سعد السني
ربما لم يتعرض مصطلح إلى الترهل واندراس المعالم مثلما حدث مع مصطلح( الوجودية ) الذي استُخدِمَ بمعانٍ شتى مختلفة كل الاختلاف ويعود ذلك إلى طبيعة هذه الفلسفة الرافضة أصلا للتأطير المذهبي حتى أصبحت كما وصف جاك دريدا التفكيك لصديقه الياباني بأنه (كل شيء وهو لا شيء) وإزاء هذا المفهوم مترامي الأطراف أجدني ملزماً بتحديد ما الذي أعنيه بالوجودية،وعلاقتها بالإلحاد. أعني بالوجودية ذلك التيار الفلسفي الذي اكتمل مع الفيلسوف الدنماركي سورين كجركارد مع أن له جذورا تعود إلى مرحلة مبكرة من تاريخ الفكر الإنساني نجدها عند فلاسفة كثر مثل القديس أوغسطين خصوصا في كتاب الاعترافات كما نجد نفساً وجودياً واضحاً في أشعار أبي العلاء المعري ونظرته التشاؤمية لعبثية الوجود الإنساني ، يقول أبوالعلاء المعري ليس مُجْدٍ في مِلّتي واعْتِقادي نَوْحُ باكٍ ولا تَرَنّمُ شادِ وشَبِيهٌ صَوْتُ النّعيّ إذا قِيس بِصَوْتِ البَشيرِ في كلّ نادِ أَبَكَتْ تِلْكُمُ الحَمَامَةُ أمْ غَنت عَلى فَرْعِ غُصْنِها المَيّادِ هذه الأبيات تمثل تشككا جذريا في جدوى أو معنى أي شيء وهو موقف وجودي بامتياز كذلك يمكننا رؤية نزعة وجودية واضحة في روايات الأديب الروسي دوستوفيسكي ،،والفلسفة الوجودية هي الأكثر اعتماداً على الأدب والفن في التعبير عن نفسها ويمكن فهم وجودية سارتر عن طريق أعماله الروائية والمسرحية أكثر من أعماله الفلسفية مثل (الكينونة والزمن ) ولكن ما الوجودية ؟
ما المعالم الأساسية المشتركة بين جميع الوجوديين ؟حتى أمكن اعتبار الوجودية تياراً أو اتجاهاً فلسفياً. لمحاولة الإجابة على هذا السؤال لابد من التطرق إلى أربعة مفاهيم أساسية تشكل هيكل التوجه الوجودي وهي -الزمان -الوجود -الماهية -الحرية تمثل هذه المفاهية الأربعة وعلاقاتها المتبادلة بنية الفلسفة الوجودية طرحت الوجودية سؤال الزمان في إطار علاقة بالإنسان ، فالزمان المقسم إلى حاضر وماض ومستقبل هو الزمان الإنساني الذي يجعل من (حاضر الإنسان)مرجعية له ‘وعندما نقول الحاضر فنحن نعني اللحظة الحاضرة لوجودنا في العالم ،ومفهوم الزمان عند الوجوديين يرتبط عضويا بالوجود الإنساني ولا وجود له خارج الوعي المدرك فالحاضر ليس إلا لحظة الانتباه أو القلق والماضي هو الذاكرة والمستقبل هو الترقب.
وتبدأ الوجودية بطرح سؤال الوجود في مواجهة الذات الواعية لهذا الوجود وهي لا تقتنع -الإلحادية منها -بالإجابات الدينية التي تعتبر هذا (الوجود) من خلق الله وأن للإنسان رسالة محددة هي عبادة الله وفعل الخير ،وإذا أخذنا وجودية سارتر مثالاً فهو يعتبر هذا الوجود عبثي وجاء بالصدفة ،ولا يوجد معنى محددا له ،وكل منظومات المعنى هي من صنع الإنسان خصوصاً فيما يتعلق بالأخلاق فلا وجود لخير أو شر ما هو موجود هو خيري وشري وخيرك وشرك ،،ما أراه خيرا قد تراه أنت شرا والعكس صحيح ، وبما أن الإنسان ( أُلقي به ) في هذا العما فعليه أن يختار بمحض إرادته معنى وجوده ولا يوجد (ماهية) ثابتة للإنسان فهو مشروع مفتوح على كل الاحتمالات والإنسان هو صانع ماهيته ،ولا وجود لقوة تفوقه صنعته بكيفية ثابتة ونهائية ،والإنسان محكوم عليه ب(الحرية) كما يقول جان بول سارتر ،وربما كان هذا التوجه العدمي والعبثي هو ما ربط الفلسفة الوجودية بالإلحاد والكفر ، لكن الغريب أن الفلسفة الوجودية بدأت من داخل المذهب البروتستانتي وسورين كيركارد الملقب بأبي الوجودية ، هو برتوتستاني، مؤمن وإن لم يكن متديناً بالمعنى التقليدي للتدين المسيحي ،ووجودية كيركيجارد هي تمرد على الكنيسة وتحويلها الدين إلى سلطة، وله نصوص إيمانية رائعة،منها كتاب (خوف ورعدة) ،حاول فيه وصف حادثة سيدنا إبراهيم عليه السلام عندما أمره الله بذبح ابنه ثم فداه بذبح عظيم،حاول في هذا النص أن يصف ما كان يدور في خلد نبي الله إبراهيم عليه السلام ،الذي أطلق عليه (فارس الإيمان) مع أنه اعتمد رواية العهد القديم لهذا الحدث الديني استفادت الوجودية من المنحى النقدي لسورين كيركيجور وذهبت به إلى نهايته العدمية ،ومع ذلك استمرت الوجودية المؤمنة ، ومن أبرز رموزها المعاصرين الفيلسوف الألماني بول تيليش والمفكر الروسي نيقولا بردائيف وكذلك الفرنسي جبرييل مارسيل.