الغيبوبة

الغيبوبة

بقلم : عاشور بوراشد

نحن أعداء أنفسنا وطن بحجم قارة ، مواطنوه أقل من ربع سكان مدينة كبيرة!! بإمكانيات مادية هائلة ! إرث إنساني حضاري غير مقروء يمتد عبر التاريخ . بمرجعية دينية وسطية خالية من الطائفية . موقع جغرافي فريد يتوسط البحر الأبيض والشمال الافريقى بإطلالة مباشرة على الجنوب الأوروبي .

تاريخ جهادي شهد به الأعداء نيابة عنا، تجربة إنسانية تعليمية فريدة لم تحدث ولن تتكرر ( تقرير منظمة اليونسكو 1968 ) خارطة اجتماعية متشابكة شرقاً وغرباً وجنوباً قل نظيرها في المجتمع المعاصر

فما الذي حدث ؟

تتطلع الشعوب في صراعها من أجل حريتها أن تكون مشاركة في القرار السياسي الذي يحكمها في ما يعرف (بديمقراطية القرار ) إلا أن البشرية والتي تشكلت إبتداءً بالاسرة تلتها القبيلة ثم المدينة وصولاً للدولة والتي اقترنت ولادتها بآلية لإدارة شؤونها تضمن أداءها مصحوبة بالثواب والعقاب باعتبارها سنة كونية وهو ما يعبر عنه ( بديكتاتورية الإدارة ) في غفلة من التاريخ وخلافاً لهذه الثوابت تم الإعلان في ليبيا عقب خطاب زواره في العام 1973 عن رفع شعار ( ديمقراطية الإدارة ) ليتم شرعنة الجهوية والقبلية والمحاصصة فتمزق النسيج الاجتماعي دون وعى ولتطبق قولاً وفعلاً على أرض الواقع لتجسد ثقافة الإلغاء والغنيمة فغاب الولاء والانتماء للوطن وتلاشى معياري المواطنة والكفاءة وسقطت الكلمتان تماماً من القاموس الليبي ، وعلى مدى أكثر من أربع عقود ترسخت هذه الثقافة وأصبحت المطالبة بها حقاً مكتسباً ومشروعاً يتم المطالبة به دون خجل وعلى رؤوس الأشهاد ، عندما فوجئنا بمن يطالب بمقابل للدفاع عن الأرض والعرض وبمدينة تتطلع لالتهام وطن وقبيلة تسعى لالتهام إقليم وعشيرة تلغى قبيلة وأسرة تلغى عشيرة في متـــــوالية مقيتــــــة لا نهاية لها .

إن الضائقة التي يمر بها الوطن الآن والصراع على السلطة والحوار السياسي ليس من أجل الوطن ويعتبر ترجمة صادقة وتجسيد حياً لهذه الثقافة ، في غياب لإرادة الغالبية الصامتة والتي تتطلع إلى أي وفاق ينهى معاناة المواطن الأمنية والاقتصادية ، فالوضع الراهن لم يعد محتملاً و الأكثر إيلاماً في المشهد بعض أولئك الذين يتصدرونه ويتحدثون بتشنج عن الوطن والمواطن باسمه ونيابة عنه دون تخويل منه .

المواطن الذي اقتلع سنه الذهبية وفرح كثيراً عندما أبلغه التاجر أنها تساوى سبعون ديناراً . المواطن الذي قايض علبة الطماطم بعدد ضئيل من أرغفة الخبز . وطن تلهج الألسنة باسمه وتمزقه الأيدي إلى أشلاء في ازدواجية صارخة تشكل تراجيديا إنسانية معاصرة .

يبقى الإقرار بأن هذه الثقافة قد شكلت ولا زالت سلوكًا ، غاب معه الانتماء للوطن والمواطنة ، والإعتراف بها هو الخطوة الأولى للتخلص منها ، لكي لا يطول عداؤنا لأنفسنا .

 

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :