(الحرب الدبلوماسية الإيطالية الفرنسية حول ليبيا) قراءة وتقييم موقف حول أزمة ” طرد الجنود الإيطاليين”

(الحرب الدبلوماسية الإيطالية الفرنسية حول ليبيا) قراءة وتقييم موقف حول أزمة ” طرد الجنود الإيطاليين”

بقلم :: حسن منصور 

  تسلسل الأحداث

أعلنت إيطاليا على لسان رئيس وزرائها باولو جنتيلوني نهاية شهر ديسمبر 2017، بأنها ستقدم مقترح إلى البرلمان الإيطالي لنقل عدد من قواتها العسكرية المنتشرة في العراق (1,400 جندي) إلى النيجر لمكافحة تهريب البشر والإرهاب، وذلك إستجابة لطلب الرئيس الفرنسي يمانويل ماكرون.

صوت البرلمان الإيطالي منتصف شهر يناير 2018 بالموافقة على إرسال 470 عسكري إلى النيجر وزيادة عدد قواتها في ليبيا ليصل إلى 400 عنصر (الأمر الذي إحتجت عليه وزارة الخارجية بحكومة الوفاق وقدمت مذكرة لطلب توضيح بالخصوص).

أقرت الحكومة الإيطالية في برنامج إيطاليا للعام 2018، أنه بوصول دفعة الجنود الجديدة سيرتفع عدد القوات الإيطالية التي تعمل على تعزيز بعثة الدعم الإنساني في ليبيا إلى 400 جندي و130 عربة أرضية.

نفى سفير إيطاليا في ليبيا جوزيبي بيروني وجود نية لأي زيادة في عدد القوات الإيطالية في مصراتة في إطار عملية الدعم الصحي والإنساني “أبقراط”، وأكد على أن مهمة إيطاليا تتمثل في تقديم المساعدة الإنسانية ودعم عمليات المساندة الصحية والعلاج والتدريب والاستشارة وتفعيل المؤسسات الليبية وتأهيل قدراتها.

بداية شهر أبريل 2018 تراجعت النيجر عن موافقتها بنشر الجنود الغيطاليين وطلبت بمغادرة أربعين عسكري إيطالي كانوا وصلوا إلى البلاد للتمهيد اللوجستي.

تزامنت خطوة النيجر مع وضع الحكومة التونسية فيتو على مشاركة 60 جندي إيطالي في قوة حلف الناتو المزمع قدومها إلى تونس في إطار مبادرة لحلف شمال الأطلسي لتقديم الدعم التقني والعسكري إلى تونس.

سبق وطلبت فرنسا من الدول الأوروبية والمجتمع الدولي ومن ضمنه إيطاليا بدعم عملية برخان لمكافحة الإرهاب بقيادتها في منطقة الساحل المحاذية للحدود الجنوبية الليبية.

أطلقت فرنسا عملية برخان مطلع شهر أغسطس 2014 بالتنسيق مع خمسة دول في منطقة الساحل هي (بوركينا فاسو، تشاد، مالي، النيجر، موريتانيا)، وتشمل نشر حوالي 4,000 جندي عسكري في هذه الدول:

o    500 جندي في القاعدة الجوة الدائمة في عاصمة النيجر نيامي لغرض المراقة وتعتبر ذات أهمية إستراتيجية لكونها تستضيف طائرات بدون طيار مسئولة عن جمع المعلومات الإستخباراتية في جميع أنحاء منطقة الساحل والصحراء.

o    1,000 جندي في مالي.

o    1,200 جندي في تشاد.

o    بعض القوات الخاصة في بوركينا فاسو.

تعهدت بريطانيا في مارس 2016 بأنها ستقدم الدعم لعملية برخان حيث أعلن وزير دفاعها عن تقديم الدعم الجوي الإستراتيجي للقوات الفرنسية في أفريقيا.

أعلنت السعودية والإمارات عن تقديم دعم مالي لعملية برخان بواقع (100 + 30 مليون دولار على التوالي)، فيما وافق الإتحاد الاوروبي على تخصيص 50 مليون يورو لدعم العملية.

فرنسا نفسها تعهدت بتقديم 8 مليون (معدات)ن والبلدان الخمسة التي تنفذ العلمية على أراضيها وعدت بجمع 10 مليون دولار، وتقدر فرنسا بأنها بحاجة إلى توفير 250 مليون يورو للقوة في المرحلة الاولى وتم 400 مليون أخرى للإستمرار.

الولايات المتحدة وعدت بمساعدات بقيمة 60 مليون دولار.

تحفظت دول أخرى في المنطقة حول المشارة في العملية (السنغال والجزائر).

الخلفية السياسية

بالإضافة إلى العلاقة التاريخية التي تربط إيطاليا بليبيا فإنها تتأثر بشكل رئيسي بموجت الهجرة غير الشرعية التي تصل أراضيها عبر الشواطئ الليبية، حيث تمكن 119,310 مهاجر من الوصل عام 2017، وعلى الرغم من إنخفاض العدد مقارنة بالأعوام الثلاثة الماضية إلا أنه لايزال يشكل هاجس أمني وعبء اقتصادي وضغط سياسي كبير على الحكومة الإيطالية. كما تخشى إيطاليا من المزيد من التدهور الامني في ليبيا وإحتمالية تأثيره على إمدادات الطاقة من ليبيا والتي تشكل حوالي 15 % من إستهلاكها اليومي.

بالنسبة إلى فرنسا فإنها لها أيضاً علاقات تاريخية وثقافية مع دول منطقة الساحل وهي منطقة نفوذ طبيعي لها، كما تسعى إلى حماية مصالحها الاقتصادية المباشرة في منطقة الساحل الغنية بالموارد الطبيعية كونها تزخر بالثروات المعدنية مثل الذهب، اليورانيوم، الفوسفات، إذ تصدر تشاد النفط منذ عام 2003 بما يقارب 200 ألف برميل يومياً، كما أصبحت مالي ثالث منتج أفريقي للذهب بعد جنوب أفريقيا وغانا، وتتميز النيجر بكونها ثالث دولة مصدرة لليورانيوم في العالم بعد استراليا وكندا. وكذلك ترى فرنسا أن إنتشارها العسكري هو الضمان الوحيد لترسيخ مكانتها الدولية كقوى عظمى (ضمن رؤيتها الإستراتيجية لتشكيل قوى أوروبية بالشراكة مع ألمانيا) مما يجعل منها قطب دولي داخل النظام الدولي الجديد (متعدد الأقطاب) بصفتها الدولة الوحيدة العضو في الإتحاد الاوروبي الذي تمتلك قوة نووية عسكرية وعضو دائم في مجلس الأمن الدولي ولديها إنتشار عسكري واسع في أفريقيا وآسيا وأوروبا.

 تداعيات مستقبلية

تبدي الدوائر السياسية الإيطالية إنزعاجها الشديد من تغير موقف حكومات النيجر وتونس من وجود جنودها على أراضيها وترى أن فرنسا تقف وراء هذه التحركت الاخيرة في محاولة منها لمحاصرة المصالح الإيطالية في شمال أفريقيا خاصة في ليبيا، وتستغل فرنسا الفراغ الحالي في السلطة بعد الإنتخابات التي جرت في إيطالي مطلع شهر مارس الماضي ولم يؤدي إلى نجاح أغلبية واضحة.

تسعى شركة توتال الفرنسية إلى منافسة نظيرتها الإيطالية إبني على الإستفادة من حقول النفط والغاز في الجنوب الليبي وكذلك عقود إعادة الإعمار وتسليح الجيش الليبي.

تدعم الدولتين حكومة الوفاق الوطني ولكن لديهما مقاربة مختلفة للخروج من الأزمة السياسية الحالية، مما يضعف من دور الإتحاد الأوروبي ويطيل من عمر الأزمة. ونرى أن تستمر حكومة الوفاق الوطني في علاقتها الجيدة مع الطرفين مع العلم بأن المصالح الليبية على المدى البعيد مرتبطة أكثر بإيطاليا نظراً إلى البعد الجغرافي والتاريخي الذي يربطهما.

 

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :