تقرير : منى توكا شها
في سوق يسوده القلق والترقب، تتجلى معضلة العملة النقدية كأحد أبرز مظاهر الاضطراب الاقتصادي. ورقة الخمسين دينارا ليبيًا، التي كانت يومًا ما رمزًا للثقة والاستقرار، أصبحت اليوم محورًا للجدل، تتقاذفها أيدي المواطنين بحذر، وتتلقفها أدراج المحلات بتردد. من سبها إلى القطرون إلى طرابلس، ومن الكفرة إلى مرزق و أم الأرانب ، تتشابك الأقدار وتتعدد الروايات حول ورقة نقدية أثارت بلبلة في الشارع الليبي وأصبحت محورًا للتساؤلات حول مستقبل الاقتصاد الوطني.
يقول أحمد رامي من القطرون: “لقد أصبحت فئة الخمسين دينارا مصدر إرباك في أوساط الشعب.
في البداية، كان بعض التجار والمحلات يقبلونها، ولكن بعد ذلك رفضها الأغلبية، وهذا أثر على المواطنين بشكل سلبي كبير، خاصة في وقت عدم توفر السيولة. ولم يسبق لي أن صادفت عملة مزورة في الأسواق الليبية.
وأعتقد أن موضوع سحب عملة الخمسين من السوق له أبعاد سياسية، ويتعلق ببعض التجار الكبار الذين يمتلكون أرصدة كبيرة خارج المصارف، وهي سياسات مصرفية نقدية يتعامل معها التجار الكبار الذين لا توجد عليهم سيطرة من الحكومة أو المصرف“.
ويضيف حامد علي: “قصتي قد تشبه قصص الكثيرين في الوضع الحالي للبلاد. بعد انتظاري للمرتب لأكثر من خمسة أشهر، ذهبت لسحب سقف ألف دينار، وكلها ورق من فئة الخمسين. فرح الصغار بالمرتب، وذهبت بهم إلى السوق. في أول محل قدمت فيه ورقة الخمسين، نظر إلي الموظف بدهشة، وكأنني أعطيه ورقة عادية وليست نقودًا، وقال لي: ‘سامحني يا عمي، لا نتعامل بها’. عندما قلت له إنها من المصرف، أجاب: ‘نعرف، لكننا لا نتعامل بها’. وفي موقف آخر بمصحة، ذهبت إلى الخزينة لدفع قيمة الإيصال، وكنت قلقًا وخائفًا، وكأنني أخرج حشيشًا للموظف وليس ورقة خمسين. وقام الموظف بفرزها، ‘هذه نأخذها وهذه لا’.
وأنا واقف أدعو ألا يتم إحراجي أمام عائلتي وأن يتم قبول الفئة “.
زهرة موسى، أكدت أن إعلان مصرف ليبيا المركزي عن وجود فئة 50 دينارا مزورة في الأسواق أثار بلبلة وتخبّطًا في الشارع الليبي. هذا الإعلان أدى إلى رفض العديد من المحلات والمراكز التجارية قبول هذه الورقة النقدية من المواطنين، مما أثار قلقًا بين الأفراد. المواطنون يحاولون التخلص من هذه الفئة عن طريق استبدالها بفئات أخرى، مثل العشرين أو العشرة دنانير.
مضيفة أن الشارع الليبي يشهد هذه الأيام تداولًا كبيرًا لهذه الفئة من العملات، فالمواطنون يذهبون لشراء قطعة شوكلاتة أو علبة عصير فقط لغرض الصرف أو الاستبدال للتخلص من ورقة الخمسين دينارا.
من جهة أخرى، أوضح حسين كريت من طرابلس أنه سمع شائعة عن إلغاء العملة قبل شهر ونصف تقريبًا من قرار المركزي بسحبها. قرر التخلص من هذه الورقة وتجنب قبولها في المصارف والمحلات. لاحظ أن طباعة الحبر في العملة تثير شكوكًا، حيث ظهرت فجأة وبدأت تتداول بكثرة، خاصة في التحويلات المالية الكبيرة.
تبيّن أنها تستخدم لسحب الدولار من السوق السوداء بكميات كبيرة.
بسبب قلة السيولة وشحها عند حكومة حماد، لم يكن هناك حل سوى استخدام هذه العملة لشراء الدولار والاستفادة منه.
هذا أدى إلى تضخم المعروض النقدي وارتفاع سعر الدولار، مما أثر على التضخم وارتفاع الأسعار.
أفاد علي أحمد ،أحد سكان الكفرة قائلاً: “ليس هناك متجر لا يقبل العملة، لكن المشكلة تكمن في العملات المزورة من فئة الخمسين التي كانت منتشرة بكثرة بين الناس. الآن، اختفت هذه العملات أو لم نعد نستطع التمييز بينها وبين الأصلية.
هذا الموضوع معقد ونحن نعاني من تسليمها للأفراد الذين يرغبون في التقدم للحصول على بطاقة فيزا. وقبل عدة أيام ، واجهت نفس المشكلة بعد سحب الدولارات؛ عندما أردت بيعها، يعطونك سعرًا مرتفعًا لكن في المقابل يعطونك عملات من فئة الخمسين، وإذا أردت فئة أقل، يعطونك سعرًا أقل بكثير. والله، سياسة الإنفاق الموازي هذه ستضر بالعملة كثيرًا، لأن هنا في الشرق، الجيش يطبع العملة بنفسه ويجبر المواطنين على تداولها، حتى تدخل الأمن الداخلي، وبمجرد أن يسمعوا أن هناك تجارًا لا يرغبون في قبولها، يقبضون عليهم.”
وأضاف صالح أبوبكر من أم الأرانب: “أردت شراء سيارة من مواطن، لكن صاحب السيارة رفض الدفع بعملات فئة الخمسين، وهذا من الجوانب السلبية. حتى عندما تريد شراء كمية كبيرة من البضائع، سواء كانت ملابس أو سلعًا غذائية، يرفض أصحاب المحال أو الخدمات ذلك، وإذا أودعتها في المصرف، فلن تكون هناك سيولة لسحبها مجددًا.
العيادات الصحية ترفض الدفع بفئة الخمسين أيضًا، وفي محال المواد الغذائية والخضار، يتم استغلال المواطن عن طريق إجباره على شراء بقيمة 30 دينارا فما فوق، بطريقة غير مباشرة.”
وتشارك الدكتورة حواء محمد، التي تدير عيادة أسنان في مرزق، تجربتها قائلة: “بدأت المشكلة معي منذ ستة أشهر، قبل قرار سحب الفئة، عندما أردت تحويل قيمة مالية من مكتب للتحويلات المالية في مدينة مرزق ورفض المكتب ذلك، متحججًا بأن الفئة التي تحمل توقيع الحكومة الليبية في الشرق لا يتعاملون بها.
ولكن بعد القرار، في العيادة كنا نتعامل بهذه الفئة، لكن المشكلة أن الكثير من المحال في مدينة مرزق لا تقبل الفئة، مما يسبب مشكلة للطاقم الذي يعمل بالعيادة عند تسليمهم مرتباتهم الشهرية من فئة الخمسين.”
تقول فوزية شوها من مرزق إنها واجهت صعوبات عندما حاولت دفع ثمن ملابس اشترتها بورقة نقدية من فئة الخمسين، حيث رفضت المندوبة استلام المبلغ.
وأضافت أن هناك العديد من المحال التجارية في مرزق ترفض التعامل بهذه الفئة، مما يسبب مشاكل للمواطنين، وللأسف، فإن ثقافة الشكوى للجهات الأمنية غير موجودة، مما يشجع التجار على هذا السلوك.
وترى أن سحب الخمسين دينارا من التداول أشاع ذعرا بين المواطنين معتبرة أن الإجراءات المتسرعة التي اتخذها المركزي تزيد من عدم الثقة في الجهاز المصرفي وتوضح أنه من الأولى كان استبدال عملة بعملة أخرى عبر المصارف التجارية دون اضطراب في الأسواق وتتساءل عن مصير الأموال المودعة بالمصارف من فئة الخمسين دينارا .
من جانبه، يذكر عبدالله بن يوسف أنه لم يواجه رفضًا من الأسواق لقبول عملة الخمسين دينارا، لكنه سمع أن بعض أصدقائه واجهوا هذا الرفض. ويقول إن الأمن الداخلي تعامل مع المخالفين وتم حل المشكلة. ويضيف أنه لم يصادف عملة مزورة من فئة الخمسين، لكنه يعتقد أنه قد يكون تلقى واحدة دون أن يدرك ذلك.
ويروي موظف في المصرف التجاري أن زبونًا حاول إيداع مبلغ قدره 1000 دينار من العملة المزورة، وعند اكتشاف الأمر، غادر الزبون المصرف تاركًا المبلغ المزور. ويعتقد الموظف أن الزبون كان يحاول اختبار قدرة المصرف على كشف التزوير.
أما فتحي عبدالحفيظ من سبها، فيقول إنه واجه مشكلة عندما رفض محل لبيع الدخان استلام عملة الخمسين. ويقول إنه هدد بالاتصال بالأمن الداخلي، مما دفع البائع لقبول العملة. ويعتقد فتحي أن الدولة تسعى للتخلص من ثقافة التعامل النقدي وتشجيع استخدام البطاقات والتطبيقات.
ويقول محمد موسى، بائع، إنهم كانوا لا يقبلون عملة الخمسين دينار حتى بداية أبريل، لكن مالك المحل سمح لهم بقبولها مؤخرًا.
وأخيرًا، يذكر محمد سليمان، موظف مكتب حوالات مالية من القطرون، أنه واجه مشكلة مع 600 دينار مزورة وصلت إلى مكتبه، لكنه تعامل مع المشكلة. ويرى أن القرار الأخير أحدث بلبلة في التعامل مع هذه العملة.
وكان قد أعلن المصرف المركزي عن سحب الإصدارين الأول والثاني من ورقة الخمسين دينارا من التداول ابتداء من يوم الأحد 21 أبريل حتى نهاية شهر أغسطس، يشمل فئتي العملة المطبوعة في بريطانيا وفي روسيا.
ويفترض أن يصل الرقم إلى المعدلات الطبيعية ولا تتعدى العملة لدى الجمهور في أحسن الأحوال سبعة مليارات دينار.
يشار إلى أن الحكومة المكلفة من البرلمان، كانت رفضت سحب العملة المتداولة من فئة 50 دينارا، مبرّرة قرارها بأنّ سحب العملات لا بدّ أن يسبقه تنبيه وفترة زمنية لا تقل عن 6 أشهر وهو ما لم يحصل.
وأشارت إلى أن إعلان المصرف المركزي عن وجود عملة مزيفة متداولة في السوق من فئة 50 دينارا، أحدث بلبلة وتخبّطا بين الناس، موضحة أن بعض المحلاّت والمراكز التجارية قامت برفض قبول هذه الورقة النقدية من المواطنين.
واعتبرت أنّ هذا الأمر يجرمه القانون ويؤثر على الاقتصاد الوطني وفي التعامل التجاري بين الناس.
كما أكدت أن جميع فئات العملة الليبية قابلة للتداول بشكل طبيعي سواء بين الأفراد أو المؤسسات المصرفية أو الجهات العامة.
كما أكدت أن جميع فئات العملة الليبية قابلة للتداول بشكل طبيعي سواء بين الأفراد أو المؤسسات المصرفية أو الجهات العامة.
وطلب محافظ المصرف المركزي الصديق الكبير، من البرلمان، منحه الموافقة على قرار سحب فئة 50 دينارا من التداول، لافتا إلى أنّه سيتم قبول وإيداع هذه الفئة وفقا للضوابط والإجراءات المتعلقة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وسيتم الإعلان عن ضوابط آلية السحب لاحقا.
أما بخصوص الورقة المزورة
أكد مصرف ليبيا المركزي في توضيح مرئي سابق عن وجود عملة مزورة من فئة الـ ( 50) متداولة في السوق الليبي.
وكشف المصرف في الفيديو أن هناك أربع نسخ من فئة الـ ( 50 ) دينارا متداولة حاليا في السوق منها اثنان مزورة ، مبينا الفارق بين النسخ المزورة والصحيحة.
وأوضح المصرف، الجوانب الفنية الدقيقة التي بمكن من خلالها التمييز بين العملة المزيفة والحقيقية منها عبر العين المجردة ، مشيرا إلى أن النسخة الأولى، وعليها توقيع محافظ مصرف ليبيا المركزي، الصديق عمر الكبير، وبالإمكان تمييزها بوجود الشكل الملون، وانعكاسه الواضح عند تعريض العملة للضوء.
ولفت البيان إلى أنه يمكن ملاحظة الأرقام التسلسلية العمودية والأفقية التي تتخذ شكلا تصاعديا في الحجم بالنسخة الأصلية، كما يمكن التمييز فيما بينها بمقارنة ملمسها، حيث تجد أن العملة المعتمدة أكثر مرونة من العملة المزورة .
وأكد عميد كلية الاقتصاد بجامعة طرابلس سابقا أحمد أبولسين في تصريح صحفي أن سحب العملة من التداول لا يعني إلغاءها، مطالبا «بضرورة وضع آليات مصاحبة من أجل تخفيض عرض النقود في الاقتصاد وقال التزوير في العملة في نطاق ضيق ومحدود».
ويشرح أبولسين قائلا إن «الطريقة المثلى هي زيادة تفعيل البطاقات الإلكترونية بخصوص شراء السلع والخدمات فضلا عن وضع ضوابط لاستخدامات النقد الأجنبي».
وإذ يشير إلى أن «الأزمة في عرض النقود مستمرة في حالة استبدال عملة فئة الخمسين بعملة أخرى» فإنه يدعو إلى «ضرورة تخفيض عرض النقود إلى المستويات الطبيعية».