بقلم :: محمد عمر غرس الله
باحث ليبي مقيم في بريطانيا
رغم حقها المشروع والمبرر في المطالبة بالتغيير السياسي كمرحلة لازمة لتطوير نظمها والرقي بواقعها، تمر المنطقة العربية بمرحلة تبدو ملفته، شعوب (مختارة منتقاة) فجأة ثارت – على نظمها السياسية – وجنحت بغرابة وعميائية صاخبة تدمر – في طريقها – ما أنجزت (مهما كان بسيطاً) حرقاً وتدميراً وهي وتكبر (الله اكبر)، تخرب سلمها الأهلي بالتوازي مع قوى العدوان الخارجي، مهللة بأعلام هذه القوى، تقدم لهم الإحداثيات لقصف بلادها وترحب بتدخلهم، وتنفذ بالمحصلة ما يخدم هيمنتهم، حصل ويحصل هذا الأمر بشكل يبدو (إنتقائي جداً) في بلدان عربية دون أخرى، دول عربية تشترك مع دول غربية في إستهداف شعوب عربية ، (المال وإلإعلام والفتاوي واللعبة الدولية) معاً يد بيد خطوة بخطوة بشكل متوازي ومتشابك ومتقاطع.
إذاً هل ثمة (إدارة عمليات دولية) عارفة، وماهرة، وقوية – بحثياً – في فهم واقع – مستهدف ومحدد ، بكل تفاصيله وديناميكيتها – تعرف كيف تدير وتلعب على هذه الشعوب، وعلى مشاعرها ومطالبها، بإستخدام (المناهج العلمية وتطورها) في “نظريات التأثير على الانسان” وعصبيته وهيجانه ، وأيضاً قدرتها على إدارة (الوظيفية السياسية)، والقدرة على التحكم في تمظهر (الأدوات المحلية)، والتعامل معها، وتصعيد الذي يخدم أهداف معينة، وإستبعاد وقمع وتهميش ( شخوص ونخب إرادة المقاومة الذاتية) للمجتمع، هل تعرضت وتتعرض شعوبنا لعملية “(تسخين) أوضاعها، ثم عملية (طرق) على مفاهيم وتوصيفات وصيغ وفتن وتجاذبات، ثم عملية (تشكيل)” لواقع جديد مخطط له بعناية، ماهي “نظرية الشعوب المستطرقة”، دعونا نرى
ليس خافياً الحديث عن “حروب الجيل الرابع” والتطور جديد في شن الحروب بشكل غير تقليدي، وهي نتاج التطور العلمي في مجال (علم الجماعات والعصبيات وإدارة الهياج والفوضى)، وعلم (الإتصال والتواصل) المتفاعل بما فيها (الإعلام والبث والتلفزيون)، وأيضا التطور والتمكن العلمي في (التعامل مع القيم وتفاصيلها)، والتعامل مع (الجماعات والشعوب ونوازعها) عبر معرفة الواقع الاجتماعي والقدرة على (إستثماره وتسييره) بالتمكن من استخدام (نظريات العلوم الانسانية الاجتماعية والنفسية)، وتطور (نظريات التسويق والدعاية) و(التاثير والادارة والقيادة) عن بعد، من إيحاء وأدوات حروب نفسية، فكل هذا التطور العلمي والبحثي عبر (ادارة، قوية، وفاعلة، وقوية وماهرة) يستخدم في تحقيق الأهداف الكبرى والإستراتيجيات، فالدول الكبرى ليست فقط (قوية إقتصادياً وماليا وعسكرياً)، بل هي أيضا (قوية بحثياً في إستخدام المنهج العلمي وفي معرفة الواقع والتعامل معه، ومع شخوصه، وسماته، وعناصره، ومظاهره، والتاثير عليه)، عبر مراكز البحث القوية والجامعات المتقدمة والمتطورة وربطها بعلم (إدارة الأهداف، وأدارة الجماعات، وأدارة الأنفعال)، وإدارة كل شيئ تقريباً – فالتقدم الحاسم كان دائماً هو (التقدم في مجال الإدارة) وهو الذي صنع الفارق الكبير والجوهري، الذي تمكنت منه الدول الكبرى لتحقيق منجزاتها المبهرة على كل الأصعدة – فهذا التطور الكبير يستخدم أيضاً لتحقيق أهداف من سيطرة وإدارة علاقات دولية، وممارسة المنافسة والصراع، والأهم ممارسة الحروب والنهب، ليس فقط (بجيوشها) وإنما حديثاً (بدفع مجتمعات معينة نحو الأزمات والفوضى) لتدمر نفسها بنفسها وبأيديها، وبمبررات قيمها الدينية والإجتماعية، وبشجونها ومطالبها، ليسهل (التدخل فيها وتوجيهها، والركوب على ظهرها وإمتطائها، والسيطرة عليها، ونهبها، وإعادة تشكيل واقعها)، بما يخدم أهداف معينة يتم تحديدها في مراكز البحث وإدارة العمليات الإستراتيجية والقيادة عن بعد.
منذ أن ظهر مصطلح الفوضى الخلاقة (الزعزعة البناءة مهما كانت المخاطر) عرفنا حروب العصر الجديد، حيث يرى “روبيرت ساتلوف” إن البحث عن الإستقرار كان تاريخياً أحد سمات سياسات الولايات المتحدة، غير إنه – منذ أن وصل بوش الصغير للبيت الأبيض – أُعتبر إن الإستقرار في منطقة العربية هو العائق أمام المصالح الأمريكية، وهكذا طرح “ساتلوف” (جمع أكبر قدر من المعلومات عن الواقع الإجتماعي والسياسي، والحركات الإجتماعية والسياسية للمجتمعات المستهدفة) من أجل إستخدامها في إحداث الزعزعة والفوضى المطلوبة ( انظر مقال الزعزعة البناءة، صحيفة لوموند ديبلوماتيك الفرنسية، تموز 2005) (غيلبرت أشقر “القناع الجديد للسياسات الامريكية في الشرق الاوسط” لوموند ديبلوماتيك، 4نيسان 2004).
وهكذا بهدف تفتيت المنطقة ونهبها وإعادة تشكيلها، بدأت مرحلة جديدة – منذ الحرب في افغانستان وصناعة (الجماعات الإسلاموية العابرة للحدود) – أُستخدم في هذه المرحلة أساليب عديدة متوازية، ومتشابكة، ومتقاطعة، الخطوط، “سلاح الإرهاب لإحداث أكبر قدر من الفوضى والتدمير ولإيجاد مبرر للتدخل بأنواعه” وما يمكن تسميته ” الحروب منخفضة الحدة” وهي عبارة عن مجموعة عمليات تتم بالتاثير على الواقع القبلي والمذهبي والطائفي والطبقي، وتسخينه والإستفادة منه ومن سماته وشخوصه، لتحقيق الأهداف والاستفادة منه، لإحداث فوضى في (مناطق محددة) من أجل إعادة رسم خارطة جيوسياسية، او إحداث تغيير فيها لتحقيق أهداف محدد منها (إعادة بناء النظم السياسية على أساس التمثيل الطائفي والعرقي والأثني) بغية (إضعاف الدول والهيمنة عليها) بزرع التوترات وإبرازها، والإستفادة من تمظهرها وتحويل (المجتمع المنسجم المتألف) إلى (مكونات) و (تكسير وحدته الإجتماعية التي حققها عبر الزمن مع بناء دولته الوطنية)، (تحويل القيم الدينية من أداة وحدة ومقاومة إلى أداة فتنة وتفرقة) و(دفع المجتمعات للحروب الأهلية) لتأكل بعضها البعض، وتستنفذ طاقات شبابها، وإمكانياتها المادية وتُخرب واقعها (الحروب منخفضة الحدة) حيث تلعب الولايات المتحدة وحلفائها كل الأوراق المتاحة (الطائفية والقبلية والمكونات والديموقراطية وحقوق الانسان وكذبة محاربة الارهاب).
وهكذا عبر “إدارة عمليات اللعبة الدولية” (لتحالف المال والاعلام والفتوى وإلارهاب المنظم) تتم:
(1) إدارة سلاح الإرهاب المنظم، بالتعامي عليه، وتسفيره وتغطيته بطريقة او بأخرى.
(2) غض الطرف عليه حتى يستفحل وينتشر.
(3) إسقاط الأسلحة له وتبرير امتلاكه له.
(4) التدخل كلما تم التضييق عليه وطلب ممرات أمنة لمرتزقته بحجج إنسانية منتقاة.
وبشكل متوازي يبدأ العمل على الأهداف عبر إستخدام المنهج العلمي ونظريات تأثير وسائل الاعلام كأداة، منها نظريات (التأثير التراكمي طويل المدى – التأثير المعتدل – التأثير المباشر قصير المدى “الرصاصة الإعلامية”) ويتم ذلك عبر (القنوات التلفزيونية الناطقة باللغة العربية) من الدول الغربية والدول المتحالفة معها، و(القنوات التلفزيونية لبعض الدول عربية، المتحالفة مع اللعبة الدولية، ومتماهية معها، وتعمل بالتوازي معها في مشاريع واحدة)، وتستخدم جميعها (نظريات الدراسات الإعلامية والإجتماعية بأنواعها) التي تستعير وتستفيد من مناهج نظريات العلوم الإنسانية، ومنها إعلامياً (نظرية الإعتماد) القائمة على فهم (العلاقة بين الإعلام والمتلقي والمشاهد والمتصفح) بالتركيز على ما يتابعه الجمهور وما يهتم به وما يثيره، من خلال المعرفة الدقيقة بالمجتمع والمتلقي، وصناعة (تصور معرفي مقصود) عبر الضخ الإعلامي الضخم الذي يصبح مصدر المعرفة، ويصادر دور بقية مصادرها، بالإعتماد على إستخدام (الإسلوب الجزئي لتحقيق الأهداف)، عبر دائرة أهداف مقسمة إلى أجزاء، يتم تحقيقها “(جزء) (جزء)” فتستكمل إنجاز دائرة الأهداف بالمحصلة، حيث يتم اصدار أوامر عملياتية (فتوى للجهاد في البلد الهدف – بيانات منظمات المجتمع المدني المرتبطة بشبكات دولية) بالإستفادة من التجاذبات المحلية اليومية، فيتم (دفع المجتمع نحو الفوضى الداخلية)، ثم التركيز عليها سياسياً وإعلامياً وتأجيجها وتوجيهها والتأثير عليه والتدخل فيها، ويتم ذلك كله وفق ما أسميه “نظرية الشعوب المستطرقة” والتي يمكن تعرفيها بأنها “وضع شعوب معينة تحت سطوة التأثير عبر تحالف (المال والإعلام والفتوى والإرهاب المنظم بإدارة اللعبة الدولية) و أذرعها ومخططاتها، ولها ثلاث مراحل متتابعة” هي:
اولاً مرحلة التسخين:
ويستخدم فيها التعامل ( التلفزيوني والإعلامي الصاخب والمركز) مع (القيم) والعواطف نحوها، والواقع وتفاصيله وتجاذباته، والتركيز عليه لشد إنتباه الناس، والإستحواذ على متابعتهم للبرامج التلفزيونية (الدينية وللفتاوي وبث الفتن المذهبية والقبلية والطائفية والأثنية) وإحداث حالة تقاتل حول العقيدة (أنظر مقالي: الإسلام المحلي في مواجهة الأسلمة الوافدة)، وتستخدم أيضاً التصريحات السياسية والتقارير الإخبارية والوثائقية، عبر التركيز السياسي والإعلامي على المنطقة المستهدفة، والتركيز عن أدق تفاصيل الخلافات المذهبية والقبلية والأثنية والعرقية واللعب بهذه الأوراق، وإستغلال ورقة المطالبة بالديموقراطية وحقوق الإنسان، وبذلك يبداء ما يسمى تخصيب المنطقة المستهدفة بالأفخاخ) عن طريق (تلقف الأدوات المحلية) ووضعها تحت المجهر وتتبع حالاتها الفردية و (ربطها بمنظومة تواصل وتنسيق) عبر أشكال ومظاهر خادعة، و (شحن وتسخين وتضخيم اوضاعهم ومواضيعهم ونوازعهم)، و (ممارسة الضغوط على سلطات الدولة المستهدفة) عبر العلاقات الثنائية والمنظمات الإقليمية والدولية وتوريطه في إجراءات ومعالجات عقيمة، و (التدخل في شؤؤنها) ، و (الإستفادة من نتائج الضغط عليها) في تقوية عناصر محلية مرتبطة “بادارة أعمال الأهداف”.
وهكذا توضع المنطقة المستهدفة تحت المجهر الإعلامي التلفزيوني وما يبثه من برامج (الإستحواذ على المشاهد في المنطقة المستهدفة) ويتم تدريجياً (قصف تمهيدي بالمصطلحات والتوصيفات والايجاءات)، بإستخدام نظرية التاثير الاعلامي (التاثير طويل الامد)، ويبدأ (الاستحواذ على المشاهد) تدريجياً وفق برامج دينية تخاطب المشاعر والعواطف الدينية منها مسابقات دينية، والوعظ، واستخدام (أوامر عمليات بحجة فتوى دينية يقوم بها “ضباط عمليات” تحت اسم مشائخ وعلماء يصنع الإعلام لهم جمهور)، وبرامج ترفيهية تملاء حياة المشاهد من المسابقات، والأغاني والمسلسلات، وبرامج رياضية موجهة للشباب مباريات كرة القدم والتقارير الاخبارية اليومية والدوريات والمسابقات الإقليمية والدولية، والإخبار والسيطرة الإخبارية عبر البث التلفزيوني المباشر للاحداث وما يعرف بـــــــ (سطوة الصورة).
ثم يبدأ العمل بطريقة مدروسة جداً وبعناية بإصدار (التقارير الدورية) من مؤسسات بحث مختارة ونشرها عبر وسائل إعلام – تعمل في نفس المنظومة ومرتبطة بها – بالتركيز على إخراج (الفوارق المدفونة للسطح) وجعلها متداولة عبر تقارير إخبارية ووثائقية، وبثها ليتلقطها العامة وتصبح متداولة، (بث الكراهية والضغائن والفوارق) وأيضا التركيز على سلبيات الحياة اليومية وإعطائها بُعد سياسي وحقوقي، وأيضا يتم (إعطاء الإنقسام السطحي بعد تاريخي وأثني وطائفي وقبلي وطبقي)، والتركيز على كل ما يمكنه (تكسير الوحدة الإجتماعية التي صنعها وجود الدولة الوطنية ومسيرتها عبر الزمن)، وجعلها عليلة تعاني من الإختلال والإستفادة من الإختناقات السياسية والتجاذبات، وإعطائها حجم وتضخيمها وتسليط الضوء عليها، ولاحقاً إستخدام دراما إعلامية عبر (ضخ مبهر وصاخب ومتواصل) وإستدرار العواطف والشجون(سطوة الصورة)، وتحفيز الإنغلاق والجهل والإنفعال والمنفعلين، وإعطائه مداه تحت وصف جهاد، ثورة، ثوار، انصار شريعة، حرية – تحرير – شعوب أصلية …… الخ.
