- معتصم بالله مفتاح
المستقيم و الدائرة ليسا أشكالا هندسية فحسب بل هما أدوات مهمة في فهم الواقع الاجتماعي و السياسي و الترسيم له بشكل نظري لفهم معضلة معينة و كيفية إمكانية حلها بطرق مختلفة , إذا ما أخذنا أفكار بعض الفلاسفة في فهم التاريخ البشري كيف بدأ و إلى ما نحن مقبلون عليه نجد أن الاختلاف لا حد له في الأفكار و الآراء و حتى الفلاسفة المسلمون أمثال ابن خلدون و فهمه لتقلبات التاريخ و الفارابي و محاولاته لاستقصاء وجود المسبب الأولي و حقيقة قصور المعرفة البشرية من جهة أخرى نيتشه و فهمه لنظرية العود الأبدي بعيدا عن أنها فلسفة لنيتشه في فهم الكون و الحياة و كيف أعاد صياغتها الماديون بشكل فيزيائي علمي ما أريد طرحه هو مغزى تلك الفكرة و محاولة إسقاطها على الواقع الليبي اليوم، بمعنى هل نحن فعلا في دائرة مفرغة و لا سبيل للخروج منها؟ أم أننا سنبقى في فكرة العود الأبدي؟.
بشكل مبسط نيتشه قد حاول في نظريتة العود الأبدي أن يقضي على المعجزات الإلهية، الخوارق الطبيعية، التفكير التقليدي والأسطوري، فاعتمد على التفسيرات العقلية مستعملا مبدأ السببية والحتمية يبدو أنه فكره الإلحادي بطريقة غير مباشرة على شكل سموم نظريته التي تنفي تماما وجود الله ومعجزاته…. و من هذا المنطلق يجد الملحدون لك ما ينفي وجود الإله من ثقب الإبر ليزعزعوا عقائدك اليقينية. هذه النظرية في حقيقة الأمر أربكت الكثير من الفلاسفة و المفكرين هي أن نتصور كل شيء سيتكرر ذات يوم كما عشناه في السابق و أن هذا التكرار سيتكرر إلى ما لا نهاية . لست بصدد تصديق تلك النظرية أو تكذيب نقاط مهمة فيها مع ذلك لا أرى وجود أي مانع في استخدام تلك الفكرة لوضع تساؤلات مهمة لفهم وضعنا الراهن .
إذا ما أردنا فهم الوضع الحالي فيتوجب علينا عندها , سرد الأحداث منذ انطلاق الثورة الليبية إلى يومنا هذا ليس بشكل تفصيلي و إنما فقط بستليط الضوء على المحطات المهمة التي شهدت تقلبات سياسية و تحالفات دينية و عسكرية منها تبنتها مدن بأسرها و أخرى أفراد و جماعات مسلحة و في بعض الأحيان وصل الأمر إلى الدعم المباشر من أطراف دولية و إقليمية, لكن كل تلك الأحداث و الحروب تدور داخل نفس الدائرة . القضية الأساسية و أصل الصراع منذ بداية الأزمة يتمحور حول نقطتين مهمتين هما الثروة و السطوة السياسية , فالسبب الذي يجعلنا في نفس الدائرة هو الأدوات التقليدية المستخدمة في الصراع “” الدين, القبيلة, و المجرمين المنتفعين من بقاء تلك الدولة لأن خرقها و إضعافها هو بمثابة التحرر من العود الأبدي و الانطلاق نحو مستقيم عمودي الشكل. نفس الأفكار و نفس المفاهيم انقسامات و تشرذم و تخلف سياسي و اقتصادي , إعلام خبيث و نتن لا يسعى إلا لبث الكراهية و تحريك العقول ليس للتغيير و إنما للتحريض , ناهيك عن تدخل قوى إقليمية تسعى لفرض نفوذها بالتالي يصبح اختراق تلك الدائرة أمرا صعبا للغاية. لكن يبقى السوال هل يوجد أي حل للخروج من هذا المازق ؟ قد نبدأ بالتساؤل عن الاحتمالات التي شكلت واقعنا و قادتنا إلى ما نحن فيه و لم لا و لنسأل من جديد ؟
و هل لنا دور في تشكيل واقعنا؟ هل لنا دور في تشكيل أنفسنا بالأساس؟ معرفة النقطة الأساسية لخرق تلك الدائرة المفرغة و تجنب العود الأبدي في الصراع , هو من أهم الأمور لنسفها من الأساس لأن تكرار الماضي باستمرار لن يأتي لنا بحلول , إذا ما نظرنا في عقد مضى من تاريخ ليبيا سنجده كله مليئا بأجسام تشريعية و مسميات لعمليات عسكرية و حدث و لا حرج عن كلمة ” التحرير ” التي أصبحت على ألسنتنا في كل مجلس ألا يجعلنا ذلك نفكر في نفس الدائرة و عودتها؟.
هناك من يرى أن تلك النقطة الأساسية في حل الأزمة من جذورها هي اقتصادية بحتة و يطرحون التالي , إذا ما وزعت الثروات بشكل صحيح عندها لا يمكن أن تجد تشكيلات مسلحة تعمل ضد الوطن و المواطن و ذلك ما يقودني إلى السؤال البسيط ما الذي يحتاجه الشاب الليبي؟ لا إجابة فهي معروفة لدى الجميع. من جهة أخرى يجادل البعض أن نسف تلك النقطة ” الاقتصادية ” لا يضمن لنا الخروج من دائرة العود الأبدي لأن الأيديولوجيات بمختلف أشكالها الدينية موجودة و هدفها أكبر بكثير و طموحاتها لا حد لها لربما المشكل الاقتصادي يبطئ من سرعة الدائرة و لكن تستمر الأيديولوجية في تحريكها إذا ما وضعنا هذه العوامل في شكل معادلة فإننا حتما نكون قد شخصنا الحالة و هذه الخطوة تعتبر من أهم النقاط لجعل الدائرة مستقيما و نسف نقاطها الأساسية لأن هذين العاملين يعملان دائما على خلق كيان موازٍ للدولة الثقافية الدينية الفطرية التي يمتلكها المواطن الليبي بالتالي العدالة الاجتماعية و التقاسم الحقيقي للثروة يكمن في فهم تلك الدائرة , بعدها يمكن الحديث عن المستقيم , التحول من الدائرة المفرغة و جعلها خطا أمر صعب و ليس بالمستحيل و لا سبيل لنا لتجاوز ذلك إلا بالتجاهل أو النسيان من أجل التعايش لكي يرى المستقيم النور نحو التنمية و الاستقرار و الأهم من ذلك الاعتراف بهشاشة وضعنا الحالي على جميع المستويات السياسية , الاقتصادية , الإعلامية و الثقافية الاجتماعية على حد سواء و إلا فإن فكرة العود الأبدي ستصبح لامتناهية ، ومن الطبيعي أن يكرر تشكل حكومات و برلمانات و جرائم منظمة و عمليات عسكرية هنا و هناك , فساد و سرقة و تهريب تصبح عدداً لا نهائياً من المرات كما تكررت في السابق ربما بشكل أسوأ و يبقى المواطن في فقر و تخلف على جميع الأصعدة .