- قصي البسطامي بن مسكين
لقد كثر الحديث في الأونة الأخيرة وفي رأي الشارع الليبي عن شخصية جهادية تاريخية في ليبيا ناضلت من أجل إستقلال البلاد فقدمت أرواحها ودمائها ثمنا لذلك… ، لا يغيب عن ناظرنا أن عمر المختار لم يقاوم الإستعمار الإيطالي وحسب وإنما إتجه أيضا إلى مقاومة الإحتلال الفرنسي والبريطاني في كل من تشاد ومصر و السودان كأحد قيادي ومشائخ الحركة السنوسية في شمال أفريقيا، ورغم أن الكثير من المؤرخين قد أكدوا بمختلف جنسياتهم على صفات ومميزات هذه الشخصية الليبية إلا أن أبواب الشكوك فيها إندلعت في اللحظة التي ذهبت فيها البلاد نحوى الهاوية لتجد نفسها غارقة في بحر من الدماء إثر الصراع الأهلي الذي لا نزال نعيشه إلى اليوم ، بموجب ذلك تتأثر المجالس الشبابية في المقاهي والملاعب وفي الشوارع وتحت الجدران كعادة الليبيين في إفراز ما يدور في خواطرهم من مواضيع شتى حول السياسة والإقتصاد وتاريخ الأباء والاجداد، فمما شدني للإنتباه أكثر تلك الأحاديث الهزلية المضحكة التي تطعن في جهاد شيخ الشهداء ..، لقد تعددت الأراء الشكوكية والهزلية حول عمر المختار لتخفي دون وعي منها غيظها وحزنها وكآبتها من الوضع التي تنحذر إليه البلاد فيقال ( متى كان عمر المختار مجاهدا ، هذا شيخ الفلاقة وشيخ عصابات…!) ورأي أخر يقول ( لو كان بس خلاهم يبنوا ويصلحوا البلاد ما كانت هكي ليبيا ) ، ( عمر المختار بلطجي وبدوي وراعي ماشيه وإبل وين يفهم في العمار….) ، ( عمره ما كان الإستعمار خراب…..!! ) ، ( الإستعمار عمار وأمثال فلاقة كيف عمر المختار يبوها تقعد على ما هي عليه زرايب وحظاير … !! ) ( لا يا خوي مش غير هكي، راهو اللي دار شان لعمر المختار النظام السابق هو اللي طلع صورته على العشرة دينار مصدقين الليبيين أن هكي شخصية فعلا كانت تجاهد وتقاوم في الطليان يا الله عليك حاله وخلاص تي والله اللي طلع الطليان من ليبيا راهي فرنسا وبريطانيا وامريكيا….! ) ( أنا نعرف بأن فيه رأي يقول التاريخ يكتبه المنتصرون وبإعتبار أن الطليان خسروا طبيعي يظهر عمر المختار في الصورة…. ) لم تكن من نوايا عمر المختار بأن يكون الشخصية الأولى في ليبيا وما يؤكد على ذلك رفضه للأغراءات التي قدمها له الإيطاليين وجعله شخصية رمزية لكل الليبيين تحظى بمكانة عالية وتعيش حياة مرفهة…… ، فعلى العموم إن هكذا أراء تتقاذف وتذهب من أذن إلى أخرى ترين بالفعل مدى الإخفاق والتذمر الذي يحدث في الرأي نتيجة لإنعكاس الأزمة الإقتصادية في ليبيا والإنقسام السياسي وتأثيره على الشارع الليبي بشكل خاص ، إن الصدمة الحضارية التي إنبهر بها الليبيين إثر سفرهم إلى العديد من البلدان الأوروبية الحضارية جعلهم يعيدون النظر فيما إذا إستمرت الوصاية الأجنبية على ليبيا وماذا لو تم بنائها كما هي إيطاليا أو فرنسا الأن…! ، هم لا يعلمون أن ذلك سيكون على حساب إفقارهم وتجويعهم وذلهم وإستعبادهم ومسح كل أثر لهويتهم وثقافتهم كفاتورة إضافية بديلة عن الهياكل الخرسانية التي يتمنى الليبيين تشييدها بأس طريقة…. ، هذا النوع من الحنين والشوق لحب سيادة الرجل الأبيض يقنع هاؤلاء قناعة تامة أن لا إرادة ولا حضارة ولا بناء لمن ينفرد بنفسه عنهم رغم أن الواقع يثبت العكس، فالكثير من البلدان الغير أوروبية نهضت وحسنت من وضعها الإقتصادي دون أن تتوجه نحوى عودة الاستعمار الغربي ، إن من الطبيعي أن يزداد عند هاؤلاء الشعور بالنقص والدونية الناتجة عن جلد الذات ونقدها فوق الحد المطلوب ليعترف دون لفظ واضح ( يجب أن نكون أقل رتبة منهم) ان كل محاولة للنهوض من دونهم تستبق نتائجها بتشائم مفرط….، ان هكذا شكوك تعتبر هي البوابة الأولى نحوى توجيه كل تلك العيوب إلى شخصيات معادية أعلنت رفضها ومقاومتها لحكم الفاشية ، وما كتبه المؤرخين حول عمر المختار لا يرون بأنه كافا لإقناعهم على كون هذه الشخصية إتخذت المسار الذي كان يرى فيه في ذلك الوقت مصلحة الليبيين أجمع ، ومن جهة أخرى نقول، أن هناك صراع تاريخي قبلي جهادي كان يجري على الساحة حيث كان هناك بعض القبائل كانت تسعى إلى الشهرة على حساب أخرى عبر تعاونها مع الأطراف اللاعبة على الأرض ، وعلى سبيل التقريب يوجه النقد لعمر المختار من يرى بأن رمضان السويحلي احق منه في نيل تمثال الشخصية التاريخية الليبية وهذا واقع ….، ومن جهة ثانية أيضا يرى الأمازيغ في ليبيا بأن سليمان الباروني هو الأحق بنيل التمثال الرمزي للشخصية الليبية وهلم جرا ، إن ما يجري يا حضرة القارئ ليس إلا تنافس على شهرة أسماء لا أكثر ، وإن الطعن في كفاح وجهاد هذا الرجل لا يحمل إلا غاية إستبداله بغيره أو إستيائهم من الوضع الذي إتجهت إليه البلاد عقب الأزمات المتتالية التي عصفت بنا ولا تزال للأسف، فهل علمت سيدي ماهي الأسباب… ؟ مع هذا كله فإني لا أزال متفائل رغم مرارة ما نرى أمام أعيننا بأن قيام ليبيا مرة أخرى هو أمر لابد منه مهما طال الزمن أو قصر فالفوضى كغيرها من القوى الطبيعية ( كالزلازل والأعاصير) ما تلبث أن تأخذ وقتها حتى تهدئ مع مرور الوقت….، وستتوقف على إثر ذلك تلك الطعنات الموجهة نتيجة التذمر و الإستياء الشعبي فور قيام دولة ليبية واحدة تجمع جميع أطراف ربوع ليبيا الحبيبة….