المقالة النقدية لديوان “حتى آخر المطر”

المقالة النقدية لديوان “حتى آخر المطر”

الشاعر والناقد إبراهيم موسى النحَّاس

الشاعر والناقد إبراهيم موسى النحَّاس

              ((فلسطين القضيَّة….والشاعر المُنْتَمِي))

     في ديوانه الشعريّ الجديد ((حتى آخِر المطر)) يقدِّم لنا الشاعر رائد قديح رؤية تقوم على قيمة الإنتماء للوطن, الوطن فلسطين قضية العرب جميعًا بل قضية الإنسانية قاطبة, فها هو يستخدم السؤال كإسلوب إنشائي استفهام غرضه النفي للتعبير عن استحالة نسيان الأرض و القضية ,فيقول في قصيدة فاطمة:

 ((وَالْكُلَّ مَزْرُوعٌ هُنَا

حَتَّى رَوَائِحُ مَاضِينَا الْجَمِيلِ

أَنْفَاسُكِ

ضَحِكَاتُكِ

هَمَسَاتُكِ

نَظَرَاتُكِ

حَتَّى دُخَانُ الأَطْعِمَةِ

وَسَجَائِرُ التَّبْغِ الثَّمينِ

مَنْ يَمْحُو فِينَا مَاضِينَا الشَّقِيِّ

مَنْ يَمْحُو أَحْلَامَ الْعَصَافيرِ الَّتي

مَنْ يَمْحُو طَعْمَ الْقُبْلَةِ الأُولَى

مَنْ يَعْزِفُ اللَّحْنَ الْحَزينَ)).

الصورة الجديدة المبتكرة في قصيدة أنثى الياسمين ((وتخلعُ القصيدةُ ثيابَها لترتديني))

النسبية في قصيدة أنثى الياسمين((رُبَّما كان هذا هو الحُبُّ

ورُبَّما كانت تلك هيَ طقوسُ الانتماءِ

أمارسُها اعتناقًا في محرابِ

أنثى الياسمين

رُبَّما ورُبَّما أكثرُ وأكثر

ورُبَّما أمرُّ من هناكَ حيث شواطئِ عينيكِ))

اللغة القائمة على الرمز كما في قصيدة( لقاح الليل) حيث يقول: ((خاويةٌ عناقيدُ الحُرُوفِ

لم تنجبْ كلمة واحدة بَعْدَ لقاحِ الليلِ الأخيرِ…

مُكعَّبَاتُ السُكّرِ لم تُغَيِّرُ مذاق القهوةِ المُرِّ…

الشمسُ خلعتْ عنها رداءَ الضوءِ وتزيَّنَتْ بالليلِ…

وأنا ما زلتُ أفتِّشُ عن مَمَرِّ عُبُورٍ

كي أصلَ إلى مشارفِ الأملْ))

     ومن هُنا نلمس اغتراب الذات الشاعرة في نفس القصيدة و بقية قصائد الديوان حيث يقول:

((تَهربينَ منِّي

تَرحَلينَ عنِّي

أَيّ الدُّروبِ سَتَسْلُكين

وَأَنَا الَّذي نَقَشْتُ فِيهَا حُرُوفَنَا

حَتَّى المَوَانِئَ يَا فَاطِمَة

بَاتَتْ تُغَنِّي نَشيدَنا

كُلُّ حَقَائِبِ السَّفِرِ فيها أَنا.))

        ويتجلّى الحنين للمكان كنتيجة طبيعية للاغتراب فيقول في قصيدة(( لكن ضحكتها وطن)):

((يا أنتَ…

خُذْنِي معكَ على مركبكَ الورقيِّ

لأبْحِرَ عَبْرَ امتدادِ النهرِ وأحتلَّ ذاكرةَ النوارسِ

اغسلني برائحةِ بُرْتُقالِ “حيفا” وعنبِ “الخليلِ”

امنحني بعضًا من خصلاتِ عَوَاجيزِ الحَيِّ

احملني هناكَ حيثُ شواطئ غزَّة، وبيروت، والقاهرة

لأداعبَ فاتنة النيلِ بَعْدَ أن تزيَّنَتْ بِحِنَّاءِ الوطنِ المُقدَّسِ

يا أنتَ…

خُذْنِي حيثُ شجرةِ الزيتونِ التي تلاصقُ بيتَنا العتيقَ))

ومع اغتراب الذات الشاعرة وحنينها للوطن وعدم نسيان القضية التي من المستحيل أن تُنسَى يأتي رصد المعاناة معاناة الوطن في قصيدة ((فراغ)) حيث يقول:

 ((يَلفُّني سَوَادٌ بطعْمِ العلقمِ

دوائرُ الفراغِ تُكبِّلُ لساني

تفِرُّ من جُعبتي جميعُ الحروفِ

والريحُ غائبة حَدَّ السكونِ

حرارةُ اللغةِ تدورُ في تنُّورِ الصمتِ

كلُّ شيءٍ تحوَّلَ للضِدِّ

حتى إيقاعاتِ الرقصِ الشعبي انتحرتْ على أوتارِ العَدَمِ

فيروز لم تَعُدْ تملأُ الكون بأغنياتِها

وأنا عاجزٌ عن فكِّ طلاسمِ السكونِ من حَوْلي

كلُّ شيءٍ يحترق!!!

حتى أنا أحترق!!!))

 ليتساءل في نهاية القصيدة قائلًا:

((رُبَّما لا يُغرِّدُ عصفورُ الصباحِ بَعْدَ اليومِ

وتخلعُ الشمسُ عنها رداءَ الضوءِ

تُرَى أهيَ النهايةُ؟

أمْ ما زالَ هناكَ مشهدٌ آخر؟))

     حتى المرأة تتحول إلى رمز للنضال وتصبح علاقة الذات الشاعرة بها رمزًا يشير إلى القضية, فكما أنَّ الأرض هي الملاذ تصبح المرأة ملاذ آخر تواجه به الذات الشاعرة معاناتها كما تعطيه الدافع للوجود و القوة من أجل المقاومة حتى إنَّه يصبح هو اللاجئ بدونها وكأنَّها الوطن فيقول في قصيدة (( سمراء)):

 ((سمراءُ مُدِّي إليَّ لنلتقيَ

عَلىَ ضِفافِ الشَّوقِ نغترفُ الأمَلْ

فُكِّي غِلالاتِ القُيودِ وطَوِّقِي

كيْ يرتويْ

بينْ ذِرَاعيْكِ عطشُ القصيدةْ!!

كيْ لا أعُودَ لاجِئًا.))

     وعلى المستوى الفني نجد الخيال لم يبتعد عن رؤية الشاعر, فإضافة إلى الصورة الشعرية الجديدة المبتكرة و التي يغلب عليها الطابع الرومانتيكي الحزين الذي يتلائم مع شخصية الشاعر الحالمة نجد الصور الشعرية المأخوذة من رحم المأساة في قصيدة ( قبلات من نبيذ) حين يقول:

((عَيْنَاكِ كِتَابٌ مُقَدَّسٌ

يَفْتَحَانِ عَبْرَ المَدَى

نَوَافِذَ التَأمُّلِ فِي مَلَكُوْتِ الرَّبْ

فِيْهِمَا عَبَقُ التَّارِيْخِ

كَجُدْرَانِ بَيْتِنَا القَدِيْمْ

كشَوَارِعِ مَدِيْنَتِي العَتِيْقَةْ.

عَيْنَاكِ وَطَنُ الحُلْمِ المُوْصَدَةِ أبْوَابُهُ

كَجُنْدِيٍّ تَنْهَشُ سِهَامُهُ كَبِدَ مَشَاعِرِي.))

       ومن هنا يمكن أن نقول إنَّ ديوان (( حتى آخر المطر)) للشاعر رائد قديح بمثابة صرخة فنية من أجل الوطن ويحمل بين جنباته معاني الحُب و الانتماء لهذا الوطن العظيم الذي تُعتَبَر قضيته هي قضية العرب و الإنسانية كلّها, في قصيدة قامت على التجديد في الخيال, حيث تتدفّق الصور الشعرية متفقة مع رؤية الشاعر التي يطرحها داخل الديوان.

الإطلالة النقدية لديوان “حتى ٱخر المطر”

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :