- تقرير :: عبد المنعم الجهيمي
أتَحَرّكُ فِي الظّلَامِ بِسُهُولَة بَيْنَ حُجُرَاتِ مَنْزِلِي !
لا تبدو في الأفق أية بوادر توحي بانفراج قريب في أزمة انقطاع الكهرباء بالجنوب صارت يوميات سكان سبها مرتبطة بانقطاع الكهرباء، الذي انعكس على مختلف نواحي الحياة بالمدينة، هنا في منزل السيدة عائشة معتوق بحي الجديد وسط سبها، تجلس صحبة زوجها وتشاهد التلفاز استعدادا لانقطاع الكهرباء، ولكن أنفسهم تُحدِثُهم دائما بأنه قد لا ينقطع، غير أنه يفعلها ليعمَّ الظلام أرجاء المنزل الصغير.
انْقِطَاعُ الكَهْرَبَاءِ لِسَاعَاتٍ طَوِيلَة يَدْفعُنَا لِلْحَدِيثِ مَعَ بَعْضِنَا لفتراتٍ أطْوَل
تقول عائشة إنها لم تعد ترجو أن لا تنقطع الكهرباء، فقد تعودتْ ذلك وأصبحتْ تتعايش معه أو هكذا تظن، فور حلول الظلام تنهض لتُضيء المكان بالشموع التي صارت تحفظُ أماكِنها في أرجاء المنزل. تضيف أنها صارت تتحرك في الظلام بسهولة بين حجرات بيتها لتُضِيء الشموع، أُحِبُ أن أرى ضوء هذه الشموع في كل الحجرات، رغم أني لا أحتاج بعضها. لعل أجمل مافي انقطاع الكهرباء بسبها أنه أوجد حالةً مِنَ الحميمية والسعادة في حياتنا، تقول عائشة، فانقطاع الكهرباء لساعاتٍ طويلة يدْفعُنَا للْحديث مع بعضنا لفتراتٍ أطول وبدون وجود ما يشغل أحدنا عن الآخر. انقطاع الكهرباء عن أجزاء كبيرة من المدينة، يُصَاحِبُهُ ضعف في شبكات الاتصالات والإنترنت، فنجد أنفسنا بدون ضوء في عتمة الليل ولا نعلم متى تعود الكهرباء، وسط ارتفاع الحرارة التي تمنعنا من النوم.
أجْمَلُ مَا فِي انْقِطَاعِ الكَهْرَبَاء بِسَبْهَا أنّهُ أوْجَدَ حَالةً مِنَ الحَمِيمِيّة وَالسّعَادَة فِي حَيَاتِنَا
بعد إضاءة الشموع تهْرعٌ عائشة إلى مطبخها لِتُعِدَ القهوة، فهي رفيقة السمر في ليالي انقطاع الكهرباء، تقول إن شمعة واحدة لا تضيء لها كل المطبخ، غير أنها تحفظ مكان كل ما تحتاجه، لِذا يَكْفِيهَا بعض الضوء لِتُنْجِزَ عملها وتُعِدَ ما يُساعِدُهَا على السهر مع زوجها. في تلك الأثناء يُشغِلُ إبراهيم مروحةً صغيرةً تعملُ عن طريق ربطها بالكمبيوتر المحمول، يقول إنها تعمل لمدة ساعة قبل أن يفرغ شحن الجهاز، ولكنها تُحَرِكُ الهواء بعض الوقت وتساعدنا على تخفيف وطأة الحر ولو لساعة واحدة، ارتبطت حياة إبراهيم أيضا بانقطاع الكهرباء، فهو يعمل في ورشة لتصليح السيارات، وتشكل مصدر دخله الوحيد تقريبا، وانقطاع الكهرباء يوقف العمل فيها لساعات طويلة، مع مرور الوقت تصبح هذه الساعات خسائر يتكبدها إبراهيم، فهو مطالب دوما بدفع إيجار الورشة وإيجار المنزل ومتطلبات أسرته الصغيرة، ومستحقات العاملين معه. كلُ تلك الهموم تُنَاقَشُ يوميا في سهرة الشموع التي يعيشها الزوجان كل يوم، فعائشة أيضا تشعر بالتعب وهي تفكر كيف ستقضي ماتُكَلَفُ به من أعمال، فهي موجهة تربية فنية، ويفترض أن تقوم بزيارات منتظمة لعدة مدارس، يَتعذرُ عليها ذلك مع انعدام الوقود بالسعر الحكومي وغلائه في السوق السوداء، ناهيك عن أن انقطاع الكهرباء لساعات طويلة لا يُمَكِنُهَا من أن تكون مستعدة دوما للخروج والعمل كل يوم، وهو ما يُعَرِضُهَا لِكِتابة تقارير سلبية عن أدائها من قبل مرؤوسيها.
كُلُّ تِلْكَ الهُمُومِ تُنَاقَشُ يَوْمِيًا فِي سَهْرَة الشّمُوعِ
تطولُ ساعات الانقطاع ويستمر الحر وتتشعبُ أحاديث الزوجين، غير أنهما يُجْمِعَان على استمتاعهما بهذه الساعات التي قلما كانوا يغْنمونها طِوال حياتهم الزوجية التي تدخل عامها الرابع، يسعدان وهما يرويان طرائف وقعت معهما بسبب الكهرباء وانقطاعاتها، تقول عائشة إنها دخلت مطبخها ذات يوم للبحث عن شمعة جديدة بعد أن نفذت شموعها، ففوجئت بيد تلتف حولها في الظلام، ارتعدت وارتجف قلبها قبل أن تعلم أن شقيقها كان بالداخل ولم تعلم بوصوله، ضحك الغناي بصوت مرتفع فهي المرة الأولى التي يسمع فيها هذه الحادثة من زوجته، وروى عن إحدى الليالي التي وضع فيها الماء بجانبه قبل أن ينام، يقول عندما استيقظتُ في الليل لأشرب كان الظلام يعمُ المكان، فحملتُ الإناء وشربت منه مباشرةً، وتفاجأتُ أن بعض الحشرات سقطت في الماء ولم أنتبه لها. ترى عائشة وزوجها أن انقطاع الكهرباء في سبها لم يعد حالة استثنائية أو وضعا مستهجنا، بل صار نظام حياة يمكن أن نتعايش معه طالما لن نستطيع تغييره أو التاثير فيه تقول عائشة. لا تبدو في الأفق أية بوادر توحي بانفراج قريب في أزمة انقطاع الكهرباء بالجنوب، ولكن الكثير من سكانه بدؤوا يتكيفون مع هذا الوضع ويحاولون التخفيف من آثاره والتعايش معه قدر استطاعتهم.