .. ارتدت ملابسها استعدادا للخروج .. جهزت طفلها وحقيبته وكل ما سيحتاجه خلال الساعات القادمة .. وركبت سيارتها متجهة إلى حضانة الأطفال .. سلمتهم طفلها مع كافة التوصيات والتنبيهات لرعايته أثناء غيابها ..وقادت سيارتها إلى مركز للعناية وتصفيف الشعر، دخلت وطلبت من الكوافيرا أن تقص لها شعرها ……
قصت شعرها .. كي تنهي النزاع بينها وبين طفلها وشعرها …وقررت أن تكون صارمة مع شعرها .. فلن تحرم طفلها من حضن دافئ يلتجأ إليه عندما يخاف .. غادر الناتو سماء المدينة وعاد ابنها بعد فترة لفراشه لكنها لاتزال مداومة على قص شعرها فأصوات الرصاص والمدافع لاتزال تقطع سكينة الليل وفي كل الأوقات.