محمود الجعيدي
اخترت اكبر سكين وبدون تردد ذبحتها.. قطعت الرأس وفصلته عن العنق.. لم اكن مهتم بكمية الدماء التي انفجرت وملات المكان واغرقت وجهي.. المشهد بشع.. لكن هذا ليس مشهد البداية.. البداية كانت منذ عامين تقريبا.. وقتها كنت اعمل كطبيب امتياز في مستشفى قطاع عام عبارة عن فوضي مختلطه بفوضى. في ذلك اليوم كنت في غرفة الكشف وقد شربت قهوتي كالمعتاد.. كنت اسمع صوت المرضى من وراء الباب وادرك ان هناك ازدحام شديد من اجل الدخول.. بعد قليل دخلت الممرضة.. فتاة جميلة لها صوت خشن اكتسبته من العمل هنا.. لاحظت ان وجهها شاحب على غير المعتاد.. قالت: – مريضة مصممه تدخل حالا كدت اقول لها ان تطلب منها ان تنتظر الدور ثم وجدت انه لا ضرر من ذلك وقلت: – دخليها لحظات ودخلت امرأة قصيرة تحمل فوق كتفها ما يبدو انه طفل صغير ملفوف بقطعة قماش قديمة كلها ثقوب.. سألتها في استعجال وتملل: – خير..؟ قالت في اضطراب: – ابني ثم وضعت الطفل امامي على حافة المكتب.. لم استطع ان امنع شهقة قوية خرجت مني.. كان طفل له رأسين.. الرأسين متطابقين تماما بنسبة مائه في المائه.. حالة طبية نادره اول مره اراها على الطبيعة.. لكن المرأة فاجأتني اكثر حين قالت: – هو مكنش كدا امبارح كنت انظر لها في ذهول وقد شلت غرابة الجملة ذهني.. عادت المراة تقول في صوت باك: – صحيت النهارده الصبح لقيت نبتت له الرأس التانية.. نفس الراس الاولى بالضبط لدرجة اني مش عارفه اي راس فيهم هى الاصل – انت مجنونه.. راس تانية ايه اللي تنبت لانسان.. اكيد هو مولود كدا اخرجت المراة صورة من طيات ملابسها وقدمتها لي.. صورة للطفل لكن برأس واحده فقط.. تمتمت في دهشة وانا انظر فيها: – انت بتتكلمي جد..؟! الدموع اغرقت وجه المراه ولم ترد.. لم يكن امامي وقت لأتساءل واتامل.. مضيت في فحص الطفل جيدا.. عنق واحد يخرج منه رأسان متطابقان مثل شجره لها فرعان.. كل الفحوصات اثبتت انه لا اختلاف بينهما.. كيف يوجد رأسان في جسد واحد وينبت احداهم فجاة من الفراغ.. غير معقول.. بالتأكيد هناك تفسير.. هذه المرآه تكذب وهذا الطفل مولود هكذا.. ولكني في الواقع وفي اعماق نفسي لم اكن مستريح لهذا التفسير.. كنت اشعر انها تقول الحقيقة..! قطع تفكيري اتصال من احد الزملاء في نفس المستشفى.. كان يقول: – تعال بسرعة.. عندي حالة محتاج تشوفها استأذنت من المرأة وطلبت منها ان تنتظر ولا تغادر، وهرعت مسرعا.. داخل غرفة الزميل رأيت رجل ضخم الجثة يرتدي جلباب واسع ويضع فوق رأسه غطاء عجيب الشكل يكاد ان يخفيه تماما.. وبمجرد ان دخلت ازاح الرجل الغطا وظهرت الصدمة.. الرجل كان كان له رأسين..! سمعت زميلي يقول وهو متقطع الانفاس: – انت مش هتصدق اللي الراجل ده بيقوله.. حسب كلامه انه نبتت له راس تانية. – لا انا بقيت اصدق كل حاجة خلاص كانت تلك هي نفس حالة الطفل دي نفس الحالة اللي عندي لكن باختلاف السن. بدأت في فحص الراجل.. نفس حالة الطفل التي كنت افحصها منذ قليل.. رأسان في عنق واحد والرجل يقول ان الرأس الثانية نبتت له فجاة..! بعد التدقيق والفحص اكتشفت ان الرأسان غير متطابقتان كما اعتقدت في البداية لكن هما صورة معكوسة لبعضهما.. الانفعالات تأخذ شكل مختلف.. انعكاس غريب ورد فعل كأنك تنظر الى وجهك في المراة..! لم يمر وقت طويل حتى وصل الخبر الى الصحافة وانقلبت الدنيا.. كان الموضوع حديث الساعة كما قالوا لكن بمرور الوقت بدأت الحالات تزداد وتنتشر.. عشرات الاشخاص حدث لهم نفس الشيء.. الرعب انتشر.. لا احد يفهم سر ما يحدث.. مرض.. عدوى.. اشعاع.. لعنة الهية.. نعم من يدري.. ربما هذا غضب الرب..!
ثم نتقلنا بعد ذلك الى مرحلة جديدة.. الاشخاص اصحاب الرأسين بداوا يصابوا بحالة اشبه بالجنون او الصرع ومن ثم يفعلون امور فظيعة.. كانوا يطاردون الاشخاص العاديين في الشوارع ويقومون بقتلهم واكلهم..! اطلقنا عليهم اسم المسعورين وتشكلت فرق خاصة لمطاردتهم والقضاء عليهم وفيما بعد كان يتم حرق اي مصاب قبل ان يتحول الى مسعور.. رغم ذلك لم نعد نشعر بالأمان.. لا احد في امان.. ببساطه كان اي شخص معرض للإصابة والعدوى.. اصيب رجال دين وساسة واغنياء وفقراء واطفال ونساء وشيوخ.. صرنا نعيش في رعب رهيب من خطر ظهور الرأس الثانية..! اشعلت اخر سيجارة معي ونظرت في المرأة وانا اشعر ان سطحها صار لامع اكثر من المعتاد.. نظرت الى الرأس الثانية التي نبتت في عنقي.. لا استطيع ان اميز اي رأس منهما هي الاصلية.. لم اعد اعرف ان كانت تلك هي افكاري ام افكار الرأس الثانية.. من يتحدث الان ومن يتكلم.. لم اعد اعرف ان كنت الشخص نفسه وبدأت اسال نفسي من انا..؟ اسئلة.. اسئلة بلا اجوبة.. وفجأة هبطت الحقيقة وكأنها الهام… وبحركة خفيفة سحبت سكين وبدأت في القطع. ( تمت )