البيضاء الليبية

البيضاء الليبية

عبدالحكيم الطويل

البعض سيظن أنني أتحدث عن الدار البيضاء في المغرب!

والبعض الآخر لن يصدقني حينما أقول: قد تكون رابع أكبر مدينة ليبية وثاني أكبر مدينة في شرق ليبيا بعد مدينة بنغازي

ولأنها تقع فوق جبل فمناخها ساحر!

فهي من المدن الليبية النادرة التي يتساقط عليها الثلج!

وحينما تصل درجة الحرارة عندهم إلى 24 (وهي درجة حرارة الغرفة العادية) يعتبر أهل البيضاء أنه يوم صيفي حار!!

مدينة جميلة حديثة وليست قرية … مليئة بمرافق المدن المعتادة ومنها دور نشر الكتب

بل أنها كانت تُعد لتكون عاصمة ليبيا في أواخر عهد المملكة الليبية وقبل انقلاب معمر، ففي الفترة من 1963 إلى 1969 كانت مقر للبرلمان الليبي وعدد من الوزارات بل ورئاسة الوزراء ذاتها، حتى أن سفارة الولايات المتحدة قد انتقلت إلى هناك!

لكنها مدينة عريقة كذلك في عمق التاريخ قبل كل هذا!

إذ لم تتأسس حديثاً أو في العهد الإيطالي كما يظن البعض بل منذ 414 سنة قبل الميلاد! أيام اليونانيين حينما كانوا في الجبل الأخضر الذي يذكرهم ببيئتهم الأوروبية، حتى أنه يقال إن الجبل الأخضر قطعة من أوروبا نسيت في شمال أفريقيا!

ومن الشخصيات العالمية التاريخية التي ولدت في البيضا سنة 370 ميلادي … أسقف كنيسة طلميثة “سي نيس يوس” السيريني Synésios_de_Cyrène (الصورة المرفقة)

لكن سيرته الوطنية عندي أهم من كل ما اشتهر به!!

فحينما ولد كانت البيضاء وطلميثه وكل الجبل الأخضر مجرد مقاطعة رومانية مثلها مثل كل شمال أفريقيا اشتهرت بإقليم المدن الخمس (بينتابوليس)

أي أنه كان روماني الجنسية بمعايير العصر، لكنه لم يحمل هموم الرومان بقدر ما حمل هموم إقليمه: جبله الأخضر، مما يجعله أكثر من مجرد قسيس روماني تقليدي!

ولو كنا في بلاد تحترم شخصياتها لكان له تمثال في أحد ميادين البيضاء، غير أن الذين مازالت عبادة الأصنام معششة في أدمغتهم يعرقلون نشر هذه الثقافة العالمية

تلقي تعليمه في شحات الأثرية .. ثم انتقل إلي الإسكندرية،

هناك أخذ عن الفيلسوفة “هيباتيا السكندرية” مناهج فلسفة الرياضة، وهي أول امرأة في التاريخ يلمع اسمها كعالمة رياضيات!!

حيث مثلت شخصيتها الممثلة البريطانية رايتشل وايز في فيلم أجورا Agora 2009 (ملصق الفيلم أدناه)

ولهذا صنفوا مواطننا البيضاوي “سي نيس يوس السيريني” فيلسوفاً رياضياً أفلاطونياً تميزت كتاباته في الشعر والنثر واللاهوت بأنها نصوص عميقة من طراز أدبي رفيع من خلال تأملاته الواعية بمحيطه الإنساني والطبيعي،

لكن ما يهمني فيها هو أنها تميزت بما تناوله من هموم وطنه وانشغالاته كإنسان وشاعر وأسقف لأبرشية طلميثة عاصمة الإقليم!

في ال29 من عمره، تحدث في خطبته الشهيرة أمام الإمبراطور أركاديوس عام 399م بحسرة عن أحوال بلاده: الجبل الأخضر، حيث وصف قورينا (شحات الأثرية) بالفقيرة والكئيبة واسعة الخراب! كما قال إنها بحاجة إلى ملك جديد!

وفي رسالته 57 عبَّر عن حجم الظلم السائد فيها، وتدهور قيمة العدل فيها حيث تحولت دار القضاء إلى ساحة للإعدامات! (ما أشبه البارحة باليوم يا سينيسيوس!)

المدهش هو أن دراسة حديثة صدرت في 1987 وأعادت قراءة نصوصه فسَّرت حالة الاكتئاب واليأس التي وصل لها بأنها دلالة أخرى على حجم الاضمحلال الثقافي والحضاري الذي رصده سينيوس من حوله بألم شديد!

وقال السير ريتشارد جود تشايلد: إن نصوصه تكشف عن شخصية رجل ذي مبادئ أخلاقية عالية، وصاحب روح وطنية صادقة، ومما حبَّبه إلى القراء أيضاً ولعه بالريف والطبيعة ونفوره وسخريته من قادة الحكومة والعسكر الجبناء والبلداء!!

ما أشبه الأمس باليوم!

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :