العمامة، والمجزرة- الفضيحة..

العمامة، والمجزرة- الفضيحة..

بقلم :: ابوبكر عبد الرحمن

العمامة التي لطالما إحتقرتها، ولازلت أكرهها إلي اليوم هذا، أظهرت يوماً في سبها جدوي أكثر فائدة، وتحمي، علي أقل تقدير، من شمس الصيف في الصحراء القاحلة من نطاق عسكري ضيق علي الخصر، لايصلح إلا لإبراز الكرش، وتوجيه لكمة، تكاد تكفيه، تحت الحزام، ليخسر شرفه في نهاية الأمر، و نياشينه التي قضي حياته في تلميعها، لينفش بها ريشه علي الجنود و ضباط الصف وطباخي الميز، ذلك أن موقفها كان أشجع من ربطة العنق الحمراء، التي يرتديها نابليون بونابرت هذا، ويمشي تارة متبختراً بجفاء، وتارة أخري جالساً علي كرسي للعب الطاولة، في عروض تهريجية، يظهرون فيها، المشاة والضباط، ولم يتغيب حتي طباخي الميز، في إحتفال تخريجهم، ومن ثم تأبينهم، في صورة أكثر بشاعة من لوحة الثالث من مايو 1808، للفنان غويا، ولم تكن للقيادة كلها، لسان ينبس ببنت شفة عن ماجري لهم، خاصة وأن عدد ضحايا المجزرة-الفضيحة، يفوق عدد أكثر من ثلاثة فصائل، إلا أنهم والحق يقال، عزٌل بلا حماية ولا سلاح، لأن المليشيات اللعينة، لم تترك ولا قطعة سلاح في السوق السوداء، قد يبدو هذا العذر براز، ولكنه ليس أقبح من ذنب، لأن الثوري أليخاندرو مايتا كان يحمل من القطع الحديدية – التي يسميها الفجليون البنادق- أكثر مما يمتلكها أصحاب العمامة، في اللواء السادس مشاة، فقد كانوا عشرين شخصاً تقريباً في تلك المعركة، يناير 2014 في المدينة، أي كانوا أكثر عدداً من تنظيم مايتا المؤلف من سبعة أشخاص، أربعة منهم طلبة، في أسابيع الفرقعة التي عاش أحداثها الليبيين، وجيرانهم التشاديين، فقد كانت ديوك الأحزمة العسكرية متدلية الكرش، تنفش ريشها إلي الأعلي في بداية الأمر، فاشية، إلي النجوم، بعيداً عن قواعدها، فيما كان أصحاب العمامة يلعبون السيزة والفص(1) علي رمال الصحراء قريباً من زرايب الإبل والمعيز التي يربونها، فقد كان الفرق بينهما كبير، ويبدو علي الأول في وهلة من الإمتيازات والتفاخر بأمجاد لم تتحقق بعد، أنه غير مبالِ، أم الثاني الذي يبدو عليه عدم الإكتراث والتغييب عن الأحداث التي تجري حوله، لأنه كان منبوذاً ومحتقراً حتي مني، ومبعداً، فالصحافي يبصق علي عمامته، والأديب يلعنها، والسياسي يمقتها، والرجل الذي يظن أنه الذكي الوحيد في العالم هذا يسميها خاصة منع الذكاء، وكانوا يحملونه كل ما لايكترث له ومغيب عنه ومبعداً منه، وكان غير مبالِ أيضاً، ربما ترجع هذه الأسباب في صلابت موقفه وشراسته، فيما كان الأول عكس ذلك، مشتتاً في مواقفه ومهزوماً، كانت العمامة لاتزال تقاوم بعشرين شخصاً إلي اليوم هذا، وكان النطاق العسكري يظيق كلما إزداد عدد الفصائل،

كانت العمامة تقيم واجب العزاء في قتلي براك، كما صورتهم لوحة الثالث من مايو، وشاركت في تضميد جراحهم بخرق قماشها البالية، ولولا تدخل العمامة في اللوحة المجزرة-الفضيحة، لضاق النطاق العسكري حتي تنزلق الأمعاء خارج الكرش، وكانت اللكمات أكثر حدٌة من لكمات كلايُ، بينما علي العكس ، تغيب النطاق الذي يبرز الكرش والذي لايصلح إلا لرجيم عن واجب العزاء، وعن الواجب العسكري، وعن شرف النياشين، وعن فاشية النجوم الذهبية،
كان النطاق العسكري يسعي منذ اللكمة الأولي لرد الإعتبار، والقضية الشخصية التي كانت بالقيافة والنطاق العسكري، والصحافي الذي كان يبصق، والأديب الذي كان يلعن، والسياسي الذي كان يمقت، يجعلك تعيد النظر في نظرية داروين،
النطاق العسكري، والصحافي، والأديب، والسياسي، هم من جعلوا فرانك كافكا يجلس علي كرسي مثل كرسي لعب الطاولة أمام الألة، ويكت بسخرية المسخ،
كانت أنواع النطاق العسكري كثيرة، منها الفاشستي والستاليني، في الحرب العالميىة الثانية، ومنها الياباني والأمريكي، عندما هدم السلام بينهما وأنتهي في حادثة مروعة، ومنها القطريٌ والسعودي التي أقيمت في ليبيا، ولكن العمامة التي كان يرتديها الكوني في مراثيه، مراثي أوليس، بل وحتي العمامة الحمراء التي أرتداها هيرودوث قديماً، كانت هي نفس العمامة التي يرتديها، في سبها، صاحب العمامة.
نطاق العسكري، والصحافي، والأديب، والسياسي، ورائهم يجلس فرانك كافكا علي كرسي ينظر إليهم في صمت، كانوا مجرد حلم من أحلام تشارز بوكوفسكي
.
لازلت أحتقر العمامة، ولازالت ذات جدوي، وتحمي من شمس الصيف في الصحراء القاحلة، من نطاق برازي لايصلح إلا لأبراز الكرش.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :