صلاح إبراهيم
إن انتقاد الناس لكل مايدور حولهم من تصرفات و أعمال هو بمثابة دليل أو إثبات على أنهم أحياء و في العديد من الأحدث الكبرى التي ينجذب لها المجتمع و يثني عليها الأغلبية ستجد منتقدين ، في الغالب لايحركهم دافع التصحيح أو التعديل إنما تسيطر عليهم فكرة خطف الأضواء أو الأصح بأنهم يريدون أن يكونوا جزءا من الحدث لينالوا الإعجاب ، في خضم المستجدات التي تشهدها المنطقة الجنوبية من حيث تطبيق النظام و توسع رقعة الأمن والأمان و تنامي حالة الاستقرار تنفس أهل المنطقة الصعداء و سارعوا لتنظيم البطولات والفعاليات واختاروا التركيز على الرياضة فهي الوحيدة التي لم تحل بها لعنة الانقسام ولا زالت صامدة متماسكة في وجه السياسة بالرغم من أن الرياضة مثلها مثل أي أداة من الأدوات التي اخترعناها ولكن لم نتمكن من إخضاعها وتحويلها إلى عنصر من العناصر التي نستغلها في حروبنا ونسخرها للقتال والدمار، في خضم الأحداث التي عشناها في السنوات الماضية شيئان اثنان فقط تمكنا من جمع الليبيين في الغالب المصائب كالكوارث الطبيعية و الحوادث البشرية ومن ثم تأتي الرياضة ، أحدهم يرى بأن فزان وما فيها من تردي بعض الخدمات يستوجب علينا أن نتوقف عن التفكير في أي متعة أو ملذات ومن المفترض أن نصب جُل تركيزنا على الزاد متمسكاً برأيه الذي يقول بأن الأحق علينا محاربة الجوع قبل استقبال الجموع وأن المنطقة مهمشة وبهكذا مناسبات نرسل صورة بأننا في خير ونمتلك كافة الاحتياجات ، لاشكّ بأننا نتفق مع ماقال في جانب التهميش ونقص الإمكانيات ولكن هذا لايعني توقف الحياة وهل مانحن فيه سيحل بالأكل و الشراب ؟!
هنا لدينا العشرات بل هم المئات اختزلوا الحياة في المأكل والشراب وجمع المال وهذا ليس طبعاً متأصلا في السكان أو متوارثا من قديم الزمان بل هو نتاج للتهميش والحرمان. مؤكداً قولي هذا بما قيل عن ابن خلدون الذي صال و جال بين الأوطان حيث قال: (إن الإنسان إذا طال به التهميش يصبح كالبهيمة ، لايهمه سوى الأكل والشرب والغريزة) .. لم نسمع لهم صوتا ينادي بإيقاف الزواج بل إنهم برغم فقرهم وجوعهم لازالوا يصرون على التكاثر و توريث الشكوى والتذمر لقادم الأجيال ، ولا أنادي هنا بالحد من النسل و لا أعتدّ بحجة الفقر والجوع في ذلك بل أنا مؤمن بأن العالم مهما كثروا فإن الله تعالى لو شاء لبسط لهم الرزق ، ولكن الله قال في كتابه : (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ).. ومن منطلق إيماني بالله فإن مانحن فيه ماهو إلا لحكمة يعلمها عز وجل..
دعونا في الرياضة حتى لا أوصف بالكاتب المتاجر بالدين أو أصنف من الفلاسفة الملحدين ، نحن في هذه البقعة بالفعل مهمشون و منسيون وهذا لايعني بأن نستسلم لهذا الوضع المهين ونغلق الأبواب على أنفسنا و نغرس رؤوسنا في الطين بل إن هذا الحال يستدعي أن نستغل كل ماهو ممكن لنجذب إلينا الآخرين ولا ضير من استخدام القوة التي نمتلكها وهنا لا نقصد الأسلحة و الرجال فهي بالنسبة لنا عار لو استخدمت ضد الأهل و ساهمت في الفرقه و الدمار هذا ماعلمته لنا رمال فزان..
القوة التي نستخدمها هي قوة الرياضة التي لطالما كانت مسخرة لفرض السلام ، و تقف على الضد من الاقتتال، ونشوب الحرب بين الشعوب، و وسيلة تعبر عن رغبة أبناء الوطن في أن يسود السلام فيما بينهم، ورسالة لإيقاف الحروب والصراعات التي تستنزف الطاقات ، وتحطم الأحلام.
في سنوات الظلم والدمار مشاهدة سيارات الدفع الرباعي تتنقل بين المدن كان بمثابة جرس الإنذار الذي ينبئنا باندلاع الحرب و اتساع رقعة الدمار ، واليوم نشاهدها تسير نحو الرمال لتنشر فيها البهجة و تعطيها نفحة الحياة ، كل ذلك تحقق بعزيمة أهل فزان فلا تقللوا من شأنهم ولا تستهينوا بقدرة الرياضة في محاربة التهميش والقضاء على الفقر ، الفقر لايقتصر فقط على الأموال فالوحدة أفضع فقرا.
هذا البراح الذي هجره أبناؤه ظناً منهم بأنهم فقراء وعقولهم زينت لهم الغنى بأنه فقط بالأموال ها هو اليوم يعج بالزائرين وهم بيننا مستمتعون و الفضل للرياضة التي جاءت بهم و جمعتهم .
ألم تَرَ بَيْتَ الفقرِ يهجرُ أهلُهُ… وبيتَ الغِنى يُهْدى له ويزارُ.