بقلم :: محمد الانصاري
لا .أسقط على بريطانيا العظمى و الولايات المتحدة الأمريكية “الخطأ ” ولا أمنحها صفة الهية التي تعودت المجتمعات المنهارة منحها لمستغليها لتبرير الفشل ، ولكن وفق لمجريات الاحداث السابقة اعتقد أن ما ذكرته الصحف و البرلمان البريطاني وتصريحات بارك اوباما عن (اخطاءهم ) تنفع للاستهلاك المحلي فقطاو اعادة تدوير الكذبة من جديد
فما الذى تغنيه تلك التصريحات المستفزة التي يستحق مرددوها صفعة تذكرة بنعول” المشردين ” مثل التي نالها جورج بوش بنعل الصحفي العراقي منتصر الزيدي .
فلقد كانت هنالك تحذيرات عديدة لقادة ومحامون وبرلمانيين من مغبة تدخل عسكري في ليبيا كان اولها احد الجنرالات فقد كتب الجنرال الامريكي و أحد قادة الحرب في كوسوفو “ويسلى كلارك مقالة في واشنطن بوست “احد المنابر الاعلامية للمحافظين الجدد ” في 11 من مارس ” مهما بلغ حجم الجهود والموارد التي سنكرسها لفرض منطقة حظر جوي ستكون قليلة ومتأخرة جداً وسنلزم جيشنا مرة اخرى فرض تغيير النظام في ارض مسلمة على من اننا نتحاشى قول ذلك صراحة دعونا نعترف بأن المتطلبات الاساسية لتدخل الناجح غير متوافرة وفي بساطة اقله حتى الان ليس لدينا هدف واضح ، او سلطة قانونية ، اضافة الي ان الوضع في ليبيا السياسي لا ينذر بنتائج جلية ”
لاباس فلربما كان ذلك التصريح الجريء والعملي لا يمثل القيم الغربية التي تتعهد بنشر الديمقراطية ولكن تلك القيم لم تجد مدافعين عنها حقاُ عندما تعلق الامر بدولة عضوة بمجلس التعاون الخليجي “البحرين” ، وكان الدول التي تحاول نشر الديمقراطية اصابها الصمم . انتهى ربيع البحرين بدخول قوات درع الخليج فقتلت نفس نداءات الشباب الليبيين في الميادين ” في الحقيقة لست متعاطفاً مع تلك النداءات ذات الطابع المذهبي ولا أيدها ولكن فقط اوضح تلك صورة المتناقضة لتلك الدول ، فالقيم هنا لم تعد ذات معنى حينما تعلق الامر بالمصالح .
في الوقت الذى يعد فيه المجتمع الدولي هجوماً عسكرياً على ليبيا ” لمناصرة تلك القيم .
في الحالة المصرية كان الامر مختلفاً فمصر مبارك دولة محورية وداعمة للسلام حسب النظرة الغربية وداعمة لفصل الدولتين (اسرائيل وفلسطين) طيلة حكم مبارك .
حيث ساد التحفظ على الموقف الغربي والامريكي بذات فالأمر يتعلق بمصير كام ديفيد ، وخطوط الغاز ، وامن العزيزة اسرائيل التي بدأت بالتغلغل والتأثير في القرار الامريكي بعد مقتل الرئيس الاميركي جون كيندي اثر اعلانه تفتيش مفاعل ديمونة النووي الإسرائيلي في ظروف غامضة .
يقول نائب الرئيس الأمريكي ” قد تصطلح الامور بعد خمسة وعشرين عاماً ولكن حتى ذلك الوقت ستكون المرحلة قاسية على الشعب المصري والمنطقة وعلينا” وهنا يتحدث النائب عن خوفه الشديد من تطبيق النموذج الثيوقراطي في مصر مثل الذى طبق عام .1979 نتيجة لثورة التي أسقطت الشاه وهذا قد لا يضمن استمرار المعاهدات السابقة .
لم تغب النباهة والاستشراف في الحالة المصرية كما غابت عمداً في الحالة الليبية ، فالدول الغربية كانت مدركة تماماً جهل الثوار الغاضبين في ساحات التحرير لمابعد سقوط النظام .
وافتقارهم للقادة ، اذ ان خروج الجموع في الميادين كان بدفع من وسائل التواصل الاجتماعي عكس المجموعات الاسلامية والجيش . فهي الاكثر تنظيماً وتمرساً من تلك الجموع وهى المرشحة للنجاح في الانتخابات .
فحاولت دول مثل أمريكا ايجاد حلول او تسوية للأمر عبر مبعوثيها السريين إلا ان مبارك رفض حتى اعلن نائبه سقوطه .
ونلاحظ هنا مدى قدرة القادة الغربيين على قراءة المشهد بكل سهولة محاولين ايجاد تسوية للازمات التي تناقض المصالح العليا .
اما في الحالة الليبية اتفقت المصالح الاستراتيجية الغربية والقيم “نشر الديمقراطية !! ” اما الدول العربية التي شاركت في التدخل كان دافعها الحقد وكره العقيد القذافي بالدرجة الاولي وهذا مذكرته وزيرة الخارجية الامريكية في مذكراتها ( قالت فيها ان مادفع ملوك العرب هو كره القذافي واقناع شعوب بلدانهم بانهم مع التغيير ، وزادت قائلة كنت اتسأل هل فعلا العرب مستعدين لرؤية طائرات اجنبية تقصف ليبيا – وكانت الاجابة ايجابية الامر الذى اعددته مفاجأة ) لم تتوقع وزيرة الخارجية الامريكية ان كره القذافي قد يدفع جامعة العرب نحو الموافقة على شن تلك الضربات جوية ضد الليبيين .
. ماحدث في ليبيا يشبه تسابق ليس له أي قواعد لا أخلاقية ولا انسانية غير التمكن من بقعة ذات الموارد الهائلة يحكمها عقيد كهل اربعين عاماً بالحديد والنار ، ففرنسا مثلا اول المرحبين بربيع ليبيا دخلت مع الولايات المتحدة في خلاف كان سيؤدي الى فشل التحالف العسكري استمر ايام حول قيادة العمليات العسكرية في ليبيا الى ان تم تسوية الامر عبر اسناد العمليات العسكرية لحلف الناتو “تحت اسم (الحامي الموحد ) .وكذلك الحال مع ايطاليا المستعمر القديم التي امتعضت من تعاظم تدخلات ساركوزي .
أكانت دماء الليبيين فعلاً ذات اهمية لهذه الدرجة . فدماء الليبيين مازالت تراق .
وبرغم من اختلاف اهداف ودوافع الدول الغربية لكنها اتفقت على ازاحة العقيد وبحسب تجارب سابقة فأن تلك الدول من بينها بريطانيا الذي قال وزير خارجيتها ويلم هيغ ” ان العمل العسكري في ليبيا امراً ضرورياً ” رات ان العقوبات الدولية لن تخلصهم من العقيد القذافي ،مستغلين البيئة التي انشاتها دموية المشهد في المنطقة الشرقية وخطاب الوعيد للقذافي .
فكان لابد من تدخل عسكري يقف زحف القذافي نحو بنغازي فدماء ابناء بنغازي كانت من لوجين ودماء الشعوب الاخرى التي سحنت في الساحات خبث!!
لم تجد الدول الغربية جهداً كبيراً في انتزاع قراراً دولياً فتفويض الجامعة العربية الذى اشرف عليه عمر موسى بنفسه ” بشأن انشاء منطقة حضر طيران لدواعي انسانية “جعل دول المناهضة لمشروع القرار في موقف محرج للغاية وبسرعة خاطفة تم الاتفاق الدولي وشنت الهجمات على قوات القذافي ودمرت البنية التحتية للجيش بشكل ممنهج وللأسف الشديد انتقاد التدخل تعده النخب والشعب المنتفض في ذلك الوقت تأييدا للعقيد القذافي وخيانة لدم الشهداء !!.
ما أريد قوله ان التدخل في ليبيا كان قراراً سياسياً واعياً لم يبنى على تقارير خاطئة فالمجتمع الدولي كان يعي تماماً ان التدخل في إزالة حكم العقيد القذافي بهذا الشكل الممنهج لا يدعم الاستقرار ، اذ انه لا توجد مؤسسة سياسية وعسكرية قادرة على ادارة الامة الليبية خلفاُ للقذافي فطيلة 40 عاماً تدار ليبيا من خلل خيمة وتدها القذافي تنهار بموت العقيد او تجدد بمعرفته ومع ذلك لم تقدم مشروعاً واضح المعالم لليبيا ما بعد القذافي .وقد يتسأل البعض ماالغرض من عدم استقرار دولة مثل ليبيا ؟
وجواب ذلك التساؤل ما لذى يدفع دول كبرى الدخول في تسابق على دولة مثل ليبيا ؟ بينما لم تتسابق في البحرين و مصر مثلا .
والاردن التي سوى ملف ثورتها بعقد صفقة (عراقية – إسرائيلية برعاية امريكية ) .أثبتت تجربة العراق السابقة وهى الحالة المشابهة للحالة الليبية أن الفوضى وعدم الاستقرار قادرة على تحقيق مصالح تلك الدول وشركاتها التي تتحكم في جل قراراتها السياسية قال احد مندوبين المؤتمر الثاني الاعادة اعمار العراق بواشنطن العاصمة ” الوقت الافضل للاستثمار هو حينما يكون دم لا يزال على الأرض ” فالفوضى التي تخلقها نشر الديمقراطية في مجتمعات مطربة تسمح للشركات بالاعتداء على كل مقدرات الدولة بأبخس الأثمان وهذا ما يحدث الان بالتمام والكمال فالعقود التي برمت في ليبيا السنوات الخمس الماضية تكاد تفوق مجموع عدد العقود المبرمة طيلة الأربعين عام الماضية