“الإيدز والمخدرات في ليبيا: جيل ضائع بين الإدمان والمرض، فمن ينقذ الشباب؟”

“الإيدز والمخدرات في ليبيا: جيل ضائع بين الإدمان والمرض، فمن ينقذ الشباب؟”

تحقيق/ سلمى عداس.

   مأساة جيل على حافة الانهيار

في شوارع ليبيا وأزقتها المظلمة، وفي المستشفيات المكتظة بالضحايا، تتفاقم كارثة تهدد مستقبل البلاد: الإدمان والإيدز. لم تعد هذه مجرد أرقام في تقارير رسمية، بل تحولت إلى واقع مأساوي يمزق العائلات ويدمر الأحلام.

شباب طموحون انجرفوا نحو المخدرات، بعضهم بدأها كمنشطات دراسية وانتهى في مراكز علاج الإدمان، وآخرون خُدعوا في زيجاتهم فوجدوا أنفسهم مصابين بفيروس نقص المناعة المكتسبة (HIV). قصص مأساوية، شهادات صادمة، وخبراء يحذرون من كارثة وشيكة ما لم يتم التحرك العاجل.

في هذا التحقيق، ذكرنا بعضًا فقط من هذه القصص الحقيقية التي تعكس خطورة الوضع، لكن الحقيقة المُرة هي أن ما خفي أعظم. لو أردنا توثيق جميع المآسي التي تحدث يوميًا بسبب المخدرات وتأثيرها المدمر، لما كفت مليون صفحة لسردها. فكم من شاب فقد مستقبله؟ وكم من أسرة اكتشفت متأخرة أن المرض تسلل إلى حياتها؟

جحيم الإدمان – عندما يصبح المخدر هو الحاكم

خُذ… إن كنت رجلًا!” كيف تحول طموح شاب إلى مأساة؟

تجلس العمة مريم، امرأة في منتصف الأربعينيات، تنظر إلى صورة ابنها سالم، وتغالب دموعها التي لم تجف منذ سنوات. بصوت متهدج، تروي لنا قصته:

كان سالم ابني البكر، نور عيني وأمل حياتي. منذ صغره، كان يحلم بأن يصبح طبيبًا ليعالج الناس ويساعد الفقراء، لكنه لم يعرف أن هناك مرضًا أشد فتكًا من كل الأوبئة، الإدمان. لم أكن أتصور أن مجلسًا واحدًا مع رفاق السوء سيغير مصيره إلى الأبد.

في إحدى الليالي، تأخر عن العودة إلى المنزل، وعندما عاد، كان مختلفًا، عيناه زائغتان، خطواته متثاقلة، ورائحة غريبة تفوح منه. حاولت أن أسأله، لكنه تجاهلني ودخل غرفته. في اليوم التالي، سمعت حديثًا دار بينه وبين صديقه عبر الهاتف: “خُذ… إن كنت رجلًا!”

عرفت حينها أن ابني بدأ يضيع من بين يدي. حاولت منعه، توسلت إليه، بكيـت أمامه، لكنه كان قد وقع في الشِبَاك. أصبحت الأيام تمر ثقيلة، وسالم يزداد غيابًا، جسده يذبل، وعيناه تفقدان بريق الحياة. ذات يوم، عاد وهو يترنح، وانهار بين يديّ، وصرخ: “أمي، ساعديني، لا أستطيع التوقف!”

منذ ذلك اليوم، بدأنا رحلة العلاج، لكننا كنا نحارب وحشًا شرسًا. أنفقنا كل ما نملك، بعتُ مصوغاتي، واستدنتُ المال من أقاربي، لكن دون جدوى، كان المخدر أقوى منه، وأقوى منا جميعًا. اليوم، لا أعرف أين هو، قيل لي إنه ينام في الشوارع، يبحث عن أي شيء يسد به حاجته. أحيانًا أراه من بعيد، فأهرع إليه، لكنه يهرب، يخجل مني، وأنا… أموت كل يوم ألف مرة.”

تختم العمة مريم حديثها وهي تبكي بحرقة: “ليتني كنت أقوى، ليتني استطعت أن أحميه، ليت الزمن يعود فأمسك بيده قبل أن تمتد نحو الهاوية

عندما تصبح الثقة خنجرًا مغروسًا في القلب

 فتاة يتيمة تزوجت دون أن تعلم أنها ستصاب بالإيدز

*”يروي الشاب خالد صاحب الثلاثون عام قصة شقيقته الوحيدة ويقول ولدتُ أنا وليلى في أحد أحياء سبها، المدينة التي احتضنت طفولتنا القاسية بعد أن فقدنا والدينا في سن مبكرة. كبرت ليلى يتيمة لكنها لم تكن تستسلم، كانت تحلم بحياة كريمة تعوضها عن كل الحرمان الذي عاشته.

عندما تقدم لها رجل لطلب يدها، رأت فيه الأمان الذي لطالما افتقدته، ولم تشك لحظة في نواياه.

قال لنا إنه فقد بعض أوراقه، وأنه لا يستطيع توثيق الزواج في المحكمة، لكنه أصر أن يتم العقد في المسجد.

وثقنا به، وثقت به ليلى، لكنها لم تكن تعلم أنها كانت توقع على حكم الإعدام بيدها.

مرت الشهور، وحملت ليلى بطفلها الأول، كانت سعيدة، تترقب قدومه بفرح. لكن السعادة تحولت إلى مأساة عندما أجرت الفحوصات الطبية، فاكتشفت أنها مصابة بالإيدز. لم تصدق في البداية، ولكن الحقيقة سرعان ما انكشفت: زوجها كان مصابًا منذ البداية وأخفى الأمر عنها.

كان وقع الصدمة عليها مدمرًا، لكن الأسوأ كان عندما علمت أن طفلها الأول قد وُلِد حاملًا للمرض. قاومت قدر المستطاع، لكن بعد ستة أشهر فقط، رحل طفلها الأول بين يديها، تاركًا في قلبها جرحًا لا يندمل.

بعد وفاة طفلها، بدأت الألسن تلوك سيرتها، وانتشر خبر مرضها في الحي. شعرت بالخذلان ممن حولها، وكأنها مذنبة بجريمة لم ترتكبها. لم تعد تستطيع تحمل نظرات الشفقة وأحيانًا الاتهام، فقررت الهروب، تاركةً خلفها كل شيء، حتى ماضيها.

سافرت إلى بلد آخر، بحثًا عن بداية جديدة. هناك، التقت برجل آخر، تزوجت منه، ربما كانت تحاول أن تمنح نفسها فرصة أخرى للحياة، أن تنسى الألم الذي عاشته. وبعد فترة، أنجبت طفلها الثاني، وظنت أنها أخيرًا وجدت ما تبحث عنه.

لكن القدر لم يمنحها فرصة طويلة، فكما حدث مع طفلها الأول، انتقلت العدوى لطفلها الثاني دون أن تدرك ذلك. وبعد ولادته بستة أشهر، بدأت صحتها تتدهور بسرعة. المرض الذي حاولت نسيانه عاد ليأخذها ببطء، ولم يعد جسدها قادرًا على المقاومة.

مرت الأيام ثقيلة، وكأنها تعرف أن النهاية تقترب. لم يمضِ وقت طويل حتى جاء الخبر الذي كنت أخشاه… ليلى رحلت. لم أصدق، لم أستطع استيعاب أن أختي التي كانت تملأ البيت بالحياة قد غادرت بهذه السرعة.

طريق اللاعودة – كيف قادت المنشطات شابًا إلى الجنون؟

في قلب طرابلس، حيث تصطف المباني العتيقة بجانب الحديثة، وتحتضن المدينة حياة صاخبة مليئة بالطموحات والأحلام، وُلِد “وليد”، شاب مجتهد كان يحلم بمستقبل مشرق. منذ طفولته، كان متفوقًا في دراسته، محبًا للعلم، وكان والده دائمًا يفتخر به ويقول: “سيكون طبيبًا بارعًا، سيرفع اسم العائلة عاليًا.”

عندما التحق وليد بالجامعة، اختار تخصصًا صعبًا في الهندسة الطبية، فقد كان مولعًا بالابتكار والتكنولوجيا الطبية، لكنه لم يدرك أن هذا التخصص سيحمله عبئًا ثقيلًا يفوق طاقته.

لم تكن الدراسة سهلة، بل كانت مليئة بالضغط والتوتر، وكان يجد نفسه غارقًا في ساعات طويلة من الدراسة، يلاحقه القلق والخوف من الفشل.

في إحدى الليالي، وبينما كان يجلس في مكتبة الجامعة منهكًا، اقترب منه أحد زملائه وقال له: “جرب هذه الحبة، ستساعدك على السهر والتركيز، ستصبح أكثر نشاطًا!”

 في البداية، رفض وليد، لكنه كان في حاجة ماسة إلى شيء يبقيه مستيقظًا ليكمل دراسته، فقرر أن يجرب

كانت البداية مجرد تجربة، لكنها كانت الخطوة الأولى في طريق لا عودة منه.

بدأ وليد يعتمد على المنشطات في كل امتحان، ومع مرور الوقت، لم يعد يستطيع التركيز بدونها. في البداية، كانت الجرعات قليلة، لكنه سرعان ما بدأ يزيد الجرعة ليحصل على التأثير ذاته. لم يدرك حينها أنه كان يتحول إلى مدمن، كان يعتقد أنها مجرد وسيلة تساعده على تحقيق النجاح.

ولكن مع كل يوم يمر، كان جسده وعقله يتآكلان ببطء

بعد التخرج، لم يعد وليد قادرًا على التوقف، لم يعد يحتاج إلى المنشطات فقط للدراسة، بل أصبح يأخذها حتى في الأيام العادية، ليشعر بالنشاط والسعادة المزيفة التي تمنحها له. ومع مرور الوقت، لم تعد المنشطات تكفي، بدأ في تجربة أنواع أقوى من المخدرات، حتى دخل في دوامة الإدمان الحقيقي.

لم يعد الشاب الطموح الذي عرفته عائلته وأصدقاؤه، بل أصبح شخصًا آخر، غريبًا حتى عن نفسه. كان يتحدث بكلام غير مفهوم، يشك في كل من حوله، وأحيانًا ينفجر غضبًا دون سبب. بدأ ينعزل، توقف عن العمل، وأصبحت حالته تزداد سوءًا.

حتى جاء ذلك اليوم المشؤوم.

في أحد الأيام، وجدته عائلته جالسًا في زاوية الغرفة، يُحدّق في الفراغ بعينين زائغتين، يهمس بكلمات غير مفهومة، وعندما اقتربوا منه، بدأ يصرخ بجنون: “لا تقتربوا! أنتم تحاولون قتلي!”

تم نقله إلى المستشفى، وبعد الفحوصات، أخبرهم الأطباء بالحقيقة المؤلمة: “المخدرات دمرت خلايا دماغه، حالته مستعصية، وربما لن يعود كما كان أبدًا.”

اليوم، وليد ليس سوى ظلٍّ لما كان عليه، يعيش في مركز لعلاج الإدمان، لكنه لم يعد يدرك أين هو أو حتى من يكون. يقضي يومه يتحدث مع نفسه، يضحك فجأة ثم يبكي دون سبب، عقله لم يعد كما كان، أحلامه تحطمت، وحياته توقفت عند اللحظة التي قرر فيها تناول أول حبة منشط.

مجرد حبة واحدة قد تكون بداية لنهاية مؤلمة.”

جريمة في شتاء 2018: عندما يتحول الإدمان إلى وحش قاتل.

في شتاء عام 2018، استفاقت مدينة سبها على حادثة مفجعة هزّت قلوب سكانها، حادثة لم تكن مجرد جريمة قتل، بل كارثة اجتماعية تكشف الوجه القبيح للإدمان.

في أحد الأحياء الهادئة، لاحظ الجيران غياب السيدة “فاطمة” (اسم مستعار)، امرأة كانت معروفة بين سكان الحي بطيبتها وحرصها على ابنها الوحيد، رغم مشاكله المتزايدة مع الإدمان. مرت الأيام دون أن يظهر لها أثر، حتى بدأت رائحة غريبة تنبعث من منزلها، مما أثار شكوك السكان.

بعد بلاغات عدة، وصلت الشرطة إلى المنزل وبدأت البحث. المفاجأة الصادمة كانت عندما عُثر على جثة فاطمة مدفونة بالقرب من خزان المياه في فناء منزلها. لم تكن الجريمة مجرد دفن، بل أظهرت التحقيقات أن الجثة تعرضت للطعن المتكرر بسكين حاد قبل دفنها في محاولة لإخفاء معالم الجريمة.

عندما نُقلت الجثة إلى المستشفى، تبين أن الجريمة لم تكن حادثًا عابرًا، بل كان الجاني هو ابنها الوحيد، الشاب الذي دمره الإدمان حتى جعله وحشًا يقتل أقرب الناس إليه.

 وكشفت التحقيقات أن الشاب طلب من والدته المال لشراء جرعته المعتادة، لكنها رفضت إعطاءه، فاستشاط غضبًا، وفي لحظة جنون، حمل السكين وغرسه في جسد والدته دون رحمة.

لم تكن هذه الجريمة مجرد حادثة عابرة، بل ناقوس خطر يدق في وجه المجتمع، محذرًا من العواقب الوخيمة التي يمكن أن يسببها الإدمان إذا تُرك دون رادع. فكم من أسرة أخرى قد تفقد أحد أفرادها بسبب المخدرات؟

وكم من أمٍ ستدفع حياتها ثمنًا لإدمان ابنها؟

لقد آن الأوان لمواجهة هذا الخطر قبل أن يحصد المزيد من الضحايا.

ضحية الثقة: كيف تحولت “الأدوية” إلى حكم بالسجن؟

في مدينة سبها، لم يكن أيمن (اسما مستعارًا) يتخيل أن خدمة لصديق ستقلب حياته رأسًا على عقب، وتدخله في متاهة الاتهامات، ليجد نفسه خلف القضبان بتهمة الاتجار بالمخدرات.

البداية: عرض لا يُرفض

كان أيمن يعمل في نقل الركاب بين طرابلس وسبها، وفي أحد الأيام، بينما كان عائدًا من طرابلس، تلقى اتصالًا من صديقه يطلب منه خدمة مستعجلة:

أريدك أن تستلم طردًا صغيرًا من طرابلس، إنه أدوية ضرورية، يجب أن تصل بسرعة!”

كان أيمن يعلم أن نقل الأدوية بين المدن يخضع لإجراءات خاصة، ويجب أن يتم عبر طرق رسمية وشحن طبي، لكنه لم يكن يعلم أن هذه الأدوية لم تكن مجرد عقاقير علاجية. عندما تردد، حاول صديقه طمأنته قائلاً: “هذه أدوية طبية مستعجلة، ونحن لا نريد انتظار إجراءات الشحن الطويلة والطائرات المخصصة لنقلها، نحتاجها الآن!”

اللحظة الفاصلة: اعتقال غير متوقع

بحسن نية، وافق أيمن على المهمة، واستلم الطرد دون أن يفتحه، معتقدًا أنه مجرد أدوية عادية.

وبينما كان يغادر طرابلس، استوقفته دورية أمنية للتفتيش. لم يكن يشعر بأي قلق، لكنه تفاجأ عندما فتح رجال الأمن الطرد ليجدوا داخله حبوبًا مخدرة خطيرة، مصنفة ضمن المواد المحظورة.

حاول أيمن تبرير الأمر، أخبر الشرطة أن الطرد ليس له، لكنه كان هو المتهم الوحيد الذي يحمل المخدرات.

وعندما طلب منهم التواصل مع صديقه لتوضيح الحقيقة، كان الصديق قد اختفى تمامًا، وأغلق جميع وسائله للتواصل، تاركًا أيمن يواجه مصيره وحده.

القانون الليبي وعقوبة الاتجار بالمخدرات.

وفقًا للقانون رقم (7) لسنة 1990 بشأن المخدرات والمؤثرات العقلية في ليبيا، فإن الاتجار بالمواد المخدرة، حتى لو لم يكن الشخص على علم بها، يعاقب عليها بالإعدام أو السجن المؤبد، بالإضافة إلى غرامة مالية تتراوح بين عشرة آلاف وخمسين ألف دينار ليبي.

الحكم بالسجن: تجربة لا تُنسى.

حُكم على أيمن بالسجن لأكثر من خمس سنوات بتهمة الاتجار بالمخدرات، رغم أنه لم يكن يعلم بحقيقة الطرد. في السجن، التقى بأشخاص وقعوا في فخ المخدرات، بعضهم مدمنون، والبعض الآخر تجار قضوا أعمارهم خلف القضبان بسببها.

يقول أيمن عن تلك الفترة:”لم أكن تاجر مخدرات، كنت أعتقد أنني أنقل أدوية، لكنني دفعت الثمن مثلهم.

كنت أحسب الدقائق والساعات، أنتظر لحظة الخروج بفارغ الصبر. في السجن، عرفت معنى الحرية، كيف تمر الدقيقة وكأنها عام، وكيف يشعر الإنسان عندما يُحرم من حياته بسبب خطأ واحد.”

درس قاسٍ لن يُنسى.

اليوم، بعد خروجه من السجن، يحذر أيمن الآخرين من الوقوع في نفس الفخ، ويقول بحسرة: “لا تثق بأي شخص يطلب منك حمل شيء لا تعرفه، حتى لو كان أقرب أصدقائك، فقد يكون ثمن هذه الثقة سنوات طويلة خلف القضبان.”

رأي الخبراء: كيف يرتبط الإيدز بالإدمان؟

الدكتورة سعاد سعيد: “ارتفاع غير متوقع في حالات الإيدز بسبب المخدرات“.

تقول الدكتورة سعاد سعيد، المتخصصة في دراسات الأوبئة والأمراض المعدية، والتي كانت أطروحة الدكتوراه الخاصة بها حول حاملي فيروس نقص المناعة المكتسبة (الإيدز): “اطّلعتُ خلال دراستي البحثية على العديد من الحالات داخل المستشفيات، ووجدتُ أن معدلات الإصابة بفيروس نقص المناعة المكتسبة (HIV) مرتفعة بشكل يفوق التوقعات، لا سيما بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

وتابعتُ بدقة البيانات الوبائية المتعلقة بهذه الحالات، ولاحظتُ أن نسبة كبيرة من المصابين تعرضوا للعدوى نتيجة الممارسات المرتبطة بتعاطي المخدرات، خاصةً بين مستخدمي الحقن الوريدية.

وأشارت في حديثها إلى أن هناك فجوة واضحة بين الأرقام المسجلة رسميًا والحالات الفعلية، حيث لا يتم الإبلاغ عن العديد من الإصابات، إما بسبب الوصمة الاجتماعية التي تمنع المرضى من الخضوع للفحوصات الطبية، أو لعدم توفر الوعي الكافي حول أهمية الكشف المبكر.

ونوهت إلى أن هذا النقص في البيانات يؤثر سلبًا على جهود احتواء انتشار الفيروس، مما يجعل الوضع أكثر تعقيدًا مما يظهر في الإحصائيات الرسمية.

وأضافت الدكتورة سعاد أن مواجهة هذه الأزمة الصحية تتطلب استراتيجيات متعددة الجوانب، تتضمن تعزيز حملات التوعية حول مخاطر العدوى وطرق الوقاية منها، إلى جانب تفعيل برامج الحد من المخاطر مثل توفير الإبر المعقمة لمتعاطي المخدرات، وزيادة سهولة الوصول إلى الفحوصات الطبية والعلاجات المضادة للفيروسات القهقرية. وختمت حديثها بالتأكيد على أن التصدي لهذا التحدي لن يكون ممكنًا دون تعاون مؤسسات الدولة والمجتمع المدني في نشر الوعي وتقديم الدعم اللازم للمصابين.”

تصريح الدكتور رجب أبوجناح حول العلاقة بين المخدرات والإيدز وخطورة الوضع في ليبيا.

في حديثه حول الأزمة المتفاقمة التي تعصف بالشباب الليبي، أكد الدكتور رجب محمد أبوجناح، استشاري الصحة النفسية وخبير علاج الإدمان، على أن المخدرات أصبحت البوابة الرئيسية لانتشار فيروس نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) في ليبيا، مشيرًا إلى أن 99% من الجرائم التي يتم ارتكابها تكون تحت تأثير المخدرات، وذلك بناءً على خبرته أثناء عمله مع جهاز البحث الجنائي.

وقال الدكتور أبوجناح خلال إحدى محاضراته التوعوية: “لقد أصبح الإدمان خطرًا يهدد المجتمع بأكمله، فالمخدرات ليست مجرد مواد تسبب الإدمان، بل هي وسيلة مباشرة لتدمير العائلات ونقل الأمراض الخطيرة مثل الإيدز. هناك الكثير من الشباب الذين بدؤوا بتعاطي المخدرات ظنًا منهم أنها مجرد تجربة، ولكنهم انتهوا إلى فقدان حياتهم أو إصابتهم بأمراض قاتلة.”

وأضاف أن أكبر العوامل المساهمة في تفشي الإيدز بين الشباب هي تبادل الحقن الملوثة بين المتعاطين، موضحًا أن هذه الظاهرة أصبحت شائعة جدًا في الأوساط الإدمانية، حيث يقوم بعض المدمنين بتشارك الحقن بسبب عدم قدرتهم على شراء أدوات جديدة في كل مرة يتعاطون فيها المخدرات.

أُسرٌ بأكملها أصيبت بالإيدز بسبب فرد مدمن

وكشف الدكتور أبوجناح عن قصص مأساوية لأسر بأكملها أصيبت بالإيدز بسبب فرد واحد داخل العائلة يتعاطى المخدرات.

وقال “أذكر حالة جاءتني لعائلة مكونة من أربعة أفراد، جميعهم مصابون بفيروس الإيدز. كان السبب أن أحد أفراد العائلة كان يتعاطى المخدرات عن طريق الحقن، ونقل إليهم المرض دون علمهم. لم يكن لديهم أدنى فكرة عن خطورة الوضع حتى بدؤوا يعانون من الأعراض وأجروا الفحوصات الطبية.”

وأشار إلى أن هذه ليست حالة استثنائية، بل تكررت مع عدة أسر ليبية، حيث يتسبب الإدمان في نقل الفيروس داخل المنزل نفسه، إما عن طريق العلاقات الزوجية أو مشاركة الأدوات الشخصية مثل شفرات الحلاقة وأدوات الجروح.

وتابع “استقبلت أيضًا حالة أخرى لزوج وزوجة اكتشفا إصابتهما بالإيدز بعدما بدأ الزوج في تعاطي المخدرات داخل السجن. عند خروجه، نقل العدوى إلى زوجته، ثم تبين لاحقًا أن المرض انتقل إلى أحد أطفالهما.”

المدمنون يتعرضون للاستغلال الجنسي مما يزيد من خطر الإصابة بالإيدز.

وأشار الدكتور أبوجناح إلى جانب خطير آخر، وهو أن العديد من المدمنين يصبحون عرضة للاستغلال الجنسي من قبل تجار المخدرات والعصابات الإجرامية، مما يزيد من فرص انتشار الأمراض المنقولة جنسيًا، وعلى رأسها فيروس نقص المناعة المكتسبة (الإيدز).

وأضاف: “لقد رأيت حالات لمدمنين اضطروا إلى بيع أجسادهم مقابل جرعة مخدر، وهذا أمر في غاية الخطورة لأنه يفتح الباب لانتشار الفيروس بسرعة بين المتعاطين.”

حملة توعوية مستمرة في مراكز التأهيل والسجون.

وأكد الدكتور أبوجناح أنه يسعى حاليًا إلى تقديم محاضرات توعوية في مراكز إعادة التأهيل والمستشفيات، محاولًا رفع مستوى الوعي حول مخاطر المخدرات وأثرها على الصحة النفسية والجسدية. كما يعمل على تقديم برامج علاجية للمساعدة في إعادة تأهيل المدمنين، لكنه أكد أن الأمر يحتاج إلى دعم حكومي أكبر، وتخصيص ميزانية لإنشاء المزيد من مراكز العلاج المجانية، حيث أن أغلب المدمنين لا يستطيعون تحمل تكاليف العلاج.

ووجه نداءً إلى المجتمع قائلاً: “على العائلات الليبية أن تكون أكثر وعيًا بهذه المشكلة، وألا تتردد في طلب المساعدة إذا لاحظت علامات الإدمان على أحد أفرادها. التأخير في التدخل يمكن أن يؤدي إلى كوارث لا يمكن إصلاحها.”

وختم تصريحه بتحذير شديد اللهجة:

إذا لم يتم التحرك سريعًا، فسنجد أنفسنا أمام جيل ضائع بالكامل، حيث سيصبح المخدر والإيدز واقعًا يوميًا في كل بيت ليبي.”

دور الحكومة الليبية ووزارة الصحة ومركز مكافحة الأمراض في مواجهة الأزمة.

تصريح وزارة الصحة الليبية حول جهود مكافحة الإيدز والإدمان.

في إطار تحقيقنا حول انتشار فيروس نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) وتأثير تعاطي المخدرات في ليبيا، صرّح مسؤول في وزارة الصحة الليبية قائلًا:

تواصل الوزارة، بالتعاون مع المركز الوطني لمكافحة الأمراض، جهودها لمواجهة هذه الأزمة من خلال حملات توعية وطنية، بالإضافة إلى التوسع في مراكز الفحص والعلاج لمرضى الإيدز والمدمنين. في الأول من أغسطس 2023، تم اعتماد الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الإيدز، بالشراكة مع برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بفيروس نقص المناعة المكتسبة، والتي تشمل رؤية وأهدافًا واضحة، إضافة إلى خطة تشغيلية للحد من انتشار المرض وتعزيز الوعي المجتمعي حوله.”

وتابع المصدر: “كما أطلقنا في 9 فبراير 2025، بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية، برنامجًا توعويًا يهدف إلى تعزيز المعرفة بمرض الإيدز وطرق الوقاية منه. ويأتي هذا البرنامج كجزء من سلسلة أنشطة وطنية تهدف إلى نشر الوعي في مختلف المدن الليبية.”

وأشار إلى أن الوزارة تواجه تحديات كبيرة، أبرزها نقص التمويل والاضطرابات الأمنية، مما يؤثر على استمرارية البرامج والمبادرات المطروحة، مؤكدًا: “نحن بحاجة إلى دعم محلي ودولي أكبر لضمان استمرارية هذه الجهود، وتوفير بيئة آمنة وموارد كافية لمكافحة انتشار المرض والتعامل مع قضايا الإدمان بفعالية.”

المصدر: وزارة الصحة الليبية – المركز الوطني لمكافحة الأمراض.

الإحصائيات الرسمية حول تعاطي المخدرات ومرض الإيدز في ليبيا.

في سياق تحقيقنا حول انتشار تعاطي المخدرات ومرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) في ليبيا، كشفت البيانات والإحصائيات الرسمية عن أرقام مقلقة، تؤكد الحاجة الملحّة لتعزيز جهود التوعية والعلاج.

تعاطي المخدرات:

صرّح محمد الفيتوري، مدير مكتب الإعلام والتوعية والتثقيف بجهاز مكافحة المخدرات، بأن “الكميات المضبوطة من المخدرات لا تتعدى 10% من الحجم الفعلي في السوق، مما يشير إلى أن تجارة المخدرات في ليبيا قد تصل قيمتها إلى عشرات المليارات من الدينارات.” كما أظهرت تقارير ميدانية أن ليبيا تسجل واحدة من أعلى نسب الإدمان بين الطلاب على مستوى المنطقة، مما يعكس انتشارًا واسعًا لهذه الظاهرة بين الشباب.

مرض الإيدز:

بحسب تقرير إدارة مكافحة الإيدز في ليبيا، بلغ إجمالي عدد المصابين بفيروس نقص المناعة المكتسبة حوالي 6933 مصابًا حتى عام 2021. وأوضح المركز الوطني لمكافحة الأمراض في تقريره الصادر في أبريل 2021 أن المصابين يتوزعون كما يلي:

5000 مصاب من الذكور فوق سن 15 عامًا.

2900 مصابة من النساء فوق سن 15 عامًا.

100 حالة إصابة بين الأطفال دون سن 14 عامًا.

وعن تلقي العلاج، كشف تقرير المركز الوطني لمكافحة الأمراض لعام 2022 أن عدد الحالات النشطة التي تتردد على المركز لتلقي العلاج بلغ 3504 حالات، منها 3308 حالات تخضع للعلاج الدوائي.

تحديات وإجراءات.

رغم الجهود المبذولة من قبل وزارة الصحة الليبية والمركز الوطني لمكافحة الأمراض، لا تزال هناك تحديات كبيرة تعيق مكافحة انتشار الإيدز وتعاطي المخدرات، أبرزها نقص التمويل، الاضطرابات الأمنية، وغياب الاستراتيجيات الفعالة في بعض المناطق.

وأكدت التقارير على الحاجة إلى تعزيز الدعم المحلي والدولي، وتوفير مزيد من الموارد لمراكز العلاج، إلى جانب تكثيف حملات التوعية، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للإصابة.

القوانين الليبية والعقوبات المفروضة على مروّجي المخدرات والمتسترين عليهم.

في إطار التحقيق حول انتشار المخدرات وتأثيرها في ليبيا، يُعدّ القانون الليبي صارمًا في مواجهة هذه الظاهرة، حيث ينص القانون رقم (7) لسنة 1990 بشأن المخدرات والمؤثرات العقلية على عقوبات رادعة لمكافحة الترويج والتستر على تجار المخدرات.

ووفقًا لما جاء في القانون، فإن العقوبات تشمل: الإعدام أو السجن المؤبد لكل من قام بتصدير، جلب، إنتاج، استخراج، فصل، تصنيع، أو ترويج المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية بقصد الاتجار، وذلك في غير الأحوال المرخص بها قانونًا.

السجن المؤبد أو السجن لمدة لا تقل عن 10 سنوات لكل من حاز، أحرز، اشترى، باع، سلّم، نقل، قدّم للتعاطي، أو اتجر بأي صورة في المواد المخدرة بقصد الاتجار، وذلك في غير الأحوال المصرح بها قانونًا.

السجن لمدة لا تقل عن 5 سنوات ولا تزيد عن 10 سنوات لكل من قدّم للتعاطي بغير مقابل مواد مخدرة أو سهّل تعاطيها في غير الأحوال المصرح بها قانونًا.

الحبس لمدة لا تقل عن 6 أشهر لكل من ضُبط في مكان مُعد أو مُهيأ لتعاطي المخدرات وكان يجري فيه تعاطيها مع علمه بذلك.

ويؤكد القانون أن التستر على مروّجي المخدرات أو تسهيل أنشطتهم يُعدّ جريمة يعاقب عليها بشدة، مما يعكس مدى خطورة هذه القضايا في نظر المشرّع الليبي، وضرورة مكافحتها للحدّ من تفشي الإدمان وتأثيره على المجتمع.

المصدر: قانون رقم (7) لسنة 1990 بشأن المخدرات والمؤثرات العقلية.

بهذه العقوبات، تسعى الدولة الليبية إلى الحدّ من انتشار المخدرات وحماية المجتمع من آثارها المدمرة، إلا أن التطبيق الفعلي لهذه القوانين يواجه تحديات مرتبطة بالأوضاع الأمنية وضعف الرقابة في بعض المناطق.

هذه ليست مجرد قضية صحفية، إنها كارثة حقيقية تهدد مستقبل ليبيا.

إن تفشي ظاهرة تعاطي المخدرات وانتشار فيروس نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) لهما تأثيرات اجتماعية وصحية واقتصادية مدمرة، وقد يساهمان في تعميق الأزمات التي تمر بها البلاد. لا يمكننا تجاهل هذه الحقيقة المُرة التي تهدد حياة شبابنا وأطفالنا، وتخلف وراءها جيلًا محطّمًا.

هل سنبقى متفرجين؟ أم سنبدأ المواجهة قبل فوات الأوان؟

إن التصدي لهذه الكوارث يتطلب وقفة جادة من الجميع: الحكومة، المؤسسات الصحية، المجتمع المدني، والشباب أنفسهم. يتطلب الأمر تكاثف الجهود المحلية والدولية، وموارد أكبر، وتنفيذ سياسات فعالة لمكافحة هذه الآفات وحماية المجتمع من تداعياتها المدمرة.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :