العطاء ليس دليلاً ولا مقياساً على المحبة والرضي…!!

العطاء ليس دليلاً ولا مقياساً على المحبة والرضي…!!

قال تعالي:- (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَة ((الأنبياء:35 ( 

أي: نختبركم بالمصائب تارة، وبالنعم أخرى، لننظر من يشكر ومن يكفر، ومن يصبر ومن يقنط، كما قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس:   (وَنَبْلُوكُمْ( ، يقول: نبتليكم بالشر والخير فتنة، بالشدة والرخاء، والصحة والسقم، والغنى والفقر، والحلال والحرام، والطاعة والمعصية والهدى والضلال..
يقول سيد قطب: “والابتلاء بالشر مفهوم أمره ليتكشف مدى احتمال المبتلى ، ومدى صبره على الضر ، ومدى ثقته في ربه ، ورجائه في رحمته .
فأما الابتلاء بالخير فهو في حاجة إلى بيان .
إن الابتلاء بالخير أشد وطأة, فكثيرون يصمدون أمام الابتلاء بالشر ولكن القلة القليلة هي التي تصمد للابتلاء بالخير .
كثيرون يصبرون على الابتلاء بالمرض والضعف، وقليلون هم الذين يصبرون على الابتلاء بالصحة والقدرة .
كثيرون يصبرون على الفقر والحرمان، فلا تتهاوى نفوسهم ولا تذل, وقليلون هم الذين يصبرون على الثراء ومغرياته وما يثيره من أطماع .
كثيرون يصبرون على الكفاح و الجراح، وقليلون هم الذين يصبرون على الدعة, ولا يصابون بالحرص الذي يذل أعناق الرجال .
إن الابتلاء بالشر قد يثير الكبرياء، ويستحث المقاومة ويجند الأعصاب لاستقبال الشدة, أما الرخاء فقد يرخى الأعصاب ويفقدها المقاومة, إلا من عصم الله، وصدق رسوله الله-صلى الله عليه وسلم-حيث يقول:  (عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له)  (أخرجه مسلم( .
والله تعالى يحذر عباده من خطورة كثرة النعم وعدم الأخذ في الاعتبار أن هذه النعم ليست دليلا على رضا الله على العبد وإنما هي ابتلاء من الله واختبار
يقول تعالى): يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) (المنافقون:9)
لذا نجد أن النبي-صلى الله عليه وسلم- قد خاف على أمته فتنة وبلاء الخير والسعة أكثر من فتنة الشدة والشر، كما في الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه، أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين يأتي بجزيتها، فقدم أبو عبيدة بمال من البحرين، فسمعت الأنصار بقدومه، فوافقت صلاة الصبح مع رسول الله-صلى الله عليه وسلم- فلما انصرف تعرضوا له، فتبسم رسول الله-صلى الله عليه وسلم- حين رآهم وقال:  (أظنكم سمعتم بقدوم أبي عبيدة، وأنه جاء بشيء. قالوا : أجل يا رسول الله، قال: فأبشروا وأملوا ما يسركم، فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا، كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتلهيكم كما ألهتهم ). وفي رواية:( فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم(.
وقال-صلى الله عليه وسلم:-(أخوف ما أخاف عليكم ما يخرج الله لكم من زهرة الدنيا)، قالوا: وما زهرة الدنيا يا رسول الله! قال: بركات الأرض إن هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذه بحقه، ووضعه في حقه، فنعم المعونة) (أخرجه مسلم)
فالعطاء ليس دليلاً ولا مقياساً على المحبة والرضي, وإنما هو ابتلاء من الله واختبار له, لينظر حال العبد في هذا الامتحان ولا أدل على هذا من حديث الثلاثة:  (الأقرع, والأبرص, والأعمى(  واختبار الله لهم بالرخاء وكثرة المال والسعة …

فينبغي على العبد حال الرخاء, أن يعمل بما في يده طاعة لربه, وأن يقوم بحق هذا المال والرخاء الذي وسع الله به عليه.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :