العرض الأخير (7)

العرض الأخير (7)

  • عبدالرزاق بن علي

اجتمع الأطفال على شكل دائرة كبيرة، وامتزج صراخهم ومرحهم مع توجيهات حارس المدرسة الذي تم تكليفه للاعتناء بهم، وتنظيمهم والحفاظ عليهم، كان الجميع في انتظار قدوم الساحر الذي سيقدم لهم عرضا يلامس رهافة حسهم وبراءة سريرتهم.

هي عادة دأبت مدرستهم الابتدائية النائية على القيام بها في اختتام السنة الدراسية، فيكون مسك الختام ويجد الأطفال في ذلك سببا واحدا يجعلهم ينتظرون العودة المدرسية المقبلة. لقد حرمتهم الفاقة والحاجة حلمهم بطفولة سعيدة. اشتد القيض حين توسطت الشمس كبد السماء واختفت الوجوه الشاحبة الشعثاء وراء ابتساماتهم التي تحدت حرارة آخر يوم من شهر جوان، وكأن تلك الضحكات تخبرك ألا شيء باستطاعته حرمانهم من لحظة الالتقاء بالساحر والتمتع بعروضه وخفة يديه، حتى لو كانت ضريبة ذلك الهلاك تحت أشعة الشمس الحارقة.

انطلق الساحر في تقديم عروضه العرض تلو الآخر وما إن ينتهي حتى تضج الساحة بأصوات الأطفال وتتعالى ضحكاتهم وترى الدهشة قد ارتسمت على ملامحهم الصغيرة التي كادت أن تمحى من أثر الحاجة.

كان الجميع قد انسجم تماما مع “الرجل العجيب” كما يسمونه وترتفع أصابعهم الرقيقة كلما أراد أن يجرب خدعة من خدعه البصرية، فالكل يريد المشاركة وترك بصمته في يوم ربما لن يحضره مرة أخرى. كان في آخر الساحة طفل خجول يسترق النظر والابتسامة من حين لآخر وكأنه لم يعرف معنى الضحك إلا الساعة. لم يكن يشاركهم صراخهم وهرجهم، بل كان يراقب عن كثب وكأنه يقتنص اللحظة المناسبة لاقتحام الساحة. كان العرض مستمرا والجميع في قمة الانتشاء. وازدادت دهشة الأطفال عندما أمرهم الساحر بالهدوء لأمر ما سيحدث فكانت الطريقة الوحيدة التي أعاد بها سكون المكان. أطرق الحضور وانتبه الجميع إلى الرجل العجيب الذي تحركت شفاهه بكلام غير مفهوم وتشابكت يداه تحت لحاف أبيض قد أخرجه من جيبه لا شيء فيه، حتى تصبب من جبينه العرق، وارتفع الأدرينالين في رؤوس الأطفال منتظرين نتيجة ذلك.

ما إن توقف عن الكلام وسقطت قطعة القماش حتى ظهرت مكانها حمامة شديدة البياض لا أحد يعلم من أين أتت، فجأة لم يعد لصراخ الأطفال ولا ضحكاتهم المتعالية اللذين تفاعلوا أيما تفاعل مع ما رأت أعينهم، أهمية بالغة. لقد اقتحم الطفل الخجول الساحة أخيرا دون سابق إنذار وكأنه ينتظر هذا العرض دون غيره واتجه الى الساحر وارتمى في عنقه قائلا:

عمي، عمي لقد شاهدتك كيف جعلت من قطعة القماش حمامة هذه صورة أمي التي توفيت عند ولادتي، أرجوك خذها وانفخ فيها كما فعلت مع الحمامة وأحضر لي أمي في الحال.”

غادر الجميع الاحتفال الذي لن تعاود المدرسة تنظيمه مرة أخرى، ولازال الطفل ينتظر من يبعث الحياة في صورة أمه حتى الآن وقد تزوج وكسى الشيب رأسه.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :