الجمال بين الصناعة والاستهلاك: هل أصبحت المرأة ضحية لمعايير التجميل؟

الجمال بين الصناعة والاستهلاك: هل أصبحت المرأة ضحية لمعايير التجميل؟

تقرير : منى توكا

  في عالم اليوم، حيث تتحكم الصورة والمظهر في الكثير من جوانب الحياة اليومية، أصبحت المرأة تشكل جزءًا أساسيًا من سوق التجميل الذي لا ينتهي. من العناية بالبشرة إلى العمليات التجميلية الأكثر تعقيدًا، تزايد اهتمام النساء بتحسين مظهرهن استجابة للإعلانات التجارية والمعايير الجمالية التي تروج لها شركات التجميل. لكن مع تزايد شعبية هذه الخدمات وانتشار العيادات والمراكز التجميلية، يظهر تساؤل مهم: هل تمنح هذه الإجراءات المرأة الثقة بالنفس التي تطمح إليها؟ أم أنها تدخلها في دائرة من الاستهلاك المستمر، حيث تتحول معايير الجمال إلى أدوات تسويقية تستخدم لإقناع النساء بالحاجة المستمرة لهذه المنتجات والخدمات؟

بين الحلم والواقع: تجارب نسائية مع التجميل.

تعد تجارب النساء مع عمليات التجميل متنوعة، فبعضهن ينجحن في الحصول على النتائج المرجوة، بينما تجد أخريات أنفسهن في مواقف محبطة بعد خوضهن تجارب تجميلية غير ناجحة. على سبيل المثال، تروي سلمى (24 عامًا)، طالبة جامعية من بنغازي، تجربتها مع تكبير شفتيها بعد إصرار من صديقاتها. رغم تحمسها في البداية، لم تكن النتيجة كما توقعت، وتعرضت لتعليقات سلبية من متابعيها على مواقع التواصل الاجتماعي. تقول سلمى: “بدأت ألاحظ تعليقات سلبية حول شكلي على مواقع التواصل الاجتماعي، مما جعلني أفكر في إجراء تجميلي بسيط. لكن النتيجة لم تكن كما توقعت، إذ أصبحت شفتاي غير متناسقتين، واضطررت لدفع مبالغ إضافية لتصحيح الخطأ.”

وتضيف أنها شعرت بضغط نفسي كبير بعد الإجراء، خاصة مع ملاحظات الآخرين على مظهرها الجديد. “لم يخبرني أحد أنني قد أحتاج إلى جلسات متابعة، أو أن النتيجة قد لا تكون كما أراها في الصور الترويجية للعيادات.”

أما منى سيدي (35 عامًا)، فقد لجأت إلى جلسات تفتيح البشرة بعد أن أغرتها وعود إعلانات مراكز التجميل التي وعدت بنتائج مذهلة. تقول منى: “أقنعوني أنني سأصبح أفتح بثلاث درجات، لكن بعد بضعة أشهر، ظهرت بقع داكنة واضطررت لاستشارة طبيب جلدية لإصلاح الضرر.”

وتؤكد أنها اكتشفت لاحقًا أن المنتجات المستخدمة لم تكن مناسبة لبشرتها، وأنها كانت ضحية دعاية تجارية غير دقيقة.

على النقيض، تتحدث فاطمة كادر (35 عامًا) عن تجربتها الناجحة مع التجميل، حيث أجرت عملية لإزالة ندبة قديمة على وجهها. وتقول: “أجريت عملية لإزالة ندبة قديمة على وجهي، وكانت تجربة ناجحة ساعدتني على استعادة ثقتي بنفسي. أعتقد أن الجمال الحقيقي هو الذي يعزز شعور المرأة بالراحة وليس الذي يفرض عليها تغييرات جذرية.”

وتؤكد على أهمية البحث عن مراكز موثوقة وعدم الانسياق وراء التوصيات العشوائية أو الإعلانات المدفوعة.

أما رانيا أحمد، أستاذة في التعليم الخاص، فقد اختارت نهجًا مختلفًا في العناية ببشرتها. تقول:”العناية بالبشرة تبدأ بأسلوب حياة صحي ومنتجات ذات جودة، وليس بالضرورة عبر الإجراءات التجميلية الكبيرة.”

وتضيف أنها تعتمد على تغذية متوازنة، شرب الماء بانتظام، واستخدام مستحضرات تجميل طبيعية للحفاظ على بشرتها.

شركات التجميل بين المسؤولية والاستغلال.

  أثارت بعض الإعلاميات والمختصين في مجال التجميل قلقًا بشأن الطريقة التي تعمل بها بعض الشركات في هذا المجال، حيث يرون أن الهدف الأساسي لبعض العيادات والمراكز التجميلية هو الربح فقط، دون مراعاة صحة وراحة العميلة.

الإعلامية ريماس القسام ترى أن مراكز التجميل قد تكون مفيدة في بعض الحالات، خاصة إذا كانت الحاجة طبية، لكنها تحذر من الاستغلال التجاري لهذه الخدمات. تقول ريماس: “بعض العيادات تروج لإجراءات غير ضرورية بهدف تحقيق أرباح، مما يضع المرأة في دوامة لا تنتهي من التعديلات التجميلية.”

وتضيف أن بعض المراكز توظف “مؤثرات” على وسائل التواصل الاجتماعي لإقناع النساء بإجراء تغييرات قد لا يكنّ بحاجة إليها.

أما الإعلامية منية بن أحمد، فتؤكد أن شركات التجميل فرضت معايير غير واقعية على النساء، ما جعل الكثيرات يشعرن بعدم الرضا عن مظهرهن الطبيعي. تقول:

التسويق الذكي جعل النساء يعتقدن أن الجمال لا يكتمل دون الفيلر والبوتوكس والإجراءات المكلفة. علينا إعادة التفكير في مفهوم الجمال الحقيقي.”

من جهتها، الإعلامية نجوى الزوي ترى أن المنتجات التجميلية أقل ضررًا من العمليات الجراحية، لكنها جزء من موجة عالمية تكرس مظهرًا نمطيًا للمرأة. تقول: “باتت النساء في الدول المتقدمة يشبهن بعضهن بشكل متزايد بسبب التأثير المتزايد للمعايير الغربية للجمال.”

رأي الخبراء: بين الجمال والصحة النفسية.

فيما يتعلق بتأثير التجميل على الصحة النفسية، يرى بعض الخبراء أن المشكلة ليست في التجميل نفسه، بل في الطريقة التي يُسوَّق بها للنساء. الدكتورة مبروكة الشريف، أخصائية الأمراض الجلدية، تقول: “التجميل قد يكون مفيدًا عندما يُستخدم بعقلانية، لكن الهوس به قد يؤدي إلى مشكلات نفسية مثل انخفاض الثقة بالنفس أو اضطرابات القلق.”

وتضيف أن هناك زيادة ملحوظة في عدد النساء اللاتي يلجأن للعلاج النفسي بعد خوضهن تجارب تجميلية غير ناجحة.

أما الدكتورة حواء أبوعلي، مديرة مركز ريماس للأسنان والجلدية في مرزق، فتؤكد أن التجميل ليس مجرد رفاهية، بل يمكن أن يكون ضروريًا في بعض الحالات لتحسين جودة الحياة والثقة بالنفس. تقول:”هناك فرق كبير بين التجميل العلاجي والتجميل التجميلي البحت. عندما نتحدث عن العناية بالبشرة أو الأسنان، نحن لا نتحدث فقط عن تحسين المظهر، بل عن الصحة أيضاً. الابتسامة الصحية والمشرقة تلعب دورًا مهمًا في تعزيز الثقة بالنفس، كما أن البشرة النضرة تعكس صحة الجسم العامة.”

وتضيف: “علاجات الأسنان التجميلية، مثل تقويم الأسنان أو تبييضها، ليست مجرد كماليات، بل هي أحيانًا حاجة ضرورية. هناك أشخاص يعانون من مشاكل في اصطفاف الأسنان تؤثر على طريقة نطقهم أو حتى قدرتهم على المضغ بشكل صحيح. كذلك، هناك من يعانون من تصبغات في الأسنان تسبب لهم إحراجًا اجتماعيًا. في هذه الحالات، يكون التجميل حلاً فعالاً يساعد الشخص على الشعور براحة أكبر مع نفسه.”

أما بالنسبة للعناية بالبشرة، فتؤكد الدكتورة حواء أن التوازن هو المفتاح: “الجلد هو أكبر عضو في الجسم، ويحتاج إلى رعاية خاصة للحفاظ على صحته ونضارته. لكن المشكلة تكمن عندما يتحول التجميل إلى هوس، بحيث تلجأ المرأة إلى إجراءات غير ضرورية فقط لملاحقة معايير الجمال الحديثة. نحن في مركز ريماس نؤمن بأن التجميل يجب أن يكون وسيلة لتعزيز الجمال الطبيعي وليس لتغييره جذريًا.”

وتحذر من المبالغة في استخدام بعض العلاجات، مثل التقشير الكيميائي المتكرر أو حقن الفيلر بكميات غير مدروسة:”العديد من النساء يعتقدن أنهن بحاجة إلى حُقن مستمرة للحفاظ على مظهر معين، بينما الحقيقة أن بعض العلاجات التجميلية تحتاج إلى فترات راحة حتى لا تتسبب في أضرار طويلة الأمد. كل شيء يجب أن يكون باعتدال وتحت إشراف طبي متخصص.”

الدكتورة وردة الجراح تضيف:

المرأة بفطرتها تحب العناية بنفسها، لكن شركات التجميل تركز على تحويلها إلى مستهلكة رئيسية عبر تغيير معايير الجمال. الهدف الأساسي لهذه الشركات هو تسويق منتجاتها، وليس تمكين المرأة أو تعزيز ثقتها بنفسها.”

أما الأخصائية الاجتماعية ليلى مسعود، فتسلط الضوء على الدور الكبير لوسائل التواصل الاجتماعي في نشر صورة غير واقعية عن الجمال فتقول: “تواجه النساء ضغوطًا هائلة ليبدين بمظهر معين يتماشى مع ما تروج له المنصات الرقمية. هذا يولد شعورًا بالنقص، ويدفع بعضهن إلى اللجوء للتجميل حتى دون حاجة حقيقية“.

وتشير إلى أن هذه الضغوط تؤثر على النساء من مختلف الأعمار، حيث أصبحت الفتيات في سن المراهقة أكثر عرضة للشعور بعدم الرضا عن مظهرهن بسبب المعايير المنتشرة.

هل آن الأوان لإعادة تعريف الجمال؟

بين الرغبة في تعزيز الثقة بالنفس والوقوع في فخ الاستهلاك، تبقى المرأة بين خيارين: الاهتمام بجمالها بطريقة صحية ومتزنة، أو ملاحقة معايير تسويقية لا تنتهي. مع تزايد التوعية حول تأثيرات هذه الصناعة، يبدو أن الاتجاه نحو تقدير الجمال الطبيعي والابتعاد عن الهوس بالمظهر هو الخيار الأكثر استدامة.

لكن يبقى السؤال: هل ستنجح النساء في مقاومة هذه المعايير التجارية؟ أم أن قوة الإعلانات والتأثير الاجتماعي ستظل تدفعهن نحو المزيد من الإنفاق على التجميل؟

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :