- تقرير : زهرة موسى
في ليلة هادئة، وبين أزقة المدينة التي اعتادت السكون، رائحة احتراقٍ تسللَت إلى البيوت و اخترق الظلام وهج نيرانٍ متصاعدة ، قطع صمت الأهالي أصوات سيارات الإسعاف وصيحات الاستغاثة. الحرائق التي اندلعت بلا سبب واضح، تتكرر بلا إنذار، تلتهم ما في طريقها، ثم تنطفئ تاركةً خلفها رماد الأسئلة. من يشعل النيران؟ هل هي صدفة عابرة أم أن خلفها سرًا يُخفي أكثر مما يُقال؟
بين همسات الأهالي وتخميناتهم، وبين محاولات رجال الإطفاء التي لم تسبقها نداءات استغاثة، تبقى الأصابعة مدينةً تراقب بقلقٍ لهيبًا جديدا ، وسرًا لم يجد بعدُ من يفك طلاسمه.

بينما يتداول البعض نظريات عن أسباب ميتافيزيقية، اختارت فرق بحثية من مركز الاستشعار عن بعد وشركة Green Life مواجهة المجهول بسلاح العلم، قادمةً إلى المدينة في محاولة لفك هذا اللغز المقلق.
لكن مع كل محاولة لفهم ما يحدث، تزداد الأزمة تعقيدًا؛ الحرائق تواصل اندلاعها، حالات الاختناق تتزايد، والسلطات تجد نفسها أمام تحدٍّ يتطلب قرارات حاسمة. فهل ستكشف الدراسات العلمية حقيقة ما يجري؟أم ستظل الأصابعة حبيسة لغزها المحترق؟
جهود بحثية واستجابة طارئة وسط غياب الدعم الدولي.
وصلت فرق متخصصة من المركز الليبي للاستشعار عن بعد وعلوم الفضاء، إلى جانب فرق من شركة Green Life المتخصصة في تحليل التربة والمياه والهواء، وذلك في إطار الجهود العلمية الرامية إلى فهم الأسباب المحتملة لاندلاع الحرائق المتكررة في المدينة.

تحقيق علمي لفهم الظاهرة.
أشارت الفرق إلى أنها تهدف إلى تحليل التربة والمياه والهواء للبحث عن أي عوامل بيئية قد تكون وراء اندلاع الحرائق ، كما أنها ستستخدم تقنيات الاستشعار عن بعد لمراقبة التغيرات في المناطق المتضررة.
و كذلك ستعمل على إجراء دراسات علمية معمقة لتحديد الأسباب المحتملة لهذه الظاهرة ، وأكدت الفرق أن نتائج هذه الدراسات قد تكون حاسمة في كشف طبيعة الأزمة واتخاذ الإجراءات المناسبة لمنع تكرارها.
الجن يحرق مدينة ليبية.
اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي و كذلك الشارع الليبي إشاعة أن الجن يهاجم مدينة الأصابعة، و كثيرون دعموا هذه النظرية بينما دعا الكثير للبحث عن أسباب علمية واقعية لهذه الحادثة ، و بهذا الصدد نشرت لجنة حصين على صفحتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي تصريحا لرئيس اللجنة ” عز الدين أبودبوس ” جاء فيه : في ظل هذه الفاجعة، كثرت التأويلات والتفسيرات حول أسباب الحادثة، مما دفع البعض إلى نشر معلومات غير دقيقة، بل وذهب البعض إلى التعليق بآراء غير مستندة إلى علم أو دليل واضح.

وعليه، نؤكد أن لجنة حصين لا تجزم بتحديد سبب الحادثة، فعملها الأساسي حاليًا ينصب على تقديم المساعدة والدعم للأهالي المتضررين، ضمن الإمكانيات المتاحة. أما ما يتم تداوله حول أن الحادثة وقعت بسبب الجن أو غير ذلك من الفرضيات، فهو أمر غير محسوم.
الأسباب المحتملة عديدة، فقد يكون السبب تسرب غاز، أو فعلًا إجراميًا، أو انتقاميًا، أو نتيجة لحالة غير طبيعية تعرض لها أحد الأشخاص. لذا، فإن الجزم بسبب معين دون تحقيق دقيق يعد تصرفًا متسرعًا وغير مسؤول، قد يؤدي إلى إثارة البلبلة والتشويش.

نهيب بالجميع تحري الدقة في نقل الأخبار، وعدم الاعتماد على الإشاعات أو التفسيرات غير الموثوقة.
عودة الحرائق وارتفاع حالات الاختناق.
أكد أسامة علي، الناطق باسم جهاز الإسعاف والطوارئ، أن مدينة الأصابعة شهدت استقرارًا نسبيًا حيث لم تُسجَّل أي حرائق جديدة أو إصابات ، و لكن بعد مغادرة فرق الإسعاف المدينة وعودتهم إلى طرابلس اندلعت حرائق جديدة ، مما استدعى تجهيزهم للعودة مجددًا فور تلقي البلاغ الرسمي.
و نوه إلى أنه “جراء هذه الحرائق سجلت 8 حالات اختناق، إحداها حرجة وتستلزم نقلها خارج المدينة لتلقي العلاج ، مشيرا إلى أن المدينة في حالة “فوضى وعشوائية” خاصة في عمليات الإنقاذ، نتيجة تدخل العديد من الأطراف والأجهزة والسكان، مما يُعيق حركة الفرق المختصة ويؤثر على كفاءة الاستجابة للطوارئ.
من جانبه” أعلن عماد المقطوف، عميد بلدية الأصابعة، أن أكثر من 150 منزلًا تعرض للاحتراق منذ 19 فبراير، دون تسجيل أي خسائر بشرية.
وأكد على استمرار فرق البحث في التحقيق بأسباب الحوادث، مع تأكيد البلدية عدم الإدلاء بأي معلومات رسمية قبل التحقق من دقتها.

كما دعا إلى التوجه نحو الاستعانة بخبراء دوليين متخصصين لدراسة الظاهرة والوصول إلى أسباب علمية دقيقة لهذه الحرائق ، كما شدد على أن البلدية تطمئن الأهالي بأن الجهود مستمرة لفهم أسباب الأزمة واتخاذ التدابير اللازمة لمنع تكرارها.
غاز الميثان هو السبب.
من جانبه، أكد وزير التعليم العالي والبحث العلمي، عمران القيب، أن ظاهرة الحرائق في الأصابعة ليست كارثة خارقة للطبيعة، بل يمكن تفسيرها علميًا، مشيرًا إلى اكتشاف كميات كبيرة من غاز الميثان في المنطقة.
وقال القيب: “الحريق ليس حدثًا غامضًا، بل هناك عوامل علمية وراءه. لقد ثبت وجود انتشار كبير لغاز الميثان، وهو غاز عديم اللون والرائحة لكنه يساعد على الاشتعال.”

وأشار إلى أنه تم تركيب أجهزة رصد الغازات في عدة مواقع لمتابعة الوضع على مدار 24 ساعة، موصيًا الأهالي بضرورة تهوية المنازل وفتح النوافذ، خصوصًا في المناطق التي تم فيها رصد الغاز.
وفي سياق آخر، انتقد القيب بعض الخطابات الدينية التي عززت المخاوف بين السكان، مشيرًا إلى أن ذلك ساهم في نشر الذعر بين الأطفال.
دعم محلي لمواجهة الأزمة.
ضمن الجهود المبذولة لتعزيز قدرة الأهالي على مواجهة الحرائق، تم توفير 50 أسطوانة إطفاء بسعة 12 كيلوغرامًا لكل أسطوانة، على أن يتم توزيعها عبر الشؤون الاجتماعية للعائلات المتضررة.
كما أعلن مصرف ليبيا المركزي عن إجراءات عاجلة لتعزيز السيولة النقدية في المدينة، تضمنت “إرسال شحنة نقدية بقيمة 2 مليون دينار إلى مصرف الجمهورية بالأصابعة، كذلك تجهيز شحنة إضافية بقيمة 5 ملايين دينار سيتم إرسالها لاحقًا ، و أيضا العمل على رفع سقف السحب النقدي إلى 5000 دينار لتخفيف الأعباء المالية عن الأهالي.