ثانياً مرحلة الطرق:
وتاتي مترتبة على مرحلة التسخين ومتداخلة معها، عبر قصف تمهيدي بالمصطلحات والأوصاف والتسميات بالإعتماد على التاريخ والواقع وايضاً ما يراد أن يتم تلقفه وإستخدامه وتمريره بشكل إنتقائي مقصود جداً جداً، ويستخدم في ذلك المنهج العلمي في نظريات التاثير عبر نسق إعلامي يستخدم نظريتي التأثير الإعلامي (طويلة الأمد – ونظرية التاثير الإعلامي المعتدل) (قنوات تلفزيونية – فيديوهات يوتيوب – أشرطة مسجلة – خطب جمعة منقولة – إصدارات تقارير ودراسات)، بالتزامن مع “نسق التواصل مع شخصيات وأفراد” تتم إدارتهم في نفس الإتجاه ولنفس المعنى، حيث يبدأ (الطرق المتواصل) على المواضيع والتوصيفات والمصطلحات، والتركيز المحموم بإستخدام مصطلحات توصيفية معينة سلبية وإيجابية وفق الأهداف (دكتاتورية – حرية – حقوق انسان)، وأوصاف تقسم المجتمع مذهبياً وقبلياً ومناطقياً وأثنياً مثل (شيعة – سنة – روافض – نواصب – كفار – نصارى – ثوار – تحرير – شعوب أصلية – بدو .. الخ، ومع الزمن تصبح هذه المصطلحات هي الأكثر تداولاً على الألسن، وتسيطر على تفكير وتصرف العامة، وتصبح موضوعها الأهم والحاضر ذهنياً على الألسن، حيث يتم عبر ذلك قيادة (الوعي) الفردي والجمعي، وتتمظهر أشكال لهذه الحالة تبدأ في الصعود والسيطرة على تفكير الفضاء العام، توفر المراد له أن يتمظهر من مجاميع وواقع ونمط تفكير ومنهج تحليل، ويتم الإستفادة من كل هذا بطريقة ذكية ماهرة كلاً فيما يراد له أن يتحقق (مجاهدين للقتال نيابة عن اللعبة الدولية كمرتزقة – القاعدة – داعش وبناتها واخواتها – مجاهدين يجاهدون في بلادهم وأهلهم – مجاميع هائجة متقاتلة بأسباب قبلية ومناطقية ومذهبية وأثنية تكسر المجتمع وتفتته – أدوات هائجة تضرب وتخرب وتقتل في كل إتجاه – حالة من قبول التدخل الخارجي بأنواعه، والجري ورائه وتسويغه).
ثالثاً التشكيل:
وهو المترتب على عمليتي (التسخين والطرق) ومتداخله معهما في نفس الوقت، يبدأ (تشكيل تصورات ومفاهيم وأحداث وواقع مقصود) بشكل تراكمي ومعتدل ومتدرج، ويترسخ ذهنياً الواقع كما يراد له أن يتمظهر، في وصف (جماعات أو شخصيات أو واقع او حوادث) بأوصاف معينة سوى سلبية او إيجابية، (تجريم الجيوش الوطنية – قوات صدام – قوات الأسد – قوات القذافي – تلميع جيش الدفاع الاسرائيلي – إطلاق اوصاف دكتاتور – ثورة – حرية – تحرير – صفوية – روافض – نواصب – علمانية – ثورة – ثوار – مرتزقة – شعوب أصلية – بدو – إستعمار عربي – تحرير – نصر – إستشهاد – جهاد – إعطاء مشروعية للجماعات المسلحة .. الخ) وهكذا يتشكل واقع جديد وغريب على ما يعرفه تاريخ المجتمع والدولة، ويصبح ذلك المجتمع الموحد مكسراً متبايناً، ويتم تصوير وحدته على إنها قهر وخطاء وتاريخي وجب تصحيحه، وتصعد (التصورات الجديد برؤؤسها و تصنع عصبيتها وشخوصها ومصطلحاتها هائجة) يتلقفها ويمررها الإعلام ويصر عليها وفق منهجية، و (يندلف المجتمع عبر هذا السيل والضخ والتسخين والطرق إلى تشكل جديد)، سرعان ما يمتلك أدواته وأسلحته وواقعه وعصبيته، ولا يستطيع المجتمع الفكاك من وباله وقبضته، وتتلقفه أيادي (أدارة عمليات المشروع)، وتتواصل معه وتعطيه مداه السياسي والإعلامي وتمنحه الأُكسجين السياسي، وتنسق معه على إنه حق وواقع لابد من التعامل معه بدعوى الوفاق والحوارات من عاصمة لعاصمة.
وتقوم محددات (نظرية الشعوب المستطرقة، التسخين الطرق التشكيل) في القيام بإستراتيجيات فعالة مدروسة تستفيد من (برامج برمجة الأفكار بالتعامل المجزأ مع القضايا والأفراد) وتمرير إشارات وإيحائات، عبر منهج علمي مدروس جداً وبعناية (مسرح العرائس) بالعمل في منظومة فائقة القوة والقدرة والسرعة، والإستجابة والرصد والفعل والمتابعة والديناميكية في التعامل مع التطورات على الارض بالرصد المجهري للأوضاع وتتبعها في مناطق الهدف، ويتم ذلك بالتزامن والتوازي مع مجموعة إجراءات مصاحبة تقوم بها دول أُخرى إقليمية ودولية، بالإستفادة من المنظمات والتجمعات الإقليميمة والدولية تبدأ بتصريحات (القلق، والدعوة للتهدئة، إرسال مبعوثين) من مجلس الامن والمنظمات المختلفة وفق عمل منسق يدار بعناية في مسارات تخدم الأهداف خطوة بخطوة، وتتصاعد من (قررات حظر، وتجميد الأرصدة، قوائم مطلوبين لمحكمة العدل الدولية، ثم إرسال قوات وطائرات إستطلاع، ثم قصف وتدمير وتواجد على الارض … الخ) والدعوة لحوارات مزعومة بين أسماء مختارة يتم حشرها، وفرض تكوينات مطلوبة، بإعتماد توصيفات محددة وفق خطة وكأنها واقع، يتم من خلالها تلقائياً صناعة (التصور المراد له أن يتشكل عبر عملية (الفوضى الخلاقة والزعزعة البناءة) وهكذا تدار الأهداف وفق (نظرية الشعوب المستطرقة) بإحداث فوضى مسيطر عليها في مسارات معينة بدون الإكتراث لحجم الضحايا، أو حجم الدمار في هذه المجتمعات (أنظر العراق – سوريا – ليبيا – اليمن).
تلكم هي قصة الشعوب العربية مع (نظرية الشعوب المستطرقة)، وهي – أبداً – لا تنفي مشروعية المطالب المحلية، ولا تنفي حقيقة الإختناقات الداخلية والتخلف، وإنعدام التنمية والحاجة للتطور ومشروعية الدعوة له وضرورته في إطاره الوطني، لكننا لا يجب أن نغفل إن شعوب عربية (بشكل انتقائي جداً) تتعرض لعملية إستغلال لظروفها وواقعها وقيمها ومطالبها، بتسخينها ، والطرق على مشاكلها واختناقاتها(أنظر العراق – سوريا – ليبيا – اليمن)، لتشكيل واقعها كيفما تريد (اللعبة الدولية وأذرعها) بالنهب، والدم، والدمار، والتدخل، والإدارة، عن بعد عبر (إدارة عمليات) قوية جداً، وماهرة في إستخدام أدوات (التاثير والتوجيه)، والإستفادة من كل شيء تقريباً، إن ذلك يحصل أيضا نتيجة (لحجم الهجمة وضخامتها وقوة من ورائها)، وأيضاً (لهشاشة النظم السياسية) وضعف علاقة (مراكز البحث الوطنية بالإدارة السياسية) ، و ضعف التكامل العربي العربي – وإنعدام موثوقيتة التي لايخون فيها العربي أخوه العربي ويتأمر مع الغرب لتدميره – هذا التكامل الذي يجب أن يقوم على (الإرادة العربية التي أُستُهدفت عبر عمل مزدوج دولي متناغم مع أدوات عربية لعبت دور القفاز والممول وحصان طروادة) – ( أنظر مقالي: صعود عواصم في دنيا العرب) – ونتيجة (لعدم مرونة الأنظمة السياسية) في مواجهة الأزمات وعدم القدرة على العبور منها بأقل الخسائر، الأمر الذي تحقق إلى الأن في بعض البلدان العربية التي صمدت والتي إمتلكت (قوة إعلامية مؤثرة، ومراكز إسلامها الوطني القوية) و (قوة عسكرية جيش وطني قادر على إتخاذ قرار سياسي في اللحظة الحاسمة الحرجة) والمهارة في (نسج علاقات دولية وفرت لها شيئا من القدرة على مواجهة لعبة الإستراتيجيات الكبرى للنهب) التي لا ترحم ولا يهمها حجم التدمير ولا عدد الضحايا.
والله من وراء القصد
(إنظر ورقتي: “دور الصحافة في الدول المستهدفة بالارهاب” في ندوة الصحافة المغاربية التي اقامتها صحيفة الحقائق وصحيفة بوان شو ، بإنواكشوط 15 مارس 2008
http://www.alwahdawi.net/nprint.php?sid=3912