دراسة نقدية تحليلية بالآلية الذرائعية
/الناقدة السورية د. عبير خالد يحيي /الجزء الاول
أولًا- المقدمة:
إذا أردنا أن نجتهد في تقديم تعريف للأدب النسوي- وهو أدبٌ مُختلَفً على ماهيّته- وانقسمت الآراء حوله بين مؤيّد ومعارض، يمكننا أن نقول: “بأنه الأدب الذي يكون فيه النص الإبداعي مرتبطًا بطرح قضية المرأة والدفاع عن حقوقها دون ارتباط بكون الكاتب امرأة“…
وهذا يعتبر التعريف الأمثل من بين مئات التعريفات التي ذهبت بهذا الأدب في مناحٍ كثيرة، أثارت الكثير من الانتقادات والاعتراضات، ولعلّ هذا التعريف هو الأقل انتقادًا …
المعارضون لمصطلح الأدب النسوي يرون أنه لا يجوز تقسيم الأدب إلى نسوي وغير نسوي، لأن الأدب مرآة تعكس صورة المجتمع بأكمله، بكل مواضيعه، فلا يصح تجزئة الصورة إلّا بالتشظي… وتعتبر الروائية السورية (غادة السمان) والروائية الجزائرية (أحلام مستغانمي ) من أبرز قادة هذا التيار المعارض على الرغم من أنهما أكثر من كتب فيه…
المدافعون عن هذا المصطلح يرون أن المرأة لها خصوصية في قضاياها تحتّم أن يكون لكتاباتها حيّزًا تصنيفيًّا خاصًا بها، محدّدًا ضمن إطاره الإبداعي بعيدًا عن الكتابة الذكورية.
تنظر المراجع الأجنبية إلى أدب المرأة من خلال ثلاثة مداخل:
الأدب الذي تكتبه المرأة، الأدب الذي يكتب عن المرأة، أو الأدب الذي تقرأه المرأة…
“في كتابها النظرية الأدبية النسوية, تؤكد لنا ماري إيجل تون خطأ تصنيف العمل الأدبي على أنه نسائي لمجرّد أن المرأة تقبل على قراءته, ودليلها على هذا مجموعة الكتب غير المتعاطفة مع المرأة التي يقبل العنصر النسوي على قراءتها , وهي كذلك ترفض رواية ما نسوية لمجرّد أن المرأة تكتبها, فهناك مجموعة من الروايات الرومانسية التي تكتبها المرأة إلا أنها بعيدة كل البعد عن ملامح الأدب النسوي, فهي مجرد فانتازيا تركز على بطلة محاطة بأوهام عاطفية قريبة من صورة البطلة السينمائية, علمًا بأن المرأة البطلة – حسب إيجل تون- ساهمت في إيجاد المرأة الكاتبة في الحقل الروائي
في منتصف السبعينات- عمومًا- نجد احتفاءً واضحًا بالتجربة المتميزة للمرأة، إذ لم يعد التسجيل الممل للقمع والكبت كافيًا، في هذه الفترة كتبت الشاعرة (أدريني ريتش – Adrienne Rich) كتابًا عن ميلاد المرأة تمدح فيه الأمومة والإبداع النسوي، وحلمت بوجود لغة مشتركة تظهر الذات النسائية، كما برزت في هذه الفترة طقوس الزواج والخصوبة في الأدب، وهو ما تم تطويره بالاعتماد على نقد رجالي أسطوري، لكن الأغراض كانت نسوية.
وبغض النظر عن المؤيدين والمعارضين للمصطلح، من وجهة نظري، مجرد الجدل في هذا الأمر هو إقرار بموقع ومكانة هذا النوع من الأدب، وترسيمه بسماته العامة، مع مطواعيته لقبول سمات أخرى يفرضها التغيّر المجتمعي بمقتضى التطوّر المتسارع للعالم المحيط. فأنا مِن مَن يقرّ هذا النوع من الأدب، سواء كتبه ذكر أم أنثى وأميل إلى معقولية أن الكاتبة الأنثى تكتبه بمصداقية أكثر.
والكاتبة عبير العطار انتهجت هذا النوع في روايتها (بانسيه)، لمسة لا نخطئ ملاحظتها أيضًا في قصصها القصيرة، بل وحتى في قصائدها النثرية، لكنها تعتمد التناصف الإنساني، فالقضية عندها دائمًا بين هو وهي.
الكاتبة في سطور:
السيرة الذاتية للشاعرة:
الاسم: عبير محمد شريف العطار – مصرية، سورية.
من مواليد دولة الكويت.
– حاصلة على بكالوريوس العلوم جامعة القاهرة 1987
– حاصلة على دراسات عليا في تجويد القرآن من معهد الدراسات الإسلامية بالكويت1995
– حاصلة على دبلوم ديكور داخلي من الولايات المتحدة الأمريكية بالمراسلة 1999
– عضو اتحاد الكتاب المصري.
– عضو مجلس أمناء في مؤسسة الكرمة للتنمية الثقافية والاجتماعية والمستشار الإداري لرئيس مجلس الأمناء.
– عضو في أكاديمية الفينيق للأدب العربي.
– عضو ملتقى الأدباء والمبدعين العرب.
– عضو حركة التصحيح والتجديد والابتكار في الأدب العربي.
– كاتبة وشاعرة وقاصّة وروائية.
مساميرها الأدبية على حائط الأدب:
لحظات فارقة – صدر من مطابع الأهرام التجارية 2013
الحب إنسان – صدر من مطابع الأهرام التجارية2014
ديوان رهان مرآتي – صدر من مطابع الأهرام التجارية 2015
تجاعيد زمن – قصص قصيرة جدًّا- صدر عن مؤسسة الكرمة للتنمية الثقافية والاجتماعية2016
بانسيه – رواية
وحدك في الصورة تكفي – خواطر
ثانيًا- البؤرة الثابتة Static Core:
امرأة تبحث عن السعادة ضمن معطياتها الإنسانية، يؤرقها أن تُحرم من زينة الحياة الدنيا بعد أن ذاقت نعمة الحمل دون أن تبلغ هبة الأمومة! وخلال سيرها في هذا الدرب، تمر بالعديد من الخبرات البارادوكسية، الخيانة والإخلاص، الخيبة والنجاح، الجحود والعرفان، الحب والكراهية، التسامح والحقد، كله ضمن الصراع البارادوكسي الأول (الخير والشر)، مع إطار باهت ومحيّر من طغيان نوع طفولي من النرجسية على البطلة (بانسيه)، فهل كانت عبر هذه اللوحة الضاجّة بالألوان المتجاذبة بفرضية تجاذب المتضادات قادرة على نقل المغزى الذي عنته؟ الأنوثة بكل حمولاتها، والذكورة بكل ما لها وما عليها، وحتمية الالتحام بينهما لولادة الحيوات الجديدة؟ حول هذا المفهوم تركزت أحداث الرواية.
ثالثًا- الاحتمالات الديناميكية المتحركة Dynamic Possibilities
وتدرس من خلال:
-1الشكل البصري External Trend:
العمل عبارة عن رواية مكونة من 241 صفحة من الحجم المعتاد للرواية هذه الأيام، الغلاف الأمامي للرواية عبارة عن صورة لراقصة باليه ثوبها على شكل زهرة البانسيه البنفسجية الجميلة، خلفية الغلاف باللون الفستقي الذي بات مميزًا للكاتبة، فهي من عشاقه. في أعلى الغلاف عنون الرواية (بانسيه) باللون البنفسجي أيضًا.. وفي الأسفل من اليسار اسم الكتبة (عبير العطار) باللون الأسود، أما من اليمين فشعار مؤسسة الكرمة الثقافية التي تنتمي لها الكاتبة….
الغلاف الخلفي يتماهى اللون البنفسجي بدرجاته التي تحتويها زهرة البانسيه، تعلوها صورة الكاتبة بوجهها الصبوح تعلوه ابتسامة رضى ونظرة أمل نحو عنوان الرواية، وفقرة فلسفية رومانسية من الرواية مخطوطة باللون الأصفر، مع تكرار شعار الكرمة رمزًا للولاء والانتماء…
أما ما بين الدفتين، فقد لفتني العنوان:
إلى بانسيه
حين تقضم تفاحة الحياة.
إهداء مقتضب! إلى شخص اسمه (بانسيه) تعني فيه كل النساء، شبيهاتها، وكأنها تهديهن مرفق (تعليمات التشغيل) لجهاز الحياة، فن العيش وقضم تفاحة الحياة برقي وسمو.
بعده مقدمة بعنوان (بانسيه كونشيرتو روائي للجمال والألم) للناشر الشاعر والإعلامي الكبير (سيد حسن)، ثم قصيدة نثرية للكاتبة لتبدأ بعدها الرواية وفي نهايتها قراءة نقدية مستقطعة للناقدة الذرائعية السورية عبير خالد يحيي بعنوان (التناصف الإنساني عند الروائية عبير العطار).
الرواية مقسمة إلى أجزاء غير متساوية, قد يكون الجزء صفحة واحدة, ثم الجزء التالي في عدة صفحات, الأجزاء معنونة ب : في غرفة الإنعاش, الاستفاقة, الخروج, الحياة من جديد مع عائشة, الغزو, الحرية, الذهاب إلى الطبيب النفسي, من جلسات العلاج, السفر, الحب, في جوف العشق, العودة لثائر عمار, الضياع, احتضان الأمومة, الأم البديلة, الحياة الزائفة, العودة لفيلا الزوجية, حوار عبر رسالة الكترونية, الصديقة, المولد, المقهى والذكريات, الاختيار, الذهول, الإعياء بعد موت نبيل, الدفنة, العزاء, الانتحار, حياة جديدة وحالة عشق, بارقة أمل, النهاية…كلها عناوين لتسلسل الأحداث في الرواية.
نلاحظ أن هذه العناوين تتذبذب بين عناوين معنوية، وأخرى وصفية لحدث، كنت أتمنى أن يتم اعتماد نمط واحد من العناوين، وكان بالإمكان دمج الأجزاء ذات العناوين المعنوية بالجزء الحدثوي، وبذلك يتحقق أيضًا التقسيم الكمّي المتعادل للأجزاء.
راعت الكاتبة الصورة العامة للصفحة النصية من ترتيب في العناوين والسطور والجمل والحواشي للصفحة، والفقرات وأدوات التنقيط النقطة والفارزة (وإن كانت مفتقدة في بعض الفقرات) وعلامة التعجب وعلامات الاستفهام…يتبع