تقرير :: أحمد بازامة / زهرة موسى
لكل داء دواء كما يقال ، و لكن ماذا لو أصبح الدواء سماً مباحاً يصرف للمواطنين اعتباطاً في صيدليات الجهل ؟ لقد أضحت مشكلة صرف العلاج الخاطئ للمرضى من قبل العاملين في الصيدليات الخاصة عبئاً حقيقياَ على كاهل الدولة والمواطن، وهي من أخطر الظواهر التي تمس حياة الإنسان بشكل مباشر ، في ظل غياب الرقابة وانتشار الرشوة بهدف ربح ضعاف النفوس الذين لايردعهم أي وازع ديني أوأخلاقي ماداموا قد أمنوا العقوبات ، كل ذلك ساهم في انتشار هذه الظاهرة التي تؤدي إلى نتائج بالغة الخطورة. حتى أن بعض المؤشرات تؤكد وجود حالات وفيات بسبب أخذ أدوية غير متطابقة مع الوصفة الطبية .
نسلط الضوء خلال هذا الاستطلاع على آراء شريحة من المجتمع الليبي بمختلف المناطق متناولين هذا الموضوع عبر طرح عدة أسئلة واستفسارات : قال ” موظف بالمجلس الوطني للتطوير الاقتصادي والاجتماعي بطرابلس خليفة محمد جدول ” إن أبرز سبب للأخطاء المتكررة من العاملين في الصيدليات الخاصة بوصف العلاج الطبي للمرضى يعود لضعف التأهيل وقلة الاطلاع والسعي لتحقيق أكبر قدر من المبيعات. وأضاف موضحاً” أن عدم وعي المريض وغياب الطبيب الذي قد لا تكون مراجعته أمراً هينا” ساهما إلي حد ما في تفشي هذه المشكلة. وأفاد ” أن تدني مستوى المعيشة ساهم في المتاجرة بالأدوية واستغلالها للربح، فضعف القدرة الشرائية جعل المواطن يقوم بالبحث عن الأدوية الرخيصة غير الفعالة والتي قد ينتج عن تعاطيها مشاكل أخرى. وأكد على أن ” انتشار الرشوة والفساد بمختلف صوره له دور كبير في دخول الأدوية غير المطابقة للمواصفات وانتشار الاتجار بها.
يرجح ” الناشط المدني من منطقة مرزق/ عادل أحمد صالح” بأن هنالك عوامل عديدة ساهمت في حدوث الأخطاء المتكررة من العاملين في الصيدليات الخاصة عند وصف العلاج الطبي للمرضى ، أبرزها عدم وجود رقابة على العاملين بالصيدليات و عدم خضوعهم للتقييم من قبل اىجهات المختصة ، وقصور الخبرة الكافية للعمل الصيدلي، إضافةً لافتقارالعاملين لقراءة اللغات الأجنبية، و مزاولة غير المختصين لمهنة الصيدلة.
ويؤكد على ضرورة مراجعة الطبيب المختص بعد شراء الدواء للتأكد من صحة صرف العلاج ، خصوصاً في حالة إعطاء العلاج البديل. ويعتقد ” من وجهة نظره أن تدني المستوى المعيشي لا يساهم بشكل مباشر في المتاجرة بالأدوية المهربة، فقضية تهريب الأدوية هدفها زيادة الربح عن طريق بيع أدوية مجهولة المصدر وغير مصرح بها من وزارة الصحة. وأعرب ” أن هناك علاقة قوية بين الرشوة والمتاجرة بالأدوية المهربة، فعلى سبيل المثال عندما تمنع وزارة الصحة أدوية مجهولة المصدر لعدم مطابقتها للمواصفات القياسية ، فإن التاجر ومهرب الأدوية يلجأ إلى الرشوة من أجل تسهيل عملية دخول هذه الأدوية عبر المنافذ و تهريبها .
المُوَاطِنُ وَالصّيْدَلِيّ وَالطّبِيبُ ثَالُوثُ القَضِيّة
عبر ” عميد كلية التربية / أوباري جامعة سبها د. عبد القادر أبوغرارة عبد السلام ” بأنه علينا الاتفاق أولا بأن الأخطاء في صرف الأدوية الطبية قد أصبح من الظواهر الشائعة في جل الصيدليات العاملة في ليبيا خصوصاً في السنوات الأخيرة ،ولعل ذلك يعزى إلى الضعف الأكاديمي في إعداد العاملين بهذه الصيدليات ، فعند التوسع في رقعة إنشاء الكليات والمعاهد العليا المختصة بالعلوم الطبية تم على حساب جودة مخرجاتها ،وهذا ما أوصلنا إلى هذه المرحلة من تدني الخدمات الصيدلانية ، كما يؤخذ على المريض ثقته العمياء في العاملين بالصيدليات ولعل ذلك مرده إلى السمعة الطيبة التي ورثتها هذه المرافق الخدمية من العاملين الأوائل ، حيث كان من غير المسموح لغير المتخصصين العمل في هذا المجال، كما أن صعوبة الحصول على فرصة مراجعة الطبيب المعالح تجعل من التأكد من الدواء المصروف عملية في غاية الصعوبة وبالتالي ليس أمام المريض سوى الاعتماد الكلي على ما يقوله الصيدلاني.
ونوه – بأن الأمر متعلق بثقافة المجتمع ككل، وليس فقط بالمستوى المعيشي، فللأسف كل شيء أصبح يباع ويشترى في غياب الأجهزة الضبطية والرقابية و أصبح الدواء أحد تلك السلع التي تذر أموالا طائلة من جراء التجارة به، وكلما كان الوازع الديني والأخلاقي في المجتمع منخفضا سينعكس ذلك سلبا على أفراده ككل.
ومن جانبها تعلل عضو الهيئات القضائية /إدارة المحاماة العامة” فردوس حمد بوزيد،/ من بنغازي” بأن الأخطاء المتكررة في صرف العلاج للمرضى من قبل العاملين في الصيدليات الخاصة يرجع إلى عدم الخبرة الكافية بالعمل الصيدلي ، والاستهتار بأرواح الناس لعدم وجود جزاءات وعقوبات مناسبة، زد على ذلك غياب الرقابة على توريد الأدوية فهذا يساهم بشكل في ارتكاب الأخطاء ، فليس من مسؤولية الطبيب مراجعة المريض له، فهذه المرحلة الثانية من العلاج تكون من مسؤولية المهن الطبية المساندة، ومن المؤسف بأن المستهلك يبحث عن الدواء الأرخص دون معرفة الأضرار الناجمة عنه وهذا يرجع لثقافة المواطن الهشة.
و قالت بدورها مدير مكتب الرياض بمراقبة التعليم الأستاذة آمال جابر سليمان من مدينة جالو ” لا شك أن هنالك جملة من الأسباب التي أسهمت في خلق هذه المعاناة التي أضحى المواطن ضحية لها والمتمثلة في أخطاء صرف الأدوية من الصيدليات فالضرورة تتوجب المتابعة الجادة من الجهات ذات الاختصاص.
فِي ظِلّ الرّقَابَةِ العَمْيَاء تَزْدَهِرُ الْأدْوِيَة المَجْهُولَة !
كما أن من الملاحظ بأن بعض العاملين في الصيدليات يفتقرون للغة الأجنبية وربما يكون غير متخصص في هذا المجال، وهذا يعد أحد الأسباب الرئيسية لهذه المشكلة .
و تابعت ” من المؤسف نمو ظاهرة تهريب الأدوية بطرق غير مشروعة حتى باتت مهنة و مكسبا ومورد رزق لبعض ضعاف النفوس. حين تغدو الصيدلة – مهنة من لامهنة له ! أظهرت” الصيدلانية/ منى يوسف محمد من البيضاء بأن عدم وجود متابعة من الجهات الرقابية أسهم كثيراً في انتشار هذه الظاهرة فنجد بعض العاملين بالصيدليات الخاصة ليسوا من خريجي هذا المجال ويعرفون القليل من المصطلحات العلمية البسيطة ، وهذا يُعد مخالفاً قانونياً ، إضافة لانخفاض الوازع الأخلاقي والديني لدى هؤلاء فهذه المهنة أخلاقية قبل كل شيء،،لا شك بأن ظاهرة تهريب الأدوية عبر المنافذ الحدودية وبطرق غير شرعية ساهمت في دخول العديد من الأدوية، بعضها منتهية الصلاحية والتي تسبب كوارث مؤكدة وجمة على صحة الإنسان والمجتمع فالضرورة تتطلب وقفة جادة من مختلف الجهات الحكومية ذات الاختصاص لمحاربة هذه الظاهرة بشتى الطرق اللازمة.
الصّيَدَلَانِيّ الفَاشِلُ ثَمْرَة الضّعْفِ الأكَادِيمِيّ !
أفادت ” مريم محمد /مواطنة من سبها ” أن السبب الرئيسي وراء صرف الأدوية بشكل خاطئ هي عمل غير المختصين في الصيدليات ، وقد شهدت على ذلك شخصياً ،فإحدى صديقاتي تعمل في صيدلية ولا علاقة لها بهذا التخصص سوى إتقانها للغة الإنجليزية ، رغم هذا فأنا ضد عمل غير المختصين في المرافق الصحية والصيدليات لأن هذه الأماكن حساسة تمس حياة الناس ،ويمكن لدواء خاطئ أن يسبب مضاعفات مرضية أو يودي بحياة الشخص ! فلهذا لابد من وجود رقابة مشددة على الموظفين في الصيدليات ، ويجب أن يكون على الأقل طبيب واحد للاستشارة في كل صيدلية .
وأضافت ” لا أعتقد بأن هناك علاقة بين تهريب الأدوية وصرف الدواء بشكل خاطئ ، فالتهريب يكون بقصد وهو فعل مع سبق الإصرار و الترصد ، والهدف و الغاية منه هو كسب المال فقط ، أما صرف الدواء بشكل خاطئ يحدث بسبب عدم الانتباه ، أو قلة خبرة الشخص العامل في هذا المجال ، فالأمران بعيدان جدا عن بعضهما .
هَفْوَاتٌ فِي الزّحَامِ.
ذكرت ” عائشة محمد /ممرضة ” أن الأخطاء في صرف الأدوية قد تحدث أحيانا بسبب عدم الانتباه فقد يكون الشخص متخصصا وعلى قدر على من الخبرة العملية ، و لكن شدة ازدحام المكان تجعله يفقد التركيز و يخطئ في صرف العلاج ، و هذا لا يشفع له لأن الأمر متعلق بحياة مريض ، ولكن ليس دائما قلة الخبرة هي سبب في صرف الأدوية ، منوهةً إلى أن ظاهرة تهريب الأدوية هي الأشد خطورة ،لأن البعض يهرب أدوية ليست ذات مقاييس و مواصفات جيدة ، وقد تسبب ردة فعل عكسية على المريض عند تناولها ، وهذا غالبا ما يحدث عندما يكون ثمن الأدوية زهيدا ، و يقتنع المريض بأنه نفس الدواء المصروف لكن من شركة أخرى ، فيقع المريض ضحية خاصة إذا لم يراجع الطبيب ليؤكد له صحة الدواء بعد صرف الصيدلي. ..
بِيَد الطّبِيب لَا بِيَدِ الصّيْدَلَانِيّ !
أعربت ” خديجة إبراهيم موظفة إدارية ” غالبا ما تحدث أخطاء في صرف الأدوية بسبب خطأ الطبيب نفسه في كتابة الدواء الصحيح ، فبعض الأطباء أيضا غير مختصين ، وقد لا يكون مستواهم جيدا ، فهم قد يكتبون الدواء الخطأ وبالتالي يصرفه الصيدلاني كما كتبه الطبيب ، فالخطأ لا يقع دائما بسبب الصيدلاني . وأشارت إلى أن ” بعض الصيدليات كانت توظف غير المتخصصين ، وتقبل الأشخاص الذين يتقنون الإنجليزية ، أو الحاصلين على شهادة صيدلة من دورات تدريبية قصيرة ، وهؤلاء يفترض تأهيلهم بشكل دوري ليصبحوا قادرين على العمل في الصيدلية ، ولكن الآن أعتقد بأن قلة من غير المتخصصين باتوا يعملون في الصيدليات .
أشْبَاهُ الصّيَادِلَة سَبِيلُ الشّفَاء أم البَلَاءِ؟
أكدت ” زمزم علي /صيدلانية ” هناك دخلاء على هذه المهنة من غير المختصين ، فأغلب هؤلاء لا يملكون الخبرة الكافية ، وما يساعدهم على العمل هو إتقانهم للغة الإنجليزية ، ولكن دائما يقعون في الأخطاء عند صرف الأدوية ، خاصة بعض الأدوية التي تكون متشابهة في الأسماء والكتابة مع اختلاف بعض الأحرف ، فإذا لم يكونوا منتبهين جيداً فقد يقعون في صرفها بالخطأ ، كما أن الخطأ يقع على صاحب الصيدلية لعدم تدريبهم وتأهيلهم بشكل مباشر ، فهذه المهنة من أخطر المهن ،لأنها تتعلق بصحة المواطن .
ونوهت ” هناك عدة مشكلات في هذا القطاع ، وهو يحتاج إلى رقابة مشددة ، فبعض الصيدليات في مدينة سبها خلال السنوات الثلاث الماضية كانت تصرف الأدوية المهدئة بدون وصفات طبية ، وهذه الأدوية قد يتعاطاها المدمنون ، وهي في نفس الوقت تصرف للمرضى بوصفة خاصة ، فلهذا يجب أن تكون هناك رقابة جيدة على هذا القطاع لتفادي هذه الظواهر السلبية ،أما تهريب الأدوية فأنا لم أسمع بوجود أدوية مهربة تباع في الصيدليات ، لأن معظم الصيدليات تتعامل مع شركات معروفة وتستورد منها الأدوية .
فِي كُلّ صَيْدَلِيّة حِكَايَةٌ !
وذكرت ” زينب صالح / مواطنة من براك الشاطئ ” بأن بعض العاملات بالصيدليات لا يفقهن شيئاً عن الأدوية ، ففي إحدى الصيدليات القريبة من منزلنا تعمل فتاة حديثة التخرج وتخصصها بعيد جدا عن الصيدلة وعملت بهذا المجال حين واتتها فرصة للعمل بهذه الصيدلية ،وفي أغلب الأحيان كانت تصرف أدوية خاطئة للمرضى ، وفي بعض الأحيان تعتذر وتحتج بأن الدواء غير موجود عندها ، و غالبا ما نجدها تتأمل في ” الروشيتة ” لبعض الوقت و تقضي بعض الدقائق تبحث عن اسم الدواء ، فالخطأ هنا لا يقع على عاتقها فقط بل على صاحب الصيدلية الذي سلم حياة الناس لها .
صَيادِلَة أمّيِينَ يَمَتَلٍكُونَ مَصِيرَ المَرَضَى !
وأعربت ” أذكر أن هناك مستوصفاً بحيّنا يعمل به طبيب مسن ، كان الجميع يتردد عليه لصرف الأدوية ، لأنه كان طبيباً عاماً ، و لكنه أحيانا يخطئ في كتابة الأدوية المناسبة للمرضى، فصديقتي كانت تعاني من ألم في الأذن و ذهبت لزيارته و كتب لها دواء للمعدة وبعد أن أخذت الأدوية لم تشعر بتحسن ، و لكنها بدأت تشتكي من معدتها وعندما قرأت عن الدواء اكتشفت ما حدث ، فالطبيب أيضا يخطئ في صرف الأدوية ،وليس دائما الصيدلاني هو المسؤول عن الخطأ . وذكرت ” أم عمر /مواطنة بأنه “تحدث الكثير من الخروقات حينما لاتتواجد الرقابة اللازمة ، فقطاع الصيدلة كغيره من القطاعات يحتاج إلى سَن القوانين و التقيد بها ، تفعيل الرقابة التي تضبط عمله ، فالكثير من أصحاب الصيدليات بات يهمهم دخل الصيدلية والمردود المادي ، بعيدا عن جودة الخدمات ااطبية التي يقدمها ، فهناك الكثير من العاملين في الصيدليات من اللامختصين ، و غير المؤهلين بالشكل المطلوب ، والصيدلية مكان حساس فصرف أي دواء خاطئ ، أو جرعات تفوق ما حدده الطبيب قد تسبب مضاعفات تؤدي للوفاة . أذكر بأنه قبل عدة أعوام ذهبت صحبة عمتي للصيدلية و أخذنا حقنة لابن عمتي الذي كان مريضاً ، و ذهبنا للمستوصف للحقن وعندما رأت الممرضة تلك الحقن طلبت رؤية الوصفة الطبية ، و قالت بأن هذا الدواء خاطئ ولو أنها أعطت الطفل هذه الحقنة لتسببت بمضاعفات مرضية كبيرة ، و كم وكم من القصص المشابهة لهذه القصة تحدث في صيدليات المجتمع مع كل مطلع شمس.