تحقيقات رسمية حول أسباب الحرائق.
أعلنت النيابة العامة عن بدء تحقيقات موسعة للكشف عن أسباب الحرائق في الأصابعة ومنطقة الهيرة. وكلف النائب العام فريقًا من الخبراء في علوم الحرائق لمساندة التحقيقات، في محاولة لفهم طبيعة الحرائق والعوامل التي أدت إلى وقوعها.
فرق الإغاثة والمسؤولين يتفقدون الأوضاع في بلدية الأصابعة.
بعد الحرائق تواصلت جهود الإغاثة في بلدية الأصابعة حيث زارت فرق الإغاثة موقع الحادث لتقديم الدعم للأسر المتضررة. وأكد هيثم عبد السلام مبروك، رئيس لجنة إدارة مركز الدراسات الاجتماعية ورئيس لجنة استقبال شكاوى المواطنين بوزارة الشؤون الاجتماعية، أن اللجنة استقبلت أكثر من 40 شكوى منذ وقوع الكارثة، وتم تقديم مساعدات عاجلة تشمل الأغطية والمفروشات والمواد الغذائية.
وأشار مبروك إلى أن بعض الأسر المتضررة تم استضافتها من قبل أقاربهم وسكان المنطقة، في ظل حالة من الهلع والخوف التي عاشتها المدينة، مضيفًا أن فرق الإغاثة تعمل بالتنسيق مع الهيئة الوطنية للسلامة والأجهزة الأمنية لمواجهة تداعيات الكارثة.

وصف ” طارق الزنتاني مركز الدراسات الاجتماعية بوزارة الشؤون الاجتماعية الأوضاع في المدينة بـ”المأساوية”. مشيرًا إلى أن السكان يعيشون حالة من الرعب وكأنهم في “مدينة أشباح“.
وفي إطار المتابعة الحكومية، زارت وفود رسمية من رئاسة الوزراء المدينة، ضمت نائب رئيس الوزراء، ووزير الصحة المكلف المهندس رمضان أبوجناح، ووزير الحكم المحلي الدكتور بدر الدين التومي، إضافةً إلى رئيس هيئة السلامة الوطنية الحاج عثمان مليقطة.
كما شارك فريق من مركز بحوث النفط في عمليات التقييم، حيث أكد الخبراء عدم وجود أي مؤشرات على تسرب الغاز، نافيًا صحة الأنباء المتداولة حول ذلك.
في حين تواصل السلطات المحلية والجهات المختصة العمل على تقييم الأضرار، وسط جهود مكثفة لإعادة الحياة إلى طبيعتها في البلدية.

استجابة محلية وغياب الدعم الدولي.
على الرغم من استمرار الأزمة لليوم العاشر، إلا أن الاستجابة الدولية ما زالت غائبة، حيث لم تُسجل أي تدخلات من منظمات الإغاثة الدولية مثل الهلال الأحمر أو الصليب الأحمر ، لم يصدر أي تعليق من البعثة الأممية في ليبيا، رغم تضامنها سابقًا مع أحداث أقل خطورة ، لم يصدر أي بيان من السفارات الدولية حول الكارثة المستمرة.
في ظل هذا الغياب، يواجه الأهالي والسلطات المحلية الأزمة بمفردهم، وسط تساؤلات حول مدى إمكانية حصولهم على دعم دولي في مواجهة هذه الكارثة.
خاتمة.
تتواصل الجهود في الأصابعة لمكافحة الحرائق وفهم أسبابها، في وقت تتفاقم فيه معاناة المتضررين بسبب غياب استجابة دولية وعدم وجود حلول حاسمة حتى الآن. وبينما تواصل الجهات المختصة أبحاثها، يبقى السؤال المطروح: هل يمكن منع تكرار هذه الحرائق مستقبلًا؟