كتب :: المستشار :: ناجي بلقاسم
من المعروف أن الفساد الإداري ليس ظاهرة محلية وإنما ظاهرة عالمية تعاني منها أغلب دول العالم ، وهذه الظاهرة شغلت أبعادا إدارية ومالية وسياسية في الفترة الأخيرة . ويمكن تعريف كلمة فساد في اللغة أنها جاءت من الفعل (فسد) وهي ضد صلح وتعني أخد المال ظلماً ، واصطلاحاً: هو وجود خلل في الأداء نتيجة الخطأ والنسيان واتباع الشهوات والزلل والانحراف عن الطريق المستقيم ، وهو أيضاً سوء استعمال السلطة لتحقيق مكاسب خاصة أي استعمال السلطة العامة المرتبطة بالوضع الوظيفي كوسيلة للمنفعة الشخصية أو لصالح الغير عن طريق خرق القانون . والجدير بالذكر أن القرآن الكريم قد تناول جانب الفساد وتعددت الآيات التي تذكر لفظ الفساد ، ويذكر أن الانطباع الأول الذي تبادر عند الملائكة حينما خلق الله تعالى آدم، و أخبرهم أنه جاعل في الأرض خليفة كان استفهاماً على إنشاء المخلوق الجديد، وذلك بقولهم : (( قالو أتجعل من يفسد فيها ويسفك الدماء )) ومعنى ذلك بأن الأرض كانت مكاناً يسوده الاطمئنان والسلام والهدوء ، لا فساد فيها ولا خراب ولا تجاوز حتى كان هذا المخلوق المكرم عند الله مبدأ الفساد وسفك الدماء ، وكان الرد الرباني على هذا الاستغراب الملائكي : ((إني أعلم مالا تعلمون)) إشارة إلى سر هذا المخلوق وحكمة وجوده على الأرض ، ولعل في الجواب الإلهي للملائكة إقرار بهذا الجانب في الظاهرة الإنسانية وكان الفساد وسفك الدماء ملازمان لطبيعة الإنسان بما يملكه من قدرة على الاختيار والإرادة والتجاوز.
*أسْـبَـابُ الْـفَـسَـادِ الإدَارِيّ : ترجع أسباب الفساد الإداري إلى أسباب داخلية داخل الإدارة نفسها أسباب خارج الإدارة تختص بالبيئة المحيطة وقد تكون عوامل متداخلة بين العوامل البيئية والاقتصادية والسياسية التي يوجد بها الموظف، وبما أن هذه العوامل قد تختلف من دولة إلى أخرى فإن شكل الفساد سيكون مختلفاً كذلك ، ويمكن إجمال أسباب الفساد الإداري في الآتي : 1ـ عدم وضوح القوانين أو صياغة القوانين واللوائح المنظمة وذلك نتيجة لغموض مواد القوانين أو تضاربها في بعض الأحيان الأمر الذي يعطي الموظف فرصة للتهرب من تنفيذ القوانين . 2ـ غياب الوازع الديني . 3ـ انعدام الرادع القانوني وضعف الرقابة أو الافتقار إلى القيادات الإدارية الملتزمة. 4ـ تدني الأجور والمرتبات والظروف المعيشية الصعبة أي عدم القدرة على الوفاء بمتطلبات المعيشة . 5ـ وجود الهياكل التنظيمية القديمة وغير المناسبة لظروف العمل . 6ـ الإغراءات الخارجية التي يسببها تأثير بعض الشركات سعياً في الحصول على بعض العقود والصفقات التجارية . 7ـ العادات والتقاليد السائدة وانخفاض المستوى التعليمي وضعف وسائل الإعلام عن ممارسات الفساد الإداري بكافة أشكاله . 8ـ وأخيراً ما تواجهه الدول النامية من تغيرات في الحكومات والنظم الحاكمة الأمر الذي يخلق جوا من عدم الاستقرار السياسي مما يهيئ الجو للفساد الإداري . *مَـظَـاهِـرُ الفَـسَـادِ الإدَارِيّ : الفساد الإداري كأزمة وظاهرة سلبية موجودة في العصور والأزمنة الماضية والحاضرة في كافة الدول والمجتمعات ، ونجد أن اختلاس الأموال العامة والرشوة وإساءة استعمال السلطة للموظفين على كافة مستوياتهم وتحرير النصوص القانونية والتشريعات واختراقها من مظاهر الفساد الإداري . وهذه الصور جميعاً تعد بمثابة سموم تعمل داخل البناء الكلي للمجتمع وتنظيماته المختلفة وتهدد النظام القائم ، وهناك العديد من المظاهر الأخرى للفساد منها انتهاك الإجراءات لخدمة المصلحة الشخصية والاستفادة من المردودات الناجمة عن برامج التطور للمنظمات ودفع الرشاوى للحصول على دعم تشريعي للأغراض الشخصية وإنشاء مشاريع وهمية والتلاعب في قوائم الرواتب والتزوير بجميع أشكاله ، وينتج عن هذه المظاهر آثار وخيمة إذا تركت هذه المظاهر المتعددة دون معالجة للموضوع ويترتب عليها أضرار اقتصادية واجتماعية وسياسية . *آثَـارُ الفَسَادِ الإدَارِيّ : للفساد الإداري آثار متعددة يترتب عليها خسائر كبيرة ، أهم هذه الآثار ما يلي: 1ـ الآثار العامة : الفساد يقتل إحساس الثقة في السلطة السياسية لأنه يقتل مصداقية الحكومة في أذهان الجمهور والاستهانة واللامبالاة بالمصالح العامة وإضعاف جودة الخدمات العامة والسعي وراء الربح غير المشروع . 2ـ الآثار السياسية : كونه عاملاً أساسياً في تفويض الجمهور بالسلطة السياسية ومصدرا من مصادر عدم الاستقرار السياسي . 3ـ الآثار القانونية : وتتمثل في عدم الامتثال للقانون والإضعاف من هيبته ودوره المنظم والتوجيهي للسلوك في الوظيفة العامة . 4ـ الآثار الإدارية : هي اجتذاب الأفراد المتورطين في قضايا فساد وتكوين الشلل الفاسد للإدارة وطرد الأفراد الأكفاء النزيهين . 5ـ الآثار الاجتماعية : يؤدي الفساد إلى تراجع معدلات النمو الاقتصادي وهذا بدوره يساعد على تدني مستوى المعيشة ، وزيادة كلفة الخدمات الحكومية وأيضاً تعميق الفجوة بين الأغنياء والفقراء . 6ـ الآثار الاقتصادية : تشير العديد من الدراسات أن الفساد الإداري والمالي له آثار على النمو الاقتصادي ، حيث إن انخفاض الطلب الكلي سيؤدي إلى تخفيض معدل النمو الاقتصادي . *من خلال ما سبق ذكره يمكن استنتاج أهم التدابير التي يمكن لها أن تكافح هذا الفساد ، إما أن تكون تدابير سابقة كخلق الولاء الوطني والارتقاء بالوظيفة العامة وأخلاقياتها واختيار القيادات النزيهة وتحسين ظروف ومزايا الوظيفة العامة ، وإما تدابير لاحقة أي من خلال اعتماد التشريعات والقوانين الصارمة وتركيز الأجهزة الإدارية ووسائل الإعلام على الكشف عن الفساد ونشره .