كتب :: المهدي جاتو
يشطح العقل بعيداً في الخيال ، ليصل إلى مسارب تفضي إلى مساحات تولد الحيرة لتقف النفس جامدة من التعب ، هذه النفس تواقة إلى خوض غمار المجهول دائماً بغية الوصول إلى الحقيقة التي تلبس السراب كلما اقتربنا منها ، أو ترتدي ستار الليل لتتخفى عن أنظارنا في رحلة التيه الأبدية ، وليكتشف العقل سر الحقيقة أبتدع له الطموح ليصل إلى الغاية المرجوة ، لكن الطموح أنطلق بدون حواجز أو تخوم تحد من امتداده لجني ثمار الحقيقة ، فأرهق العقل في مسيرة الأيام التي لا تنتهي إلا لتبدأ من جديد في ركض جنوني يربك قائد المركبة أو سيد القافلة الذي يسير في هذه الحياة دون أن يدري بأن الحقيقية تكمن في نقطة البداية لأن في البداية تكمن النهاية وفي النهاية تكمن الحقيقية ، التي تفر كالغزالة كلما اقتربنا منها ، ولكي نتأمل في الحقيقية ، نحتاج إلى وقفة جادة ونظرة عميقة في الذات التواقة إلى التحرر من وزر الحياة ، عندها سنجد الروح ، المولد الحقيقي لنبض القلوب الذي يهب النفس الحياة والحركة والحيوية من منطلق السكون والصمت اللذان يطبقان على سر الحقيقة .
تلك الروح لو أبحرنا فيها لأمد بغية نيل الحقيقية لوجدنا أنفسنا في نقطة الصفر ، التي تقف ما بين القطب السالب والموجب ، ما بين الضد والضد.
ولسبر أغوار الحقيقية ، علينا كف التفكير في الحقيقة والنظر بإمعان في ذات الحقيقية وذات الحقيقية يكون في الروح كما أسلفنا والروح لا يدرك سرها إلا الذي خلقها لتكون نواة تبعث بالنور للبصيرة فتبصر وتبعث بالحياة في الجسد ليتحرك ، إذن الروح هي سر شقوتنا ، لا لأنها وهبت لنا الحياة ، بل لأنها تخفت فينا ككائن محسوس لا مرئي ، والعين مهما رحلت بعيداً في الأفق أو غارت بعيداً في الخيال سوف لن تدرك السر إلا بالعودة إلى أصل نقطة الانطلاق التي عجزنا عن كشف سرها في جميع الأزمان .