حوار :: ربيعة حباس
تبقى حقوق الإنسان دائما هي الهدف و الغاية ، و تبقى كرامته مرتبة من أعلى مراتب السُمو في كل الشرائع الدينية و كذلك القوانين و التشريعات الإنسانية و كل قواعد الأخلاق ، من هذا المنطلق أعلنت الأمم المتحدة سنة 1948 ، أن يوم 10 ديسمبر هو يوم حقوق الإنسان ، الذي يمر عليه اليوم 70 عاما ، و به أكدت هيئة الأمم المتحدة على إعداد ميثاق أو مواثيق تعبر عن التزامات قانونية واضحة مع الدول و حددت وسائل تنفيذ هذه الالتزامات.
التقت جريدة فسانيا و للمرة الثانية بعضو الهيئة القضائية المعز الصادق الورشفاني في حوار خُصّص ليكون عن حقوق الإنسان و أين هي من القانون الليبي و كيف تصفها الأمم المتحدة .. و قد أوضح السيد الورشفاني كل ذلك في الحوار التالي: أكدت الأمم المتحدة دائما أن حقوق الإنسان هي مجموعة من الحقوق التي يمتلكها كل فرد مهما كان عرقه أو دينه أو جنسيته أو مكان إقامته ، فهو يكتسبها لكونه إنسانا وهي التي تحدد كرامته وسلامته ، و هذه الحقوق مُثلٌ عُلْيا تصفها الأمم المتحدة أنها مترابطة وغير قابلة للتجزئة أو التنازل أو التصرف ، وهي عالمية يتم ضمانها بواسطة القانون عن طريق صياغته على شكل معاهدات تفرض على الدول الالتزام بها .
باعتبارك رجل قضاء وناشطا في مجال حقوق الإنسان كيف ترى العالم اليوم بعد مرور 70 عاما على الميثاق الأممي لحقوق الإنسان؟
لاشك أن 10 ديسمبر يشكل حدثا مهما ومفصليا في تاريخ البشرية بميلاد هذا الإعلان عبر منظمة الأمم المتحدة حيث جاء ملبيا للواقع و لآلام الناس ومعاناتهم في كل العالم و هو إعلان صادر عن الهيئة الدولية (الأمم المتحدة) و رغم حالات الانتهاكات الكثيرة إلا أن هذا الميثاق يبقى بقعة ضوء رائعة في حياة البشرية .
هل يوجد انسجام بين نصوص و مواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و القوانين الوطنية الليبية مثلا ؟
مؤكد وهو انسجام عميق و منطقي ، الحقوق دائما واحدة و الإنسان واحد في كل الأرض أيضا الجريمة واحدة و أية معاهدة دولية تصدر عن المجتمع الدولي تنضم إليها ليبيا يكون لها إلزام قانوني وتكون أوْلى بالتطبيق والاحترام .
هل كل الجرائم التي يحكمها القانون الليبي تخضع لذلك..؟
الأمر يتعلق بقضايا حقوق الإنسان هذه التي تتوافق فيها الإرادة الوطنية التشريعية مع التشريعات الدولية ، إذا المعيار هو حقوق الإنسان أي هي جرائم تمس الحقوق السامية للإنسان .
مثل ماذا..؟
مثلا الجرائم ضد حرية الأفراد و قد عالجها قانون العقوبات الليبي بهذا العنوان في النصوص (430، 428 ، 426 ، 425) كجرائم الرق والاستعباد و الاتجار بالرقيق و الخطف و التهديد حيث نلاحظ انتشار بعض الجرائم التي تزامنت مع انتشار السلاح و المليشيات بعد ثورة فبراير لأنها جرائم تحتاج إلى وجود عصابات مسلحة أقوى من سيطرة أجهزة الدولة حيث سجلت في إطار الهجرة غير النظامية قيام عصابات و مليشيات باستغلال المهاجرين بجرائم تقترب من جرائم الرق و الاتجار بالرقيق .
أغْلَبُ الجَرَائِم تَتَشَابَه وَ أكْثَرُهَا جَرَائِم التّهْدِيدِ وَ الخَطْفِ لِلْابْتِزَازِ المَالِيّ
هل واجهت السلطات المختصة مثل هذه الجرائم ؟
انتشار الجرائم المنظمة يفرض نفسه و لامجال لآنكاره أو إنكار سيطرة المليشيات المسلحة لكسب المال حيث إن المجتمع الدولي نفسه و الأمم المتحدة ، تدرك أن المليشيات المسلحة وبعض أمرائها تقف وراء الكثير من جرائم التهريب للبشر ، حيث تجني وراء ذلك الأرباح الطائلة و الأموال الكثيرة فهي تجارة رائجة في ظل ضعف الدولة و سطوة و قوة المليشيات ، وقد أصبح الكثير من قادة المليشيات يجنون الملايين من الأموال نتيجة ذلك
هل توجد جرائم أخرى تتعارض مع القانون الدولي الإنساني ؟
أغلب الجرائم أصبحت الآن تتماثل و تتشابه و لعل أكثرها جرائم التهديد و الخطف للابتزاز المالي ، حيث تنشط عصابات الخطف لغرض الكسب في كل ليبيا غربا و شرقا و جنوبا و جرائم التهديد يدعمها حالة الانفلات الأمني و انتشار السلاح و المليشيات ، و هي تدخل تحت الجرائم ضد الحرية الشخصية .
هل كل الخطف لغرض الكسب المالي ؟
كثير من ذلك لغرض الابتزاز المالي و لكن الكثير أيضا لغرض تصفية الحسابات و أحيانا للخلاف السياسي أو قمع الحريات و إرهاب كل من ينادي بالحرية أو بحقوق الإنسان ، و هذا النوع من الخطف يكون إخفاءً قسريا للضحايا و اعتقالا خارج إطار القانون فالسجون السرية في كل المدن تقريبا وحتى لو أن بعضها معروف إلا أنه خارج سيطرة الدولة ، وهذا ينافي القانون الليبي بشكل صريح و يعتبر من أخطر الجرائم . أيضا القوانين الدولية فالإعلان العالمي لحقوق الإنسان يجرم الخطف و الإخفاء القسري و يجرم أيضا أن يتم ذلك خارج إطار القانون ، فمثل القانون الوطني أيضا المواثيق الدولية و الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تفرض أن يكون لكل إنسان الحق في محاكمة عادلة و أمام القضاء الطبيعي ، لا أن يقبع في السجون المظلمة الخارجة عن القانون و البعيدة عن سلطة الدولة و أجهزتها النظامية .
عُضْوُ الهَيْئَة القَضَائِيّة المُعِزّ الصّادِق الوِرْشِفَانِيّ “الإخْفَاءُ القَسْرِيّ :جَرِيمَة يُعَاقِبُ عَليْهَا القَانُونُ الدّوْلِيّ لِحُقُوقِ الإنْسَانِ”
إذا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان كالقانون الليبي عام و شمولي كالحقوق الشخصية و تكفل حقوق السلامة الشخصية حق الإنسان في الحياة و الحرية و التمتع بالأمان و حرية الأديان و الأفكار .
ما دور القضاء في حماية حقوق الإنسان ؟
القضاء دائما يتصدى لما يعرض عليه من جرائم أيا كان نوعها و هو يبقى الحصن الأخير لحماية حقوق الإنسان و حريته طالما اتصل هذا القضاء بالقضايا فلابد أن يقول كلمته فيها و هو دائما شجاع في ذلك. ولكن غياب قوة سلطات الدولة الأمنية تجعل هذه الجرائم بعيدة عن متناول القضاء لأن سيطرة المليشيات و العصابات المسلحة أقوى من ذلك.
تضطلع لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة بإعداد تقارير بشكل دائم من خلال مراقبين ينتشرون في دول العالم تقدم التقارير إلى هيئة الأمم المتحدة و توزعها على الأعضاء ، الأمم المتحدة دائما دورها فاعل و مهم متى أتيحت لها الظروف الملائمة و لايمكن لنا أن نحمل القضاء الليبي أو المجتمع الدولي من خلال الأمم المتحدة أكثر من طاقته بسبب هشاشة الواقع الأمني في ليبيا وسيطرة و نفوذ التشكيلات المسلحة على أجهزة الدولة ، عندما يتم حل هذه المليشيات و يجمع السلاح المنتشر سيكون القضاء أقوى و أكثر حماية ، وسيكون دور الأمم المتحدة أكثر نتائج و عندها فقط يمكن أن نتكلم عن دور دولي حقيقي في الاستقرار و عودة السفارات الأجنبية حتى تعمل داخل ليبيا بعيدا عن الخطر و التهديد
ما دوركم الشخصي كرجل قضاء و مدافع عن قضايا حقوق الإنسان؟ شخصيا أعمل ما بوسعي للدفاع عن قضايا الضحايا و المدنيين الأبرياء و نحاول دائما نشر الوعي القانوني والحقوقي و نناضل لأجل إنصاف الضحايا و إخلاء سبيل كل معتقل خارج إطار القانون و تعويض كل من لحقه ضرر في نفسه أو ماله سواء باعتداء مباشر من المجرمين و المليشيات أو نتيجة ما تقوم به المليشيات من اشتباكات و معارك مسلحة يدفع ثمنها الإنسان البريء و تنتهك حقوقه رغم خطورة الأمر و حساسيته لأنه يمس أمراء المليشيات وأصحاب النفوذ في كل ليبيا و رغم ما يلحقنا من خطر و ما تصلنا من تهديدات إلا أن سمو حقوق الإنسان و قدسيتها يبقى هو الهدف و الغاية حتى نصل إلى أن تصان هذه الحقوق و الحريات ضد كل اعتداء داخل ليبيا التي نتمنى ان نراها آمنة مطمئنة يسودها الاستقرار والازدهار.