محمد الطيب
إن الأسرة في الصحراء ، لا تكون أسرة مستقلة بذاتها حتى تستوفي شرطاً وحيداً ،شرطاً يقتضي بأن يكون في الأسرة طفل يبلغ على الأقل تسع سنين من عمره ، طفل بإمكان المرء الاعتماد عليه في بعض الأمور اليومية ، مثل الأمور التي يراها الكبار أموراً لا تستحق أن تشغلهم عن رحلاتهم الأسبوعية المتجهة إلى أسواق المدينة ، حيث ينبغي على الطفل أن يكون هو الشخص الذي ينوب عنهم ليهتم بتلك الأمور ،وغالبا ما ستكون هذه المناوبة ، مناوبة دائمة ، فالكبار سيقولون في أنفسهم فيما بعد : إن الأمور بنا أو بدوننا هي تسيرُ ، وعلى ما يرام . إن تلك الأمور تحتاج طفلاً قويا ، طفلا يهش الماشية ويستطيع أن يرعى بالمراعي الشاسعة ، طفل يستطيع البحث عن أماكن الآبار القريبة والبعيدة ، طفل يكون قادراً على إخراج الماء من الآبار العميقة وإحضارها على ظهر البهيمة ، طفل يستطيع البحث وجمع الأخشاب الملقاة في الصحراء ،التي سيحتاجها الأهل لإشعال نارٍ ليَطهُوا عليها طعامهم ،إن كل هذه الأعمال من نصيب هذا الطفل ، وكأن الطفل قد تحول إلى رب الأسرة ، الذي يبدو أنه يمثل عمودهم الفقري القوي ، الذي يقوم بكل الأعمال اليومية الشاقة ، وبهذه الطريقة تسلم زمام الأمور لأطفال الصحراء كل يوم ، و بهذه الطريقة يشيخ أطفال الصحراء حاملين هموم وواجبات ذويهم ، وبهذه الطريقة يتوارث الفقر في الصحراء كل يوم. وعندما تنتقل الأسرة الصحراوية من الصحراء إلى المدينة تنتقل معها أفكارها التي تنص على ضرورة انتظار الطفل حتى يجلب لها المعونة والرزق ، بحيث تكون هذه الأسرة تنظر إلى أن يبلغ الطفل السن الذي يتيح له العمل بالمدينة ، لكي يعمل بأي وظيفة فيتحصل على راتب ليجلب إليهم الأرزاق ، وليكرس حياته لهم ، وهو يحاول الوقوف ولكنه لا يستطيع ، لأنه هو نفس ذاك الطفل الصحراوي ، الذي كرس حياته أيضا لنفس الهدف ، دون إحراز أي تقدم ، فكيف يحصل تقدم، و الوالدان لا ينظران إلى واجباتهم اتجاه طفلهم؟ وهل يحظى هذا الطفل بالحقوق المتعارف عليها ، من تعلم ، ومسكن آمن ، وصحة نفسية ، وكل الحقوق التي يحظى بها أي طفل آخر؟. وهل الطفل موجود ليكون طفلاً ؟ أم هو موجود ليكون أبا ؟