( معركة المدهونى عنوان)
- عبدالحق القريد
دون الخوض في تعريفات المجتمع المدني واقوال الاخرين من الفلاسفة والمنظرين وعلماء الاجتماع عنه وحول تطوره ، ونشاته نلج مباشرة الى المجتمع المدني في ليبيا كممارسة شعبية ، ونشاط مجتمعي مارسه الشعب الليبي دون قوانين منظمة ، وكان أبرز ملامحه ظهوره في صورة رائعة عند مواجهة الاحتلال الإيطالي حيث هرع الليبيون رجالا ، ونساء كل يؤدى دوره فى نسق جميل فكانت صفوف المقاتلين من المجاهدين تمول بطريقة ذاتية تطوعيه غاية في الدقة والرقى فتموين الجيش وتمويله ، وعلف خيوله ، وقوافل المساعدات المحملة بالزاد ، ومداواة الجرحى كلها اعمال تطوعية مدنية لم ينظمها قانون بل انجحتها الحاجة ، وفرضها الظرف كما فرضت ظروف الحياة الصعبة على الشعب الليبي هذا النشاط المدني للانتصار على شظف العيش نمط من التعاون ، والتازر .
ولإنجاز عمل ما فلا مفر من تعاون مجموعة من الناس ولان المجتمع برمته في إطار التطور ، والارتقاء يعتمد على قدراته الذاتية ، وموارده المحلية فقد كان حصاد الزرع ، وجز الغنم يستوجب تظافر الجهود وتلبية نداء الاستغاثة من الفلاح صاحب الزرع ، ومن مربى الاغنام ، وكان التطوع سمة واضحة لإنجاز هذه الأعمال التي تطلب مجهودا جماعيا تطوعيا صادقا ، وبتطور المجتمع ، وحاجته إلى مرافق الاستقرار (الجامع ، والمدرسة ، وحتى المستوصف) ومرافق أخرى انشاء ، وصيانة هرع الجميع في أعمال تطوعية يغطى مصاريفها ميسوري الحال في القرية ، والشارع ، والحى فشيدت كثيرا من المدارس بالمجهود الذاتي خاصة فترة نهاية الحكم الإيطالي ، وبداية عهد الإدارة البريطانية ، واستمر هذا النشاط يزداد وضوحا إلى منتصف ستينات القرن التاسع عشر اما المساجد فمازالت في ليبيا تنشأ بالمجهود الذاتي ، واموال المواطنين إلى هذا التاريخ ،ولم يكون للدولة حضور ملحوظ لبناء المساجد ، وينسحب هذا الأمر على مراكز تحفيظ القرآن الكريم ، وكل متابع يستطيع رصد هذا النشاط بسهولة ، ويسر ومن تم تأرجح نشاط المجتمع المدني قبل ثورة فبراير بين ممارسات خجولة في جمعيات نسوية ذات نشاط محدود ، وتدخل الدولة للحد من دور المجتمع المدني كمنظمات مستقلة محلية اما الأجنبية فهي فكرة مرفوضة جملة وتفصيلا وفق منهجية الحكم ، وتوجهاته التي ترى أن كل تواجد دولي يدخل في إطار ممارسة معادية للوطن ، ومؤامرة تستهدفه ، وتريد تقويض نظامه الذى يناهض الاستعمار ، والامبريالية ، ويبشر بالانعتاق من كل أدوات السيطرة ،والتسلط هذا التوجه المفعم بمعاداة الآخر اقنع المواطن الليبي بأن الاقتراب من الأجنبي خيانة للوطن ، وتقلص دور العمل التطوعي ،وتحولت المعسكرات الشبابية الصيفية للأعمال التطوعية نهاية الستينات ، وبداية السبعينات إلى معسكرات براعم ، واشبال، وسواعد الفاتح ، وتم تجميد نشاط الحركة الكشفية ، واصبحت غابة جوداء الكشفية مقرا رسميا لمعسكرات التثقيف منذ عام 1974م ومقرا فيما بعد للجان الثورية ومعسكراتها ، وضاع في هذا الزخم المملوء بالهتاف ، وكثيرا من الممارسات الخاطئة العمل الجماعي التطوعي برغم ان العمل الجماعي المنظم كان شعارا ، والحى الجماهيري ، والامن الشعبي ، والعمل التناوبي كلها كانت شعارات لكنها فارغة المحتوى ظهرت نتائجها السلبية في تفرق الشباب الليبي إلى فرق ، وتيارات ، وتوزع الشباب الليبي بين اليمن ، والسعودية ، والسودان ، وافغانستان ، ومالطا ، ودول أخرى ليكونوا عمالا ، ومنتمين إلى تيارات دينية منها الملتزم وفيها المتطرف ، وبرغم الخطاب التعبوي المملوء بحب الوطن ،والولاء له واضحا ، ولكنه كان سلبيا ، ومعيبا ، فالحالة التي وصل إليها ذلك الشاب حينها وهو اليوم اصبح جد ، وأب على أقل تقدير فإن النتيجة المؤلمة اننا نرى وطن يبحث مواطنوه عنه فلم يجدوه لأنه ضاع فيهم ، واندثر من قلوبهم ، وهم لم يظلموه وهو من اجبرهم على مغادرته حتى وهم في احضانه ويعيشون بداخله .
فالولاء عطاء يستلمه المواطن من وطنه ، وتضحية يبدلها المواطن لأجل أرضه ونفس يجود بها في سبيل حريته لكن علاقة التحكم بالفرض والتفرد والتخوين التي أنشأت نوعا من الكراهية بين الوطن ، ومواطنيه انتجت حالة من معاناة قل نظيرها في جميع دول العالم ، وكافة انظمة الحكم ، وبعرض نموذجا واحدا من عشرات النماذج للمواطنين الليبيين نعرف كمية الظلم التي تعرض لها شباب ليبيا ، والمعاناة القاسية التي مر بها نموذج واحد كفيلة بإعطاء شرح واف وكاف لحالة المواطن الليبي الذى أراد الحياة الكريمة الحرة كما يرغبها هذا المواطن البطل عبدالله محمد المدهونى والذى يكتب ذكرياته التي عاشها فارا بحريته وعليكم تتبع كمية الألم والحزن والغربة والتعب الذى عاشه تعتوره هواجس الخوف ومواجهتها محتميا بصخور جبل بلدته الاشم هذا هو المجتمع المدني الذى رغبه المدهونى ومارسه مدرسة في جبال قريته التي كانت شاهدا على ليال وايام عاشها شاب في ريعان الشباب وليس له من معين سوى معانقه بعض اهله له وصموده الذى استمده من صلابة الأحجار التي لجا اليها والبيت الذى عاش فيه برجاله ونساءه الذين سطروا ببسالتهم تاريخا برغم سطوة الدولة التي ارادت التخلص منه لأنه لا يروق لها طلبه الحرية التي أراد.
هذا النموذج الرائع الذى جسده عبدالله المدهونى والبيت الذى نزل إليه من علياء قمم الجبل إلى علياء قمم الهمم هو حقيقة المجتمع المدني الذى اراده الليبيون واليوم نجد ان
المجتمع المدني مازال يتخبط حتى بعد فبراير لان النظام غرس بتوجهه الشمولي لحكم الفرد ثقافة تتفيه المجتمع المدنى وانه مجتمع المنحطين ، والسفلة ، وارادل القوم ، والعملاء هذه الثقافة مازالت تناهض نشاط المجتمع المدنى كنشاط إنساني تموله الفطرة السليمة والرقى الحضاري الذى حول يترب إلى مدينة منورة وقد عزز ثقافة عدم صلاحية , وجدوى المجتمع المدني الذين انخرطوا فيه ، واسسوا منظمات دون قانون , ووجدوا فى استلام المعونات ، والاستفادة من المساعدات ،وإقامة مشاريع وهمية تمولها منظمات دولية لتحقيق أغراضها في التعدى ، والاعتداء على قيم المجتمع الدينية ، وتقاليده العريقة ، وثوابت المجتمع الليبى المدنى المحافظ المسلم الخالى من عقدة الحقد ، وعقد الدونية أضف إلى ذلك أن الحكومات جميعها بعد فبراير لم تستطيع التعامل مع المجتمع المدنى السليم ناهيك عن ان مجلس النواب لم يتكرم بجلسة واحدة لمناقشة موضوع المجتمع المدنى ، وإصدار قانون ينظم عمل المجتمع المدنى مع وجود مفوضية للمجتمع المدنى وهى جسم حكومي يعمل وفق قرارات صدرت له تحولت بموجبه المفوضية إلى جسم يعمل به موظفين حكوميين لا علاقة لهم بالمجتمع المدنى من قريب ، ولا من بعيد ومن تم يجب أن يصدر قانون ينظم المجتمع المدنى ليمارس مهامه وفق منظومة واضحة ، ويمول نفسه ذاتيا ، ويبنى مشاريع انتاجية ، ويكون مؤسساته بحرية.
ان منظمات المجتمع المدنى للمساعدة ، والتعليم ، والصحة، ورعاية الايتام يكونها الاغنياء ، ورجال الأعمال ليقدموا من خلالها هباتهم ، وصدقاتهم ، وما تجود به ايديهم مساهمة منهم فى رفع المعاناة عن مواطنيهم ، وتمويل مشاريع خيرية ذات نفع عام وفق خطط مدروسة ، ودراسات هادفة اما منظمات ، ومؤسسات يكونها الفقراء يتسولون من خلالها مساعدات بحجة تقديم مساعدة لمن يحتاجها فهو اسلوب عقيم يؤدى إلى نتائج فاسدة ، ومشوهة فكيف لفقراء تكوين منظمة لمساعدة فقراء هذه محاولة للاستفادة من الاسم ، والنشاط ، واستخدامه ستارا للحصول على منفعة برغم مظهرها الإنساني ان منظمات المجتمع المجتمع المدني الهادفة إلى مساعدة المحتاجين وبناء مشاريع يستفيد منها الناس يجب أن يؤسسها القادرون على التبرع ، والمساعدة بما فى ذلك الشركات التى تكون مساهمتها فى هذه المشاريع تحت بند المسؤولية الاجتماعية اما ممارسة نشاط وفق التعاطف ، والعواطف هو ما أضر ضررا بالغا بالمجتمع المدنى المنشود الذى يجب أن يعود كما كان وكما ينبغى أعمال إنسانية تطوعية هادفة ومثمرة ومجدية ونافعة وفق قيم المجتمع الدينية وتقاليده العريقة.