الهَمْزَةُ, حيرة وتساؤلات.

الهَمْزَةُ, حيرة وتساؤلات.

أ / صالح حصن

 بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية 18 نوفمبر.

“آدم” أبو البشر وهو من علمه ربه الأسماء كلها وأول الأسماء بداهة هو “آدم”, بدايته ألفان متتاليان استحضرا المَدُّ لتواليهما فاختفت الهمزة.  والألف كان أول الحروف, ارتكزت الهمزة على رأسه لبدء التفوه به.  والرأس أعلى الجسد ومقدمته و الهمزة كنسرٍ على قمة أوسطه بين الراء والسين. والهمزة مبتدأ أسم أسرة ومبتدأ كل مكوناتها – أب, أم, أخ, أختُ -.  لكن ما الهمزة ؟. وهل ما هي سوى هَمْزة أم الهَمْزَة حرفٌ له ما له وعليه ما عليه؟  أم هي مجرد وخزة بمهماز وسط الكلام ؟. أم تراها منبت الكلام ومبتدآه بكل ألسنة ولغات أبناء آدم فكانت كغنمة شاردة عن قطعانه وقد هامت وطافت فلا حدّتها محدودات ولا سلكت سبلاً حتى صارت لا هي من الغائبات فتهمل ولا من الحاضرات فتبرز وتحتل موقعاً لائقاً كغيرها ؟.  وربما تكون من المتبادل بين اللغات وما دخلت العربية سوى مؤخراً فلا هي استوت فيها ومعها ولا اندحرت وتلاشت ؟.  وحتى إن كانت عربية أصيلة فلا يغيب احتمال أنها قُرشية المنشاء مقصورة التداول على القرشيين ولم تنشأ في براري العرب حتى تصبح لبنة كاملة في بناء المتداول من لغتهم العربية الواسعة فما تمكنت من الانتشار بينهم بسلاسة و صار لها ما صار للخاء والقاف و الغين و النون وغيرها من الحروف.  للهمزة سمات تجعلني لا أستبعد أن تكون قُريشية المولد والنشأة وتكون من اختراع القرشيين دون سواهم باعتبارهم احتكروا التجارة والتصدير والاستيراد بين العرب والأمم الأخرى دون منافسة,  ولا بد أنها انتشرت نسبياً وبشكل محدود وغير واضح المعالم بين بقية العرب لمساهمة القرشيين الحياة العامة بشكل مميز وملفت لما اكتسبوه من سلطان بفضل تلك التجارة من مركز مميز بين القبائل جلبهم مناشط وسلوكيات حضارية و تقنيات من تلك الحضارات واحتلالهم مركز الحياة في شبه الجزيرة وما حولها لكونهم هم أهل “مكة” التي بها الكعبة الشريفة.  وليس غريباً أن تكون الهَمزَةُ قد نبعت من لغة التجارة لحاجة التُجار للهمز واللمز في حياتهم و رحلاتهم للتصدير والإستيراد صيفاً وشتاءً. قال تعالى: ” لِإِيلَافِ قُرَيْش إِيلَافهمْ رِحْلَة الشِّتَاء وَالصَّيْف فَلْيَعْبُدُوا رَبّ هَذَا الْبَيْت الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوع وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْف “.  والتُجار كانوا زمان كما هم اليوم وغداً بحاجة للسرية و اختصار الزمن والكلام وعدم الوضوح وأوضح ما يظهر لنا اليوم من ذلك ما نشاهده عبر شاشات التلفزة في أسواق المال والعملات وبورصات الأسهم والسندات حيث العيون مفتوحة لتلقف أية إشارة و الأصابع تتراقص لا تكل ولا تمل, دائبة القبض والإنبساط وكأنها تعزف بيانوهات في الفضاء لتنقل الخبر والرأي والقرار في لمح البصر, وحتى في الأسواق البدائية كسوق المُشير بطرابلس تسمع همهمات وكلمات لا تستطيع أن تدرك معانيها إن لم تكن منهم و ضمن “طبيختهم” ولا حتى تعرف لماذا كشّر أو ضحك أحدهم في لحظة ما.  إذاً هو الغَمزُ واللمزُ وهما لغةٌ وأوسع مجالهما السوق والتجارة.  قال تعالى” وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ “.   وقيل أن اللمز يكون باللسان، بينما الهمز بالفعل، كالإشارة باليد أو الرأس، أو الغمز بالعين.  ولكن لم الافتراض بأن الهَمزة في اللغة العربية قد تكون قُرشية أو غير عربية ضالة أتت من برور أخرى ؟  ولم الهمزة تحديداً؟.  الجواب أن ذلك كان لما تعانيه الهمزة من العرب وما يعانيه العرب منها كتابةً ولفظاً.

  كتابةً, دون غيرها لم تتناول كحرف من حروف الهجاء التي تبدأ من الألف وحتى الياء وبذلك لم تتبوأ موقعاً مستقلاً كباقي الحروف عند الكتابة ما يعني أنها لا تُكتَب أو لا ينبغي أن تُكتَب غير الأمر استوجب استدراكاً فكان أن سمحوا باستضافتها من قبل حروفي المَد الألف و الواو وتعيرها الياء كرسيها “النبرة” مجاملةً, وإن غاب المستضيفون ترتمي المسكينة على السطر ضئيلة غير منظورة كما تقول الأحجية الشعبية الليبية للأطفال “بليطة في الوطى متخيطة” (والتي حلها “ترفاسة” وترفاسة تعني “كمأة” ) إذن لم ينكرها الكَتَبة لكنهم لم يرحبوا بها في نفس الوقت وفي ذلك تحسباً منهم بأنها قد لا تكون حرف هجاء عربي.

أما لفظاً, فسأكتفي باقتباس ما يلي من شرح كلمة ”  أَأَن رَأَت ” كما وردت في بيت الشعر القائل :   أَأَن رَأَت رَجُلاً أَعشى أَضَرَّ بِهِ   ***   رَيبُ المَنونِ وَدَهرٌ مُفنِدٌ خَبِلُ

   وهذا البيت من مُعلقة, الأعشى التي مطلعها :  ”  ودّعْ هريرة َ إنْ الركبَ مرتحلُ،  ***   وهلْ تطيقُ وداعاً أيها الرّجلُ؟ 
وجميل أن أتذكر فأذكر أن جزء من هذه المُعلقة كان, بالنصف الأول من ستينات القرن الفائت, علينا طلبة سنة ثانية إعدادي حفظاً وشرحا. (الزمن الجميل !!! كما يحب البعض أن يسميه اليوم )  


وقال الشيخ “محمد محمود الشنقيطي” خلال شرح  البيت وتحديداً عند الكلمة ( أَأَن رَأَت )  ؛ “لمثل هاتين الهمزتين للعرب وجوهٌ منها, تحقيق الهمزتين, ومنها تسهيل الثانية, ومنها إبدال الثانية, ومنها إدخال الألف بينهما, ومنها حذف الأولى.  وذلك لأن العرب تَسْتَثْقِلٌ الهمزة فتتصرف فيها تصرفاً كثيراً.  وكما قال -والكلام للشنقيطي- ابن برِّي التازي, والهمزُ في النطق به تكلّف فاستسهلوه تارةً وحذفوه وأبدلوه حرف مد محضا ونقلوه بالسكون رهبة.  واستطرد الشيخ الشنقيطي قائلا, والهمزة يسمونها “المستوتة” لأن النطق بها كمن يتهوع (في لهجتنا الليبية نقول يتوّع), وهذه الوجوه هنا كلها تصحُّ ما عدى الإبدال والإدخال ذلك لأن الوزن لا يقبلهما أما التسهيل ممكن وكذلك التحقيق, و طبعاً الحذف أيضاً غير ممكن في هذه من جهة الوزن (وزن بيت الشِعر). “. 


شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :