المؤدى (الشعري/ الفلسفي) بين الذات والاخر في نص (عيون لا ترد) للكاتبة هدى حجاجي

المؤدى (الشعري/ الفلسفي) بين الذات والاخر في نص (عيون لا ترد) للكاتبة هدى حجاجي

  • حيدر الأديب
حيدر الأديب

لا يمكن فهم الاخر الا بفهم الذات يقول الفيلسوف الفرنسي ادغار موران (ان الاخر موجود في صميم الذات) وهوية الذات هنا ليست معطى بل تحاول أكمال نواياها في صيغ التحقق في الأخر المعشوق بل الهوية هي تأويل شعوري للذات ينتهي بمدلول حاسم هو صورتها النهائية في هذا المعشوق وما نعنيه بالتأويل الشعوري للذات هو ممكناتها في النزوع الى تمثل كينونتها بما فيها الاخر وما حولها كحركة مفهومية تتشخص ضمن محددات مصداقية متعددة هذا في الواقع أما في التمثيل الأبداعي الأدبي فان الذات تلجا الى التخيل لرسم الاخر داخل استعمالات اللغة رسم من شانه ان ينتج تمثلا مجاوزا او متخيلا او محاكيا او متناصا في مشهد مبتكر يتخذ احد اشكال تحققه من قصة او مسرح او قصيدة او خاطرة في نص (عيون لا ترد) نرى ان الذات هي زمن يتشكل حبا في الاخر يتشكل شعرا في جسد الحياة واللغة عبر متخيل سردي تكمن فيه محفزات شعرية داخل بنية الوصف سنرى تطبيقاتها تباعا والمتخيل هنا في هذا النص هو حاضنة تعمل بوجهين الأول هو احتفاظها بالواقع من حيث مادته الأولية ومن ثم تقوم بتغييره او تشكيله تشكيلا جديدا وتطويره اذن هو متخيل تجاوزي يطرح الواقع (إمكانا أو افتراضا أو احتمالا) فهذا الواقع محصلة وليس معطى محصلة تجشم النص كشف بناها وانساقها وهو غير مسؤول عن تعضيدها أو الغائها بل هو يحمل مهمة أخطر من ان يتبنى او يرفض عبر مؤشراته أنه يقوم بزعزعة مرجعيات الواقع في بناء مواز من الإمكان والافتراض والاحتمال كي يهب اكتشافات اخر من المعرفة في الفهم الاخر هنا هو واقعة أدبية تحركت فيها هدى حجاجي عبر ممكنات شعرية كامنة في السرد يمكن ان نطلق عليها المؤدى الشعري في طاقة السرد الذي يفترض واقعة فلسفية كعتبة ينزاح عنها النص ويمكن ملاحظة تمثلا السرد فلسفيا عبر هذه المشاهد ويسأل المرء نفسه دائم السؤال.. هل الحب عقوبة أم جائزة؟! متى انطفأ هذا البريق السافر في عينيك المشتعل برغبة التحدي والذوبان ثم الانصهار.. والاصرار الذي يولد مكانه نظرة زائغة ونهمه إلى كل ما حوله …؟! عدت من جديد أتساءل عنك عن الأفق الغائم.. هل مازال بين البشر من يمتلك القلب الممغنط للنور؟ لم تسقط الأوراق عمدا بين يدي كي أحدثك عنها وتحدثك عني.. لكن ثمة أشياء لا ترد الغائب ولا ترد الحاضر أيضا إذا صح التعبير.. هل من دخل من باب خوض تجربة جديدة والسباحة في قلب لم يسبح فيه أحد؟ من قبل لا أعتقد.. ألمح في حديثه صدقا مرمريا وحزنا يشبهني. ماذا لو كل الجميع كانوا أنت!! فما تفسير الواقعة الفلسفية التي القت الوانها على رسم هذا الاخر (المعشوق) انها ببساطة علائق المغزى في ذهن المؤلف صوب موقف محدد من الحياة هذه العلائق هي الذات المنتجة تأويليا من فهمها لذاتها بمعنى أدق الذات جهد تأويلي لممكناتها المعرفية فحين تتجه صوب واقعة ما او حادثة ما فهي تقيم حوارا تأويليا معها في دائرة المغزى ومنها تنزاح الكاتبة الى الواقعة الأدبية والتي تعني الأجابة الأحتمالية على اشكال وماهيات الأسئلة التي تطرحها الواقعة الفلسفية لكن ميزة الواقعة الأدبية أنها تنتج فضاءها ليكون المعنى هنا (ستراتيجية فضاء تموضع المغزى وفق إكراهات طبيعة اللغة والأخر المتلقي) ومن هنا نعرف ان مهمة التأويل هنا هي الإمساك بالحصص الغائبة من المغزى عبر سيرورة تدليل سيميائية لا تكشف عن مضمون سابق في الواقعة ولا تعين معنى فهذا وكما يؤكد سعيد بنكراد (السيمائيات بحث في المعنى لا من حيث أصوله وجوهره بل من حيث انبثاقه من نصوص شتى) اذن المؤدى الفلسفي وكما هو الشعري يعمل بتعاضد ضمن المتخيل في الواقعة الفلسفية والواقعة الأدبية كفضاء يتم فيه (التحول المسخي) حيث تتحول الأشياء من التقاطب المحيد بشروط الى التقاطب المعقد والمتشابك والمرصود بتواريخ متوازية (المتلقي بوصفه شريكا / النص بوصفه ممانعة للانزياح) ولنحاول هنا بشيء من الودية فهم كيف يشتغل التخيل في هذا الفضاء المشاهد السابقة هي مشاهد متطورة في بنية السرد المتضمن ممكنات شعرية كامنة وفلسفية في هذا المزج (عدت من جديد أتساءل عنك عن الأفق الغائم.. هل مازال بين البشر من يمتلك القلب الممغنط للنور؟) لم تسقط الأوراق عمدا بين يدي كي أحدثك عنها وتحدثك عني.. لكن ثمة أشياء لا ترد الغائب ولا ترد الحاضر أيضا إذا صح التعبير.. هنا مشهد حجاجي يلعب فيه تركيب السرد وسيطا ما بين الفكرة / المفردة / القيمة / الفعل المترتب عليها وبهذا الخصوص اعتبر اوستن ” ان التلفظ بالجملة ليس وصف ما يجب معرفته اثناء القيام بفعل ما وليس اثبات الفعل بل انه الفعل نفسه ” بمعنى ان السؤال هنا هو فعل يقوم على منطق اللغة الي يعني (وجود طابع استدلالي في بنية اللغة الطبيعية ووجود علاقات استنباطية بين مكوناتها دون اللجوء اصطناع هذه المكونات او صورنتها) 1(104) هنا اللغة تشرح اللغة وسلسة المقولات المنجزة فيها ذات تعابر فلسفي شعري حجاجي تظهره سيرورة التدليل ضعفا وقوة حسب دوافع المقصدية داخل مجال الممكن والمحتمل في الواقعة الأدبية لنعد الان الى مطلع النص في داخلي حديقة أزهارها ذبلت، ومزقت الرياح فراشاتها، سُرِقت منها الحياة وانتهى المشهد الجميل الذي كان يطل من نافذة عينيها.. الحزن الذي تحالف معهما ليعلن حربا عالمية جديدة يكون فيها قلبها هو الشهيد الوحيد.. .. هل يشعر بآلام التمني بداخلها أم ترى يراها آلام لأمنيات لم تخلق لمثلها؟ هذا المطلع مؤدى شعري ضمن بنية سرد يطلق عليها (الصورة السردية) وهي الصورة التي تعرض الأشياء متحركة اما (الصورة الوصفية) فهي التي تعرض الأشياء في سكونها ودلالة هذا المؤدى هو الذات بوصفها اغترابا داخليا (ذبلت ازهارها / مزقت فراشاتها / سرقت حياتها / تعطيل النافذة بحذف المشهد الجميل) بوصفها حدثا مضى في تاريخ النفس الاغتراب حدث وحبكة مرمزة زمنيا بوحدات التصدع والانهيار والسرقة وصولا الى هذا الوحيد الشهيد الاغتراب الذي يتناوله بندول السؤال ذهابا وإيابا (آلام التمني / آلام لأمنيات) اغتراب يؤدي لمستحيلات التحقق فهي لم تخلق لمثل هذا الثراء هذه التمظهرات هي كوامن شعرية في استعداد السرد تمثل مؤدى شعري استغرق وصفا وهي مظهر في حداثي في بناء النص يمضي النص برصد تاريخ الاخر عبر سطر نحيل عندما أكتب عنك فأنت لا تزد عن.. (ليس أكثر من نقطة حبر سقطت من قلمي وغمقت في أحد سطور الذاكرة).. فيتوارى الاخر كفسحة ضئيلة لا تحمل تاريخا يعتد به لثبات هويته فقد غمق في سطر غير مسمى من سطور الذاكرة (عندما أكتب عنك) ان هذا التبدد للاخر هو من جهة أخرى وعي الأنثى بهيمنة التخلي عن حطامه المتواري (انت لا تزد) / (ليس أكثر) انه رصد لمحو تام للاخر في سطر قصي وهذا ما تحاول البطلة هنا عرضه من ابعادها الذاتية نرى في المقابل ان الاخر يرد بذات لنطالع مشاهدا اخر تمت بمؤدى شعري حجاجي لبرهنة ولتوكيد الذات ولطرح كينونة السؤال – حين تعشق تثق.. تغمض عينيك وتستلم تمشي على تلك الاحلام الزجاجية التي كسرت وكأنك تمشي على مساحات من النقاء – هل من دخل من باب خوض تجربة جديدة والسباحة في قلب لم يسبح فيه أحد؟ من قبل لا أعتقد.. ألمح في حديثه صدقا مرمريا وحزنا يشبهني. – ماذا لو كل الجميع كانوا أنت!! تدلف البطلة الى التحير والنكوص لاستعادة تلك النقطة من ذلك السطر وليحيا التمرد وصفقت طويلا لعودته – هل تصدقون أنني لم أره حتى تلك اللحظة التي أحدثكم عنه فيها، هذا شيء آخر يريعني تآلف مع روحه مع كتاباته التي أحس أنه كتبها من روحه وإن كانت لي بعض الأحيان وتحمل اسمي.. كتبها لي وأنا أيضا كتبت له حتى أخبره.. – لكن ماذا عني؟ – ماذا عن الجسد الذي أثقله وأرهقه الوجع؟ – حدثني أنه مختلف.. لم نكن في حاجة لسماع ذلك.. لم نكن في حاجة إلى سفر أو غياب.. نحس الاختلاف.. لكنها تخافه، حدثني سرا بالأمس هل يشعر هو بخوفها؟ يلتمس له العذر أم يراه مرضا مزمنا لا يشفيه الحب؟ – هل يقدر تأججها بين أيقونات الروح.. الفرح.. الخوف.. الحزن.. الهيام؟! وبعد هذا ينتابها الشعور بالحيرة وحدائق الأسئلة الموحشة – بين طرفين فإن فاز وربح فهذا من حسن الحظ أم أن أخفق وفشل فلا راد لقضائه) … – ماذا سيفعل إزاء هذا؟ – هل يركب معها هذا التأرجح؟ أم ينجو بها من ارتباكات الحلم ويزرع في صحرائها شجرة خضراء تتسع لنحت اسمها ليس وحيدا هذه المرة؟ – ماذا ستفعل هي إزاء ذلك الشعور المحبط.. هل ستفتح قلبها على مصراعيه لتستشعر طعما جميلا لأول مرة أم يجذبها الخوف والتراجع لهوة سحيقة ترتضيها مع مرور الزمن. تجنح القصة الى تقنية الميتا فكشن لتخرج البطلة من هيمنة الزمن النفسي الى فضاء الزمن الحقيقي تخرج من فخاخ التلقي لتشهد حضورا من نمط اخر لتشهد ذاتها تتأول في سرد جديد ليكون الاخر هنا هو معشر المثقفين لترميهم بنقطة صفراء تسر الناظرين معلنة أنا لا أعلم لكنني ألهث خلف الحقيقة قبل أن أنهي صفحات قصتي أو أنهي محاضرتي.. علني أغير من تلك الصفات تاركة نفسي للأمل المفقود أو لنهاية تزور مخيلتي الآن.. في عيني لا ترد، لم أكن اعرف وقتها ان المثقفون يقدسون تحرير أفكارهم بالكتابة وكأنها وجهتهم الوحيدة للخروج في نزهة إلى الحياة.. لم أجد غير صفحات أمامي مفتوحة تقول سارة: ليسقط التمرد! سارة: ليحيا التمرد! وقد تلا همام على سارة هذا الفصل الصغير فاستملحت الفكرة وصفقت لها طويلا. قال همام: كفاية لقد ظفرنا بتصفيق الممثلة الوحيدة للرواية …لم يكن إلا حبا بعيون مجردة. تنتمي هذه القصة الى طبيعة البناء الفني الحديث للقصة القصيرة وتتكون من جملتين هما جملة البداية والنهاية بمعنى أنها زوجية البناء وليست كما هو البناء الشائع استهلال وذروة ونهاية ومن اللطيف أن أشير الى مبدأ الزوجية العام في النسق الكوني وان قصة يوسف لها جملة أستهلال وخاتمة تتحدث عن ذات المضمون (إني رأيت أحد عشرا كوكبا رأيتهم لي ساجدين) ويختم ب (ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا) الذات والأخر / سارة / همام / الشهيد الوحيد / أسئلة الحب / الحيرة / العيون التي لا ترد / ألهث خلف الحقيقة قبل أن أنهي صفحات قصتي أو أنهي محاضرتي هذه كلها نظام سيمائي وهي كعلامات مودعة في النص فانها مضمونات عديمة الشكل والنص هو من يقود هذه المضمونات من اشكالها المحايدة الى وجود فعلي من القيم وهو بهذا يقوم بخلق مقامات خاصة دلالية مقتطعة من معجم عام وهذا الاقتطاع تم تكثيفه الى عالم قيمي مواز للواقع المهم هنا جدا اننا لا نسائل المضمونات العائمة ولكننا نسائل اشكالها الخاصة في التحقق ولذا فان (الطريقة التي تتحقق بها هذه القيم هو ما يشكل المدخل الرئيس نحو فهم (الطبيعة الأيديولوجية للمعنى او الميكانيزمات التي ينتج عبرها المعنى / وينحاز / الى جهة بعينها ويتحول الى / حكم/ و / تبرير/ و / تصنيف) بهذا فان المبدع لا يخلق قيما حتى نتوجه اليه بالحكم بصحتها من عدمه ومن تقبلها او لا بل هو يخلق اشكال جديدة لتحقق القيم وعلى هذا نقول ان طبيعة البناء الفني لقصة (عيون لا ترد ) هو زوجي له جملة استهلال وله جملة نهاية ولا نلغي بطبيعة الذروة ولكن نلغي التصور السابق والكلاسيكي لها في أنها متواجدة في منتصف المسافة بل هي ( ليس الا اللحظة التي يصل فيها الصراع بين الجملتين فيها معا الى التكافؤ وقد لا تكون هذه اللحظة في موقع واحد في المنتصف مثلا ولا بطريقة فنية ثابتة كأن يكون سردا أو شعرا انما هي تحصيل حاصل فعل الجملتين معا داخل سياقات الحدث اذ ليس هناك قافية تلزم القاص التمسك بها كلما قطع في رحلة النص شوطا كي يصل الى هذه النقطة المعينة من النص لينشئ الذروة ) ولكن ما هو الحدث ؟ انه هنا وبحسم وحسب بول ريكور هو ليس مجرد حادثة بل هو او شيء يقع بل هو مكون سردي وبهذا تكون الحبكة بحسبه أيضا هي وحدة مفهومة تكون ظروفا واهدافا ووسائل وعواقب ومبادرات غير مقصودة

…………………………………………………………….

المصادر لما بين الأقواس

سعيد بنكراد / السيميائيات مفاهيمها وتطبيقاتها

عمارة ناصر/ الفلسفة والبلاغة

طلال خليفة / مستويات السرد الوصفي

ياسين النصير / ما يخبئه النص

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :