تقارير المنظمات الدولية بشأن حرية الصحافة في العالم تضع ليبيا كالعادة في ذيل القائمة ولا يفوقها في ذلك إلا قلة قليلة من دول العالم الثالث الغارقة مثلها في مستنقع الحروب الأهلية وانهيار الدولة بشكل تام .
منذ خمس سنوات مضت وبالتحديد منذ انتهاء أحداث عام 2011 م تفاجأنا كما تفاجأ العالم بكم الصحف والمجلات والإذاعات المسموعة والقنوات الفضائية التي انفجرت داخل ليبيا وخارجها حتى ظننا أننا بذلك ندشن حقبة جديدة تبشر بازدهار الإعلام كماً وكيفاً وأننا في الطريق الصحيح الذي يتيح لنا الارتقاء بمكانة ليبيا من حيث عدد وسائل الإعلام الخاصة ومدى الحرية التي تتمتع بها وتعمل في كنفها .
لكن ما حصل بعد ذلك كان على العكس تماماً ، فقد تقلصت أعداد وسائل الإعلام التي كانت تناهز المئة ووصلت الآن إلى بضع عشرات وليست المشكلة في تقلص العدد بقدر ما هي في التحول الكارثي في خطاباتها وتوجهاتها وسياساتها التحريرية .
الصراع السياسي الذي تحول بعد وقت قصير إلى حرب أهلية طاحنة أهلكت الحرث والنسل كان له الدور الأبرز في التضييق على وسائل الإعلام وتوجيهها وإغلاق بعضها وهجرة بعضها الآخر ولم تستطع الاستمرار إلا تلك التي تم ترويضها واستغلالها في الترويج لهذا الطرف أو ذاك ومن بقيا على حياد أول اختار الوطن انهالت عليه ضربات كل الاطراف بلا هوادة .
الصحفيون كذلك كان لهم نصيب الأسد من هذه المعاناة وانعكس الصراع الدائر عليهم بشكل كبير حيث تجلى في عمليات الخطف والتعذيب والتضييق وفي أحيان أخرى القتل .
كما عانى المواطن وعانت البلاد من تبعات الحروب التي لم تهدأ من خمسة أعوام عانى الإعلام كذلك ” إعلاميين ووسائل ” من ويلاتها أيضاً ومما لاشك فيه أن استغلال وسائل الإعلام كان له أكبر الأثر في توجيه المواطنين للاصطفاف إلى جانب طرف ما من أطراف الحرب الليبية وهو ما زاد من انقسام المجتمع وعمق من صراعاته وأججها .
لا قانون ينظم الإعلام في ليبيا ولا سلطة تستطيع احتوائه وتوجيهه لمصلحة الوطن ولا قدرة لأحد على حماية العاملين به ولذلك من الخطأ بمكان إدراج ليبيا ضمن تصنيفات تقارير المنظمات الدولية .