وائل أحمد السليماني
عيدٌ آخر يمرّ على الليبيين، والمشهد المصرفي لا يزال محصورًا بين طموحات التحديث وحدود الواقع، والتعليمات الصادرة من مصرف ليبيا المركزي، والتطبيق المتفاوت من قبل المصارف التجارية، وكذلك بين النقد الورقي الذي يلفظ أنفاسه وتتصاعد أزماته، والدفع الإلكتروني الذي لم يتحول بعد إلى عادة يومية.
في عام 2025 واصل المصرف المركزي توسيع خارطة الدفع الإلكتروني بوتيرة لافتة، وتجاوز عدد أجهزة نقاط البيع أكثر من ثلاثة وثمانين ألف جهاز، وأُجريت من خلالها أكثر من أربعة وعشرين مليون عملية، بقيمة فاقت ثلاثة مليارات وثمانمئة مليون دينار.
وعلى التوازي ارتفعت البطاقات المصرفية المفعّلة إلى أكثر من أربعة ملايين ونصف، وتجاوزت عمليات السحب من الصرّافات ثلاثة ملايين عملية بتداولات ناهزت مليارين ومئتي مليون دينار.
لكن هذه الأرقام التي تبدو واعدة في ظاهرها؛ لا تكفي وحدها لتغيير المشهد، فواقع المواطن في السوق أو عند أبواب المصارف لا يُقاس بالإحصاءات بل بتجربته اليومية.
وهنا تطرح في مخيلة المواطن تساؤلات عدة ومنها هل يستطيع السحب؟ وهل يقبل التاجر بطاقة الدفع؟ وهل تعمل خدمة التحويل السريع في لحظات الحاجة؟
خلال النصف الأول من العام، سجلت خدمات مثل “لي باي” و”وان باي” تداولات بقيمة تجاوزت ستة مليارات دينار مع أكثر من أربعة ملايين مستخدم وقرابة خمسين ألف تاجر.
إلا أن تغلغل هذه الخدمات في الحياة اليومية لا يزال محدودًا؛ فثقافة التعامل الرقمي تحتاج وقتًا وثقة وأهم من ذلك بنية تحتية مستقرة وشبكة خدمات لا تنقطع.
ومع اقتراب عيد الأضحى فعّل المصرف المركزي خطة استثنائية، هدفت لضمان انسياب السيولة شملت ضخ أكثر من ملياري دينار نقدًا، وتمديد ساعات العمل في المصارف حتى الخامسة مساءً، وتغذية أجهزة الصراف الآلي على مدار الساعة، كما وجه المصارف لإطلاق قروض حسنة لشراء الأضاحي وتعليق خصم الأقساط والمرابحات خلال مرتب مايو.
لكن مرة أخرى، لم يكن التنفيذ على قدر التوجيه، فبينما التزمت بعض المصارف تخلفت أخرى عن تطبيق التعميمات ما دفع المركزي إلى التصريح علنًا بأن العقوبات ستطال الجهات المخالفة.
وقد برز مثال مصرف الجمهورية الذي أُجبر على إعادة أكثر من ثمانية عشر مليون دينار للعملاء، بعد فرضه عمولات غير قانونية على نقاط البيع.
هذه السابقة الرقابية وإن جاءت متأخرة تعكس تحوّلًا في نبرة المصرف المركزي: من إصدار التعليمات إلى مساءلة من يخرقها.
وفي سياق أكثر رمزية، يستعد المركزي لتنظيم منتدى وطني للدفع الإلكتروني منتصف يونيو في طرابلس، بالشراكة مع الهيئة العامة للمعارض، ولعل هذه الخطوة قد تحمل دلالة على أن المعركة الحقيقية اليوم ليست فقط على السيولة، بل على تغيير الذهنية المصرفية بأكملها، من المواطن إلى المصرف، مرورًا بالتشريعات والبنية التحتية.
لكن النجاح هنا لا يُقاس بعدد الحضور أو العروض التقنية، بل النجاح الحقيقي حين لا يعود المواطن الليبي بحاجة إلى التوسل لسحب مرتبه، أو إلى الوقوف أمام ماكينة معطلة، أو إلى حفظ أرقام التحويلات كخطة بديلة في أيام الأعياد والمحصلة هي أن الواقع يقول: ربما نخطو باتجاه المستقبل لكننا لا زلنا نحمله على أكتاف ماضٍ ثقيل.














