سالم الهمالي
اصطلاح لغوي وجد طريقه إلى اللهجة الليبية، يحمل دلالة تنبئ بالجودة والمتانة مصحوبة بالخلو من العيوب، لتوصيف السيارات المستوردة من أوروبا بعد أن قضت عمرها الافتراضي أو قاربت على التخريد! طبطب بيده على رفرف السيارة وكأنه يختبر طّياب أو نضوج (دلاعة)، وبابتسامة تعلو وجهه مد ذراعه، الإبهام منتصبا على أصابع يده المقبوضة يهزها للتدليل على الثقة والتأكيد بأنها (١٠٠%) … “استعمال أوروبي يا بابا” يلف ويعاود حولها، مرة يشير إلى الهيكل وأخرى إلى كراسيها، شوف كيف تصقل، تقول عمرها مَا ركبها أحد من قبل … تقول كيف طالعة من الدار!! …
ازداد تحمسه وهو يشير إلى أشرطة بلاستيكية شفافة ملصقة على الزجاج الأمامي عليها كتابة بأحرف لاتينية، إصبعه السبابة تتبع الأحرف يقرؤها بالرغم من عدم إحاطته بأي لغة أجنبية، واختصر: حتى الكتابة قاعدة جديدة، ثم أمسك بطرف (النايلو) الذي يكسو الكراسي بعد أن فتح بابها، قائلا: – اهو حتى الكراسي مازالت بالنايلوات! كدت أن أنفجر بالضحك عندما لمحت أرنبة أنفه تشمشم داخل السيارة، حركة شفته تتواءم مع الأنف بتموجات ناحية اليمين والشمال، تذكرت الكلاب البوليسية … يا إلهي، حتى رائحة السيارة الجديدة وجدوا لها “فتلوكه” امتلأت شوارع وطرق ليبيا بالسيارات، بعضها يبدو جديدًا (ناف) من الدار، أغلبه من كوريا واليابان وما فِي حكمها، والغالبية لأسطول “الخردة الأوروبية”.
ليس فقط الفارق في الميزانية (القدرة الشرائية) ما يحدد أي نوع من السيارات التي يمكنك شراؤها، فالجديد أصبح يشكل خطرا في بعض مناطق ليبيا، ففي الجنوب مثلا، لا يستطيع الغالبية من سكانه ركوب السيارات الجديدة إلا إذا كانوا على استعداد للمجازفة بأرواحهم. حتى أصحاب الملايين، يركبون عقاب قجرابات إبعادًا للشبهة. مصطلح ” استعمال أوروبي”، مكر ودهاء غريب وعجيب، فكيف تحول ما يعتبره الأوروبيون أقرب للخردة إلى بضاعة جديدة قابلة للاستعمال وكأنها جديدة (ناف)، وهل هذا المصطلح ينطبق على الأدوية منتهية الصلاحية أو المعلبات والأغذية أو محركات إنتاج الطاقة الكهربائية.
أغلب الهواتف المحمولة في أوروبا بتعاقدات، تشتريها الشركة بعد انقضاء الأجل بثمن زهيد جدا، فهل يا ترى تتحول وتتحور إلى هواتف استعمال أوروبي في صندوق جديد في نايلوات ولصقة وفذلكة تجارية؟! فكرة ارتباط (أوروبا) بالبضاعة الجيدة أمر مقبول، صناعاتهم تخضع لمعايير منضبطة عالية الدقة، لكن عندما تستهلك وينقضي عمرها تصبح خردة أو أقرب شيء للخردة، في أوروبا أو حتى جزر الواق الواق. أما الأدهى فهو إذا ما اعتبرنا أن كل من أمضى مدة زمنية في أوروبا أو أمريكا انطبق عليه مصطلح (استعمال أوروبي). هنا الكارثة!!