بقلم :: عبد الرحمن
انحنى الحاج معتوق على الورقة لينقش اسمه أسفلها، كان يُحكم قبصته على القلم.. عنايته بكتابة اسمه تنبئ عن نرجسية دفينة لا تظهر إلا حين يُمسك بالقلم ليكتب اسمه.. ميم مكتملة الاستدارة، ثم عين مفتوحة، ثم تاء بنقطتين منفصلتين، ثم واو وقاف ..المسافة ما بين الميم والقاف كلفته سنتين في محو الأمية، لكن السنتين منحتاه ثقة تفوق ثقة المتنبي في شوارده .. انتهت مراسم التوقيع وخرج الحاج معتوق حاملاً العقد، هذه الورقة التي يحتويها جيب صدريته تحمل في طياتها بيتاً من طابقين، وحديقة (يلهد فيها الخيل)، و(مربوعة) تتسع لربع القبيلة و قف الحاج معتوق يتأمل الورقة ويُحدِّث نفسه : بعد اليوم.. لا درج يرهقني صعوداً، بعد اليوم.. لن يسمع أحد شخيري، بعد اليوم.. لن تتشاجر بناتي على قنوات التلفاز، بعد اليوم.. لن تسخر زوجتي من شقتي التي تسميها (بالاص).
لم يشعر الحاج معتوق بالمسافة بين محرر العقود وبيته التي قطعها ماشياً؛ لأن أحلامه التي حملها طيلة سنوات عمره جاءت لتحمله.. ولأن آماله التي عايشت شيبات رأسه شيبة شيبة جاءت لتشاركه أطنان الفرحة التي يحملها في قلبه بسبب الورقة التي يحملها في جيب … في البيت.. يُحقق الحاج معتوق أجلَّ وأعظم انتصاراته.. ألقى بالورقة في وجهها: إنه البالاص يا حليمة!
نام الحاج معتوق ..نام نومة لم ينمها منذ خمسين عاماً.. نام كطفل قد جشأته أمه للتو.. في الصباح.. كل شيء تغير .. تغير وجه الحاج معتوق، ووجه حليمة، ووجه المدينة بأكمله.. الطريق إلى البالاص صارت تؤدي إلى مستشفى القلب..
أما محرر العقود فقد تحول بغدرة غادر إلى حلاق.. يحلق الرؤوس.. والذقون!!.
……..
(بالاص)عامية محرفة عن (palace)= قصر