- د :: سالم الهمالي
لازالت والدتي تذكرني بذلك اليوم الذي تأخرت فيه عن موعد الحافلة التي تقلنا الى مدينة سبها، وهي تبعد عن قريتنا بمسافة (٣٠) كيلومتر، صادف ذاك اليوم موعد امتحان، ووجدتني انطح الحائط حنقًا وغضبًا من نفسي التي فضلت النوم على التعليم والدراسة والامتحان. من هول فجاءتها هرولت الى والدي وهي تصيح بصوت عالي: نوض لولدك، بيكسر راسه !!لحقت الامتحان بسيارة والدي، يقودها بسرعة ما ظننت انه فعلها قبل او بعد ذلك اليوم. هذا في سبعينيات القرن الماضي.والثلوج تتهاطل على منطقتنا، ومشهد كثافتها مصحوبا بتحذيرات الحكومة من الاحوال الجوية ونصحهم بعدم الولوج في اي مشاوير غير ضرورية جدا، للحالة السيئة التي عليها الطرق وارتفاع نسبة الانزلاق والحوادث، نمت البارحة وانا اخمن فيما عليّ القيام به وانا على موعد عمليات في المستشفى يبدأ السابعة والنصف صباحًا!الثلوج الكثيفة غطت كل شيء بلونها الابيض، قشعت ظلام الليل ايضا، مما دعاني للاستيقاظ باكرًا قبل الفجر، ارصد من النافدة تلك الطبقات المتراكمة، اخمن في الطريقة التي تمكنني من الذهاب للعمل. جال في خاطري نسبة المخاطرة، وفكرت اتصل بالمستشفى لإلغاء العمليات، لكن تذكرت هرولة أمي، والمرضى الذين انتظروا طويلا هذا اليوم، خصوصا ما عليهم القيام به من عزل قبل العملية واختبارات اضافية؛ هل يُعقل ان يأتوا هم للمستشفى ويغيب الطبيب ؟ … طرحت الفكرة، وتوكلت على الله …ما من سبب يدعون لاقتناء (لبوة)دفع رباعي، سوى يوم كهذا اليوم، خرطت اكوام الثلج عن زجاج السيارة، اكداس اكداس، تجمدت معه اصابعي وتبللت ملابسي، والخوف مما هو قادم في الطريق اكثر وأكبر. تحركت السيارة تهشم الثلج وانا أرتعد من اي انحراف ادمر معه السيارة وما حولها … الحمد لله، وصلت الى حيث يمكنني القيادة للأمام. تدحرجت السيارة وكأنها تسير بالدف، عند المنعطف قرأت كل التسابيح والمعوذتين حتى وصلت الطريق العام … بسرعة السلحفاة، عدد قليل من السيارات يتحرك، الكل متوجس من الكل، وقفت بمسافة قبل اشارة الطريق، فما يضمن ان الكوابح .. بح!بالطبع، الطريق العام يحظى باهتمام خاص ويجد من يضيف اليه الملح ليلا، أما منعطف المستشفى فهذا شأن يخص إدارته، قبله مباشرة قامت السيارة التي امامي بحركة دائرية على حين غرة، ارتجفت منها وارتعدت مفاصلي، فكنت قاب قوسين او ادنى من ان التحم معهم !! … يا ستير يا ستيربأحكام اكملت الطريق، اكاد لا اصدق اني نجوت من الاولى وما نطحت شجر او بشر، في القسم وجدت المريضة الاولى على قائمة العمليات، في الخامسة والثمانين من عمرها المديد جاهزة في الانتظار … خمنت، كيف سيكون الحال لو ركنت الى ذلك الهاجس الذي اوحى لي بعمل (نيصه)هنا المهم، … وانا خارج من المستشفى رأيت رجلا يعمل بجد واجتهاد، يزيح اكداس الثلج المتراكم على الطريق، لتسهيل الامر على المرضى والعاملين، وما ان اقتربت منه حتى وجدت انه (ديفيد مونت) … مدير المستشفى!