أجرى اللقاء/ الصادق البيــباص
———-
لم
يكن لقائي هذا بالسيد/ عبدالفتاح الشيباني المدير العام السابق للمركز الوطني
للأرصاد الجوية إلا بعد صدفة -جمعتني به- كانت خيرا من ألف ميعاد ، تجاذبنا فيها
أطراف الحديث ودفعني فضولي للحديث معه حول الأرصاد الجوية ، وكم ازاداد شغفي وأنا
أنصت له وهو يتحدث عن هذا الصرح العلمي التقني الخدمي الذي لم أكن أعرف عنه إلا
تنبؤاته عن الطقس، و معدلات درجة الحرارة ، و أنباء هطول المطر.
تحدث
إليّ السيد / عبدالفتاح الشيباني بلغة العالم المتخصص تارة ، وبلغة الإداري المحنك
بأمور المهنة تارة أخرى ، و ثالثة بلغة القلق الحزين على مآل هذا الصرح ومعاناته
من المشاكل والمعوقات، والصعوبات التي تهدده وتنذر بخطر انهياره إن لم نسارع
لإنقاذه .
مفتاح
الشيباني: متحدثاً بلسان الشاهد لا صوت المسؤول !
عرضت
عليه فكرة إجراء لقاء صحفي معه فاعتذر ، ثم أعدت العرض فتردد ، فالرجل كما قال ليس
مخولاً بالحديث عن المركز بعد أن سلم دفة إدارته لآخرين ، وبعد أن أوضحت له أن
لقائي معه لن يكون تعدياً على اختصاصات الغير ، وإنما سنَعُدُ الحوار ونشير إليه
كشاهد على عصره ، يحمل في جعبته الكثير مما سيلقي الضوء على هذا الصرح ، ولا ندري
فربما تلقى شهادته أصداءً تنتج عنها المسارعة لدعم وإنقاذ مركز الأرصاد الجوية .
فوافق
-وله جزيل الشكر- لنضرب معاً موعداً لم يخلفه .
وبدأنا
الحوار الشيق بسؤاله عن تقديم تعريف موجز عن المركز واختصاصاته فقال السيد /
عبدالفتاح الشيباني : إن المركز الوطني للأرصاد الجوية
مؤسسة خدمية علمية تأسست سنة 1950م تحت مسمى الإدارة العامة للأرصاد الجوية ثم
سميت مصلحة الأرصاد الجوية ، حتى تم صدور قرار سنة 2003م بإنشاء المركز الوطني
للأرصاد الجوية .
يتولى
هذا المركز إدارة وتشغيل شبكات محطات الأرصاد الجوية المختلفة في جميع أنحاء
البلاد ويمثل ليبيا قانوناً في المنظمة العالمية للأرصاد الجوية .
وتتمثل
مهامه الرئيسية في تأمين سلامة الطيران المدني والمسافرين عبر تقديم الخدمة
الكفيلة بذلك ، وتأمين سلامة الملاحة البحرية وتقديم الإنذارات المبكرة للتقليل
والحد من الأضرار الناتجة عن الكوارث الطبيعية ، ويعمل على توفير المعلومات
اليومية للطقس التي تهم المواطنين والجهات الاعتبارية في صورة نشرات جوية وبحرية
مختلفة.
وأيضاً
يقدم المركز المشورة الفنية والعلمية اللازمة للقطاعات المجتمعية المختلفة،كما
يعمل على تأمين الرصد المستمر لعناصر الطقس والمناخ وإرسالها للبنوك العالمية
باعتبار المركز جزءاً من النظام العالمي للرصد الجوي ، حيث تعمل تلك البنوك على
أرشفة ومعالجة قاعدة بيانات الأرصاد الجوية والمناخ ، وبالتالي فهو يعتبر عنصرا
أساسيا في البنية التحتية الوطنية للدولة .
تتوزع
مكونات وموظفو مركز الأرصاد الجوية على مختلف المناطق ، ويتبع المركز (4) مراقبات
للأرصاد ،يتبعها عدد (45) محطة أرصاد جوية تنتشر في جميع أنحاء البلاد ، إضافةً
إلى (12) مكتب تنبؤات وشرح الأحوال الجوية بالمطارات ،و بعض هذه المكاتب في حكم
المتوقف الآن بسبب عدم تخصيص مبالغ كافية لتشغيلها وصيانتها وتطويرها.
مَرْكَزُ
الْإِرْصَادِ الوَطَنِيّ وَاجِهَةٌ إقْلِيمِيّةٌ وَعَالَمِيّةٌ لِلِيبْيَا !
————
للمركز
عديد الارتباطات الإقليمية والدولية التي حرص منذ تأسيسه على إقامتها ،للاستفادة
من برامجها وأنشطتها العلمية والفنية ، فلقد انضم إلى اللجنة العربية الدائمة
للأرصاد الجوية منذ تأسيسها سنة 1970م وانخرط في عضوية لجانها الفرعية وفِرَق
عملها المتخصصة ، وتبادل معها الخبرات والمشورة العلمية ، حيث كان هناك تعاون في
مجال الأرصاد الجوية الزراعية فترة السبعينات مع المركز العربي لدراسات المناطق
الجافة والأراضي القاحلة المنبثق عن جامعة الدول العربية.
ولم
يقتصر التعاون الإقليمي على البلدان العربية بل امتد للتعاون مع المركز الأفريقي
لتطبيقات الأرصاد الجوية لأغراض التنمية بمقره بمدينة نيامي بالنيجر حيث تم إيفاد
متنبّئين جويّين ليبيّين للعمل هناك بالتناوب ضمن فريق المتنبّئين الجويّين
الأفارقة للرفع من كفاءتهم ليساهم المركز الأفريقي بعد ذلك بتقديم الدعم المالي
والمعنوي لتمكين أخصائيّي الأرصاد الجوية الليبيين من
المشاركة في الدورات التدريبية وورش العمل المختلفة والمنتديات
الإقليمية ليُتوَّج نشاط المركز باستضافة المنتدى الإقليمي الخامس عن توقعات
المناخ لشمال أفريقيا بمقره بالسّواني سنة 2013م.
أما
على المستوى الدولي فقد استفاد المركز من البرامج والأنشطة العلمية والفنية التي
تقوم بها المنظمة العالمية للأرصاد الجوية في عدة مجالات منها الاتصالات السلكية
واللاسلكية ، والاستعانة بخبراء من المنظمة لتطبيق النظام العالمي لمراقبة الطقس بليبيا
لدراسة عروض رادارات الطقس وتحديد مواقعها بليبيا، والحصول على منح دراسية، وتنفيذ
مشروع تطوير خدمات الأرصاد الجوية الليبية .
نحن
ندرك تماماً الدور الهام للتقنية في تقدم علم الأرصاد الجوية للتصدي للتغيرات
المناخية الذي تهدد حياة الإنسان وأنشطته، وتساعدنا في حماية المناخ والتنوع
البيولوجي ، ولضمان ذلك تم إنشاء مشروع تطوير للمركز الوطني للأرصاد الجوية
وتجهيزه بأحدث التقنيات لتمكينه من مواكبة التقدم العلمي والتقني السريع في مجالات
الأرصاد الجوية المختلفة.
الخُطّةُ
الإسْتِرَاتِيجِيــّـةٌ 2018- 2040 بَينَ مُقَاوَمَةِ الانْهِيَارِ وَ
مُوَاكَبَةِ التّطَوّرِ فِي عَالَمِ الأرْصَادِ الجَوّيّةِ
———-
وواصل
الشيباني لفسانيا الحديث عن طموحات المركز لمواكبة التطور التقني في عالم الأرصاد
قائلاً : ” لقد تم العمل على إعداد مقترح خطة شاملة للإستراتيجية المستقبلية للمركز
الوطني للأرصاد الجوية 2018- 2040م ، تعكس التوجهات الإستراتيجية المستقبلية
للمركز بصفته مؤسسة خدمية علمية وفنية تقوم بتقديم خدمات في مجالات الأرصاد الجوية
المختلفة إلى القطاعات الحيوية بالدولة ، وتذكي الوعي السياسي لدى متخذي القرار،
ودوائر المستفيدين من المركز ودوره ومساهمته في التنمية المستدامة للمجتمع.
– فسانيا
/ وماذا تتضمن هذه الإستراتيجية المقترحة؟
تتضمن
الإستراتيجية المقترحة إعادة هيكلة مصلحة الأرصاد الجوية ، لأننا نرى أن الهيكل
التنظيمي الحالي لا يلائم متطلبات المرحلة والاحتياجات المستقبلية الملحة،في خضم
التطور المتسارع لمجال الأرصاد.
ويتضمن
المخطط التنفيذي للإستراتيجية المستقبلية المقترحة للمركز تصنيفاً للمشاريع
التنموية حسب التخصصات، والجدول الزمني لتنفيذها وفق سلم الأولويات وبميزانية
تقديرية لا تتجاوز ال(38) مليون دينار على مدى أربع سنوات ، تشمل تطوير شبكات
محطات الرصد الجوي وتطوير أنظمة الاتصالات وتبادل البيانات وتعزيزها باستخدام نظم
متطورة ومتكاملة للرصد .
وكذلك
تطوير و إنشاء معامل صيانة ومعايرة أجهزة الأرصاد الجوية ، والتجديد المستمر
لتراخيص أجهزة المعايرة لغرض تقديم أدق البيانات لجميع القطاعات ، وكذلك السعي
لتطوير المنظومات الفنية للمركز من أجهزة وبرمجيات ، وتقديم الدعم الفني والمالي
اللازم لها لضمان استمرارية فعاليتها وأدائها بالصورة المطلوبة . و أيضاً العمل
على إنشاء نموذج وطني للتنبؤات العددية وإصدار التنبؤات الموسمية لتحسين دقة وفعالية
التنبؤات الجوية المختلفة بهدف حماية الأرواح والممتلكات .
كما
تضم الخطة تطوير مكاتب التلقين بالمطارات الرئيسية الحالية لمسؤوليتها عن تقديم
خدمات الأرصاد الجوية إلى الملاحة الجوية وفتح وتجهيز مكاتب تلقين بالمطارات
الجديدة .
وتشمل
الإستراتيجية المقترحة أيضاً اعتماد نظم إدارة الجودة في مجال خدمات الأرصاد
الجوية للطيران واسترداد تكاليف هذه الخدمات بهدف تحسين قدرة المركز على تقديم
خدمة ذات جودة عالية لغرض إيفاء متطلبات منظمة الطيران المدني الدولي بالخصوص ،
واعتماد نظم لإدارة جودة عمليات الرصد و التنبؤات الجوية والخدمات المناخية ،
وإنشاء وتطوير أنظمة الإنذار المبكر بالظواهر الطبيعية القاسية مثل العواصف
الرملية والترابية ومواسم الجفاف وغيرها.
فسانياً
/ وماالأهداف الأخرى التي تتضمنها إستراتيجية 2918-2040 لتطوير المركز الوطني للأرصاد الجوية
؟
– تتضمن
ميكنة الأرشيف المناخي الوطني الرقمي لإنقاذه والمحافظة على السجلات المناخية
التاريخية ونقلها إلى وسائط إلكترونية حديثة ولتسهيل النفاذ إليها ، وتطوير
النشرات الجوية المرئية باستخدام التقنيات الحديثة ، وتدريب وتأهيل الكوادر
العاملة بالمركز لرفع أدائهم التشغيلي وتنمية مهاراتهم العلمية في مجالات الأرصاد
الجوية المختلفة .
وتسعى
الخطة لصيانة المركز ومحطات الرصد الجوي المنتشرة في كافة ربوع البلاد ، لترميم
البنية الأساسية المتضررة بسبب الأحداث الجارية ، وأخيراً جرد الانبعاثات الخاصة
بقطاع المواصلات والنقل لبناء قطاع نقل منخفض الكربون صديق للبيئة والمناخ من أجل
تحسين نوعية الهواء بالمدن والسلامة على الطرقات والصحة العامة والتنمية المستدامة.
الاحْتِفَاءُ بِالْمُؤْتَمَرِ العِلْمِيّ الْأَوّلِ حَوْلَ
تَطَرّفَاتِ الطّقْسِ وَالْمُنَاخِ فِي لِيبْيَا رُغْمَ قَسْوَةِ الظّرُوفِ:
– فسانيا
/ وماذا عن نشاطكم العلمي ذو الطابع المحلي ؟
رغم
قلة الحيلة وضيق الحال وقسوة الظروف فقد قام المركز بتنظيم المؤتمر العلمي الأول
حول تطرفات الطقس والمناخ في ليبيا يوم 15/5/2018م وهي مبادرة طيبة وجادة عكست
وعياً خاصاً بإمكانية النجاح في حقل الأرصاد الجوية والمناخ.
ولأن
الشذوذ عن النسق الطبيعي لظواهر الطقس والمناخ وانحرافه عن المعدل المعتاد سوف
يستغرق وقتاً طويلاً قبل العودة لحالته الطبيعية ، حتّمت علينا التزاماتنا الوطنية
والإقليمية والدولية تنظيم هذا المؤتمر وحشد الهمم وإذكاء الوعي بين مسؤولي الدولة
الشاغلين لمواقع صنع القرار ، ولفت انتباههم إلى ضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة
والجادة للعمل على صياغة وإعداد خطة الدولة الليبية للتقليل من وطأة تطرفات الطقس
والمناخ ، مع الأخذ بعين الاعتبار أوضاعنا البيئية والاقتصادية الراهنة وبلورتها بما
يتوافق مع أهداف التنمية المستدامة 2030م وغيرها من الاتفاقيات والمبادرات الدولية.
وحول
المقترحات والتوصيات التي خلص إليها المؤتمر الأول لتطرفات الطقس والمناخ في ليبيا
قال الشيباني لفسانيا : “خرج المؤتمر ببعض المقترحات التي يجب تنفيذها
لمواجهة حوادث الطقس المتطرف وتخفيف الخسائر المادية والبشرية إلى حد أقل منها.
أولا-
بناء الشبكة الشاملة للرصد الجوي التي تتكون من محطات الرصد بمختلف أنواعها ،
وتطوير التنبؤ بالطقس المتطرف لتحسين آلية الإنذار المبكر في دول العالم.
ثانياً
– تحسين شبكة الإعلام العامة مثل الإذاعة والتلفزيون والصحف والإنترنت وتطبيقات
الهاتف المحمول من أجل نشر معلومات تتنبأ بالطقس المتطرف لوقاية الناس من الكوارث
الطبيعية وتعزيز تعاون المجتمع الدولي في مجال تبادل المعلومات.
ثالثاً
– تعديل معايير تصميم المدن ونظم البنى التحتية مثل الطرق السريعة والنقل الجوي
وأنظمة الصرف الصحي وسدود الأنهار وتوزيع الكهرباء من أجل تقوية القدرات على
مواجهة الطقس المتطرف وتخفيف الخسائر المادية والبشرية وضمان استمرار التنمية
الاقتصادية والاجتماعية.
شَذَرَاتٌ
عَنْ الشّذُوذِ وَالتّطَرّفِ فِي قَامُوسِ الْأَرْصَادِ
– فسانيا
/ ذكرت مُصطلحيْ الطقس المتطرف، وشذوذ الطقس أو المناخ، ما المقصود بهما؟ تطرفات
الطقس أو المناخ يقصد بها وصول قيم بعض عناصر الطقس والمناخ أو حالات الطقس إلى
مقادير عالية أو منخفضة جداً منحرفة كثيراً عن معدلاتها العامة بشكل كبير خلال
سياق المناخ العادي. فالطقس المتطرف هو ظاهرة جوية متطرفة أي شديدة القوة أو سابقة
لأوانها ، وتتميز بحدوث تغيرات جوية مفاجئة أو غير فصلية ، وقد ينجم عنها ظواهر
تؤدي إلى اضطرابات أو أضرار ، وأحياناً كوارث تصيب الأفراد وممتلكاتهم ، وقد تسبب
خللا عظيماً في النظام البيئي.
أما
الشذوذ المناخي فهو تحول بعض عناصر الطقس والمناخ عن حالاتها الاعتيادية المتوقعة
في مكان ما ، وخروجها عن سياق الوضع المعتاد كتدني درجات الحرارة جداً خلال الفصل
الحار وارتفاعها خلال الفصل البارد ، أو هطول الأمطار الغزيرة خلال الفصل الجاف
وانحباسها خلال الفصل الماطر ، وهذه كلها تعد شذوذاً مناخياً.