الرمزية في الرثاء: بين دموع الحزن ونور الخلود”

الرمزية في الرثاء: بين دموع الحزن ونور الخلود”

 الأديب  الحاج بن حضرية

بَكَتْ سماواتُ حزني وانطوى زَمَني ** ومزّقَ الدمعُ قلبِي واعتلى شَجَني

سعدٌ، أيا طيّبَ الأرواحِ، مُلْتَجَأً ** قد كنتَ نورَ الدّنا، والود في السكنِ

ما زالَ دفؤُكَ في الأرواحِ يسكنُها ** لكنْ سكنتَ ثرى الآهاتِ والوَسَنِ

خلودُ، يا زهرةً قد كانَ والدُها ** شمْسَ الحياةِ، وركنَ الأمنِ والوَطَنِ

نامتْ مآقيكَ في دمعٍ يُغالبُها ** شوقٌ يُناديهِ في الأسحارِ لم يَهنِ

وشريفةٌ تزرعُ الذكرى مؤرّقةً ** كأنَّ سعدًا نداءٌ في صدى الزّمَنِ

لكنَّ في الخلدِ سعدًا لم تَزلْ يدُهُ ** تُهديكَمو دعما في الأزمات والمِحَنِ

فارفعْنَ بالدّعْوَةِ الغرّاءِ منزلَهُ ** فالدّعْوَةُ الغُرُّ تُجْلي ظلمةَ الكَفَن

هذه القصيدة تحمل طابعًا رثائيًا حزينًا، إذ تعبر الشاعرة عن فقدان شخص عزيز يُدعى “سعد”، وتستحضر ذكراه بإحساس عميق من الألم والأسى، لكنها في الوقت ذاته تستند إلى الأمل والخلود الروحي للفقيد من خلال الدعاء له.

تحليل أدبي للقصيدة:

1الغرض الشعري:

الرثاء: وهو الغرض الرئيس، حيث يظهر الحزن العميق على رحيل الفقيد.

التأمل والتصبر: إلى جانب الحزن، هناك نزعة نحو التأمل في الخلود، واللجوء إلى الدعاء كوسيلة للتخفيف من وطأة الفقد.

2الصور البلاغية والأساليب الفنية:

ا – الاستعارة:

– “بَكَتْ سماواتُ حزني وانطوى زمني

تشخيص للسماء وكأنها تبكي، وهي استعارة تعبر عن الحزن العميق.

” – مزّقَ الدمعُ قلبِي واعتلى شَجَني

تصوير مؤلم للحزن وكأنه كائن يمزّق القلب.

” – خلودُ، يا زهرةً قد كان والدُها شمسَ الحياةِ

تشبيه جميل، حيث يصور الابنة (خلود) كالزهرة، ويشبه والدها بالشمس التي تمنح الحياة.

ب – التكرار والتوكيد:

تكرار اسم “سعد” أكثر من مرة يزيد من تأثير الحزن والفقد.

تكرار مفردات الحزن: (الدمع، الشجن، سكنتَ ثرى الآهات، نامت مآقيك في دمعٍ، ظلمة الكفن) يعزز الجو الكئيب للقصيدة.

ج – الجناس والموسيقى الداخلية:

” – فارفعْنَ بالدّعْوَةِ الغرّاءِ منزلَهُ <><> فالدّعْوَةُ الغُرُّ تُجْلي ظلمةَ الكَفَنِ

الجناس بين “الدعوة الغرّاء” و”الدعوة الغر” يخلق إيقاعًا موسيقيًا مؤثرًا، يربط بين المعنى الروحي والموسيقى الشعرية.

3البنية الشعورية:

التدرج من الحزن إلى الأمل:

في البداية: تنطلق القصيدة من ذروة الحزن والبكاء (بكت سماوات حزني، الدمع مزّق قلبي).

بعد ذلك: تستحضر الذكرى والخلود (ما زال دفؤك في الأرواح يسكنها).

في الختام: يُختتم بالدعاء والرجاء (فارفعن بالدعوة الغراء منزلَهُ).

4الأثر العاطفي:

القصيدة مفعمة بالعاطفة الحزينة والحنين، لكنها في النهاية تُبثّ الأمل في الرحمة الإلهية والخلود، مما يخفف من ألم الفقد.

5 الرمزية

القصيدة ليست مجرد رثاء مباشر، بل تستخدم الرمزية بمهارة لتصوير الفقد بطريقة أعمق، مما يمنحها طابعًا تأمليًا يتجاوز المعنى الظاهري للكلمات. ولقد لعبت الرمزية دورًا مهمًا في تعميق المعاني، ونقل المشاعر بأسلوب غير مباشر، مما يتيح للمتلقي التأمل في المعاني المخفية وراء الكلمات.

أولا: بعض الرموز البارزة في النص:

1السماء والدموع:

• “بَكَتْ سماواتُ حزني وانطوى زَمَني

السماء هنا ترمز إلى الشعور العميق بالحزن والفقد ، وكأن الكون كله يبكي مع الشاعرة.

الدموع ليست مجرد تعبير عن البكاء، بل هي رمز للحزن المطلق الذي يغمر الروح.

2النور والظلام:

• ” قد كنتَ نورَ الدّنا، والود في السكنِ

النور يرمز إلى الفقيد سعد، الذي كان يمثل الأمل والحياة.

مقابلة النور مع الظلام لاحقًا في القصيدة يعكس التحول من الحياة إلى الموت.

• ” فالدّعْوَةُ الغُرُّ تُجْلي ظلمةَ الكَفَنِ

الكفن يرمز إلى **الموت والفناء,

الدعاء الغرّ (الصادق) يرمز إلى الرجاء والخلود الروحي للفقيد، مما يعكس الإيمان بقدرة الدعاء على منح الطمأنينة.

3الزهرة والشمس:

• “خلودُ، يا زهرةً قد كانَ والدُها شمسَ الحياةِ

هنا “خلود” (اسم الابنة) ترمز إلى استمرارية الحياة بعد الفقد.

الزهرة ترمز إلى البراءة والنقاء، لكنها تحتاج إلى الشمس لتنمو، أي أن الابنة كانت تعتمد على والدها كركيزة حياتها.

الشمس ترمز إلى السند والحماية ومصدر الحياة، وعند غيابها يكون هناك فقدانٌ للدفء والأمان.

4الثرى والوسن:

• “لكنْ سكنتَ ثرى الآهاتِ والوَسَنِ

الثرى يرمز إلى القبور والموت.

الوسن (النعاس أو النوم) يرمز إلى الموت كراحة أبدية، وهي صورة شائعة في الأدب الصوفي والرثائي.

5الصوت والصدى:

• ” وشريفةٌ تزرعُ الذكرى مؤرّقةً <><>ِكأنَّ سعدًا نداءٌ في صدى الزّمَنِ

شريفة تزرع الذكرى ترمز الى استمرارية تواجد الفقيد من خلال زوجته “شريفة

النداء يرمز إلى الذكرى التي لا تزال حاضرة رغم غياب صاحبها.

الصدى يرمز إلى استمرار تأثير الفقيد في الحياة حتى بعد وفاته، كأن صوته لا يزال يُسمع عبر الزمن.

ثانيا: التحليل العام للرمزية:

القصيدة تعتمد على الازدواجية بين النور والظلام، الحياة والموت، الدموع والدعاء، مما يخلق توازنًا بين الحزن والرجاء.

هناك رمزية صوفية في بعض الألفاظ، مثل: “الوسن” و”الدعوة الغرّ”؛ مما يعكس بعدًا روحانيًا في التعامل مع الفقد.

استخدام الرموز الطبيعية مثل: السماء، الشمس، الزهرة، والثرى يمنح النص بعدًا تصويريًا جميلًا يعكس مشاعر الحزن والتأمل في آن واحد.

التقييم العام:

قصيدة متماسكة من حيث البناء والصور البلاغية. حافظت على وحدة الموضوع والهدف. كما

عكست مشاعر الحزن العميق لكن دون يأس، بل مع دعوة للتصبر والإيمان.

– استخدام الصور والتشابيه كان موفقًا في توصيل العاطفة.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